الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية (1) .
المطلب الثاني:
عتيرة رجب
.
فسر العلماء عتيرة رجب بعد تفسيرات، منها:
قال أبو عبيدة: (وأما العتيرة فإنها الرجبية، وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب، يتقرب بها أهل الجاهلية.... وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا طلب أمراً نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا، وهي العتائر)(2) .
وذكر ابن منظور: (أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغت إبلي مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضنّ بالغنم فصاد ظبياً فذبحه)(3) .
وقال أبو داود: (والعتيرة في العشر الأول من رجب)(4) .
وقال الخطابي: (العتيرة: تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث، ويليق بحكم الدين) .
(1) - يراجع: المصنف (3/102) . قال الألباني بعد ذكره سنده: وهذا سند صحيح. يُراجع: إرواء الغليل (4/113) ، وحديث رقم (957) .
(2)
- يراجع: غريب الحديث (1/ 195و196) .
(3)
- يراجع: لسان العرب (4/537) مادة (عتر) .
(4)
- يراجع: سنن أبي داود (3/256) كتاب الأضاحي. حديث رقم (2833) .
وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها. والعتر: بمعنى الذبح) (1) .
والصحيح - إن شاء الله تعالى - أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر، وجعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالأضحية في الأضحى، وكان منهم من ينذرها، كما قد ينذر الأضحية، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة)) (2) . وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام تقريراً لما كان في الجاهلية، وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ بعد، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة، فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت لزمه الوفاء بنذره (3) .
حكم العتيرة:
اختلف العلماء في حكم العتيرة على أقوال:
القول الأول: أن العتيرة مستحبة، والدليل على ذلك ما تقدم من الأحاديث الدالة على الأمر بها، وأنها حق.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا فرع ولا عتيرة)) . أي لا عتيرة واجبة قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذبحوا لله في أي وقت كان)) (4) . أي إذبحوا إن شئتم، واجعلوا الذبح لله في أي شهر كان، لا أنها في رجب دون غيره من الشهور (5) . وهذا قول الشافعي رحمه الله.
(1) - يراجع: معالم السنن (4/92) . أول كتاب الضحايا. حديث رقم (2670) .
(2)
- رواه أحمد في مسنده (4/215) ، ورواه النسائي في سننه (7/167، 168) ، كتاب الفرع والعتيرة، رواه الترمذي في سننه (3/37) ، أبواب الأضاحي، حديث رقم (1555) ، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. ورواه أبو داود في سننه (3/256) ، كتاب الضحايا. حديث رقم (2788)، وقال الخطابي: هذا الحديث ضعيف المخرج، وأبو رملة مجهول. يراجع: معالم السنن (4/94) ، كتاب الضحايا. حديث رقم (2670)، وقال المنذري: وقد قيل أن هذا الحديث منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم ((لا فرع ولا عتيرة)) . يراجع: مختصر سنن أبي داود (4/93) ، كتاب الضحايا. حديث رقم (2670)
(3)
- يراجع: الشرح الكبير لابن قدامة (2/304و305) .
(4)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (9/596) كتاب العقيقة، حديث رقم (5473) ، ورواه مسلم في صحيحه (3/1564) كتاب الأضاحي، حديث رقم (1976)
(5)
- يراجع: المجموع للنووي (8/445) .
قال النووي: وقد نص الشافعي رحمه الله في سنن حرملة أنها إن تيسرت كل شهر كان حسناً، فالصبح الذي نص عليه الشافعي رحمه الله واقتضته الأحاديث أنهما - الفرع والعتيرة - لا يكرهان بل يستحبان هذا مذهبنا (1) . ا. هـ.
القول الثاني: أنها لا تستحب، وهل تكره؟ : فيه وجهان:
الوجه الأول: تكره العتيرة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا فرع ولا عتيرة))
الوجه الثاني: لا تكره للأحاديث السابقة (2) بالترخص فيها.
وأجابوا عن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا فرع ولا عتيرة)) . بثلاثة أوجه:
أحدها: أن المراد نفي الوجوب - كجواب الشافعي رحمه الله السابق.
الثاني: أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.
الثالث: أن المراد أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو ثواب إراقة الدم.
وقد نسب النووي هذا القول: إلى ابن كج والدارمي من الشافعية.
(1) - يراجع: المجموع (8/445، 446) .
(2)
- عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو الباهلي قال: سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع...... فقال رجل من الناس: يا رسول الله العتائر والفرائع؟ قال: ((من شاء عتر ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع، وفي الغنم أضحيتها)) وقبض أصابعه إلا واحدة.
عن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول: ((يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية)) .
القول الثالث: أنها لا تسن. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا فرع ولا عتيرة)) . الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وهذا الحديث متأخر على الأمر بها فيكون ناسخاً.
ودليل تأخره أمران:
أنه من رواية أبي هريرة وهو متأخر الإسلام، فإن إسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة.
أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمراً متقدماً على الإسلام، فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه، واستمرار النسخ من غير رفع له. ولو قدرنا تقدم النهي عن الأمر بهما، لكانت نسخت ثم نسخ ناسخها وهذا خلاف الظاهر.
إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة، لا تحريم فعلها ولا كراهته (1) . ذكر هذا القول ابن قدامة في الشرح الكبير وقال: هذا قول علماء الأمصار، سوى ابن سيرين، فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئاً (2) .
(1) - يراجع: الشرح الكبير (2/304، 305) .
(2)
- يراجع: الشرح الكبير (2/304) .
وقد قال بالنسخ أبو عبيد القاسم بن سلام، وذكر النووي أن القاضي عياض يقول: إن الأمر بالفرع والعتيرة منسوخ عن جماهير العلماء (1) .
القول الرابع: النهي عن العتيرة، وأنها باطلة: قال ابن قيم الجوزية: وقال ابن المنذر-بعد أن ذكر الأحاديث في عتيرة رجب-: وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، وفعله بعض أهل الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما، ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لا فرع ولا عتيرة)) . فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنها، ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحداً من أهل العلم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما، والدليل على أن الفعل كان قبل النهي قوله في حديث نبيشة:((إنا كن نعتر عتيرة في الجاهلية، إنا كنا نفرع في الجاهلية)) (2) .
وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك، وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا (3) ..ا. هـ.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: قوله ((ولا تسن الفرعة والعتيرة)) وفيما أفهم الآن أنه أقرب إلى التحريم. قوله ((والمراد بـ ((لا فرع ولا عتيرة)) نفي كونهما
(1) - يراجع: المجموع (8/446) . وشرح صحيح مسلم للنووي: (13/137) . والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: ص (158-160) .
(2)
-رواه أحمد في مسنده (5/76) ، ورواه أبو داود في سننه (3/255) ، كتاب الأضاحي حديث (2830) ، ورواه النسائي في سننه (7/169، 170) ، كتاب الفرع والعتيرة، ورواه ابن ماجه في سننه (2/1057، 1058) كتاب الذبائح، حديث رقم (3167) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/235) كتاب الذبائح، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
- يراجع: تهذيب سنن أبي داود لابن القيم (4/92و93) . والاعتبار ص (159و160) .
سنة)) أي خلافاً لما يراه بعض أهل الجاهلية من أن ذلك سنة، هذا معنى كلام بعضهم. لكن النفي يفيد البطلان كـ ((لا عدوى ولا طيرة)) أفلا يكون ((لا فرع ولا عتيرة)) إبطال لذلك؟! .
فالأصل سقوط ذلك، ولا حاجة إلى تأويل، بل هو ساقط بالإسقاط النبوي، سقط سنة وفعلاً.
هذا مع دلالة ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (1) . مع دلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من مشابهة الجاهلية.
ثم إن هذا من باب العبادات، والعبادات توقيفية، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منتفية، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية، لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها.
قوله: ((ولا يكرهان)) هذا تصريح بعدم الكراهية، وبعض الأصحاب قال بالكراهة (2) ، والذي نفهم أنه حرام، وهذا بالنسبة إلى تخصيصهم ذبح أول ولد تلده الناقة - الفرع -، والذبح في العشر الأول من رجب -العتيرة -، أما إن كان مثل ما يفعله الجاهلية لآلهتهم فهو شرك (3) . ا. هـ.
والذي يترجح عندي -والله أعلم - هو القول بالبطلان، لاتفاق جمهور العلماء على أن ما ورد في العتيرة منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا فرع ولا عتيرة)) . وأن اللام في هذا الحديث تفيد النفي قياساً على قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة)) . ولما في العتيرة من التشبه بأهل الجاهلية، وهذا منهي عنه، ولأن الذبح عبادة، والعبادات توفيقية.
ولكن ليس هذا معناه أنه لا يجوز الذبح عموماً في شهر رجب ولكن المراد بالنهي هو ما ينويه الذابح أن هذه الذبيحة هي عتيرة رجب، أو انه ذبحها تعظيماً لشهر رجب ونحو ذلك. - والله أعلم -.
(1) - رواه أحمد في مسنده (2/50) . ورواه أبو داود في سننه (4/314) كتاب اللباس، حديث رقم (4031) . قال المنذري في تهذيب سنن أبي داود (6/25) :(في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو ضعيف) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/236) : (وهذا إسناد جيد) . وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 590) رقم (8593) . وأشار إلى أنه حسن. من رواية أبي داود، والطبراني في الأوسط. وقال الحافظ العراقي: سنده صحيح، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند البزار. وعند أبي نعيم في تاريخ أصبهان. يُراجع: كشف الخفاء (2/314)، حديث رقم (2436) . وقال الألباني رحمه الله: صحيح. يُراجع: إرواء الغليل (8/49) ، وحديث رقم (2384) .
(2)
- يراجع: الإنصاف للمرداودي (4/114) .
(3)
- يراجع: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/165و166) .