الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأول ما أُقيم الاحتفال بهذا العيد المبتدع في مصر في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 362هـ) (1)
المطلب الثالث:
حكم هذا العيد
.
لا شك في أن جعل الثامن عشر من ذي الحجة عيداً وموسماً من المواسم التي يحتفل الناس بها، ويفرحون بقدومها، ويخصُّونها بشيء من القرب كالإعتاق والذبح ونحو ذلك: بدعة باطلة، وأساسها الذي اعتمدت عليه أمرٌ باطل لا شك في بطلانه، وهو زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة عشرة للهجرة، وهو قافلٌ عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع، أوصى بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكان يسمى غدير خم.
وهذا يدلُّ دلالة واضحة على أن المبتدعين لهذا العيد، والمعظمين له هم الشيعة، فهم يفضلونه على عيدي الفطر والأضحى، ويسمونه بالعيد الأكبر (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في كلامه عن أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة، والتي قد يدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال:
(النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه، كثامن عشر ذي الحجة، الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصَّى فيها باتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحة (3)
(1) - يُراجع: الخطط والآثار للمقريزي (1/489) . وقد أطال المؤلف في وصف الاحتفال بهذا العيد، وما يقع فيه من لبس الجديد من الثياب، وإعتاق الرقاب، والإكثار من الذبح، وقراءة نص الخلافة المزعوم من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين على بن طالب - رضي الله عليه - قبل الزوال
…
إلى غير ذلك.
(2)
- يُراجع: مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي ص (208) .
(3)
- رواه مسلم في صحيحه (4/1873) كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2408) . وتقدم تخريجه أيضاً في ص (376- 377) .
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
فزاد بعض أهل الأهواء (1) في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطراب أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً. والعادة التي جبل الله عليها بني آدم، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق، يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا اليوم عيداً محدث لا صل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم، من اتخذ ذلك اليوم عيداً، حتى يحدث فيه أعمالاً؛ إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع، وللنبي صلى الله عليه وسلم خُطبٌ وعهودٌ ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر (2) ، وحنين (3) ، والخندق (4)
، وفتح مكة (5) ، ووقت هجرته، ودخوله المدينة (6) ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً. وإنَّما يفعل مثل هذا النصارى، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود. وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه) ا. هـ (7) .
وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن اتخاذ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيداً. بدعة، لم يفعلها السلف، ولم يستحبوها، وأن ذلك موسم غير شرعي، وإنما هو من المواسم المبتدعة (8) - والله أعلم -
(1) - لاشك أنهم الشيعة.
(2)
- بدر: ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء بينه وبين ساحل البحر ليلة، ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، وبهذا الماء كانت الوقعة المشهورة التي اظهر الله بها الإسلام، شهدها من الصحابة - رضوان الله عليهم -. يراجع: معجم البلدان (1/357، 358) .
(3)
- حنين: هو واد قبل الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وهو: المواضع الذي هزم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هوازان وذلك سنة 8هـ. يراجع: معجم ما استعجم ص (471، 472) .
(4)
- وهي المعروفة بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب وفيها اجتمعت القبائل بتحريض من اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه القبائل: قريش وبنو سليم، وبنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مرة، وكان عددهم عشرة آلاف فلما سمع بهم الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة فآشار عليه سلمان الفارسي- رضي الله عنه بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة، فأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فبادر إليه المسلمون، وعمل بنفسه فيه، وكان حفر الخندق أمام جبل سلع الذي كان خلف ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وكان ذلك سنة 5هـ.
يراجع: زاد المعاد (3/296- 271) .
(5)
- مدينة مكة المكرمة: أشهر من أن تعرف فهي قبلة المسلمين، وبها بيت الله الحرام، وأشرف بقعة على وجه الأرض. وكان فتح مكة سنة 8هـ.
(6)
- المدينة: وكانت تسمى في الجاهلية: يثرب. وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، ورد في فضلها وأنها بلد حرام، أحاديث كثيرة، عقد لها البخاري كتاباً في صحيحه وسماه كتاب: فضائل المدينة، وفيها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره ومنبره اللذين ورد في أن ما بينهما روضة من رياض الجنة، وبها استقر خير أمة محمد عليه والسلام من الخلفاء الراشدين والصحابة وبها ماتوا ودُفنوا. وفي شمالها يقع جبل أحد الذي وقعت عنده الغزوة المشهورة غزوة أحد، وهي في حرة سبخة الأرض، وبها نخيل كثيرة ومياه ومزارع. وتقع شمال مكة على نحو عشر مراحل (حوالي 450كم) . يراجع: معجم البلدان (5/82، 88) ، وصحيح البخاري (2/220- 255) كتاب فضائل المدينة.
(7)
- يراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (2/613- 615) .
(8)
- يراجع: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/298) .