الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حفائظ) في آخر جمعة من رمضان، ويسمون هذه الجمعة بالجمعة اليتيمة، فيكتبون هذه الأوراق حال الخطبة، ومما يكتب فيها قولهم (لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون (1) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) . ويعتقد هؤلاء الجهال المبتدعة أنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات.
فلا شك في بدعية هذا الأمر، لما في ذلك من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتشويش على الخطيب وسامعيه، وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى، ولا خير في ذلك ولا بركة، فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين.
وقد يكتب فيها كلمات أعجمية قد تكون دالة على مالا يصح، أو فيها كفر بالله، ولم ينقل هذا عن أحد من أهل العلم، وذلك- والله أعلم- من بدع الدجالين (2) التي زينهوها للعامة البسطاء الجهال، ولذلك لا تقع إلا في القرى المتأخرة، والبلدان التي تكثر فيها البدع، فيجب النهي عنها، والتحذير منها، مثلها في ذلك مثل جميع البدع التي تشغل الناس عما أوجبه الله عليهم من الفروض والواجبات (3) .
أحد عشر:
بدعة قرع النحاس آخر الشهر:
ومن البدع المحدثة في شهر رمضان بدعة القرع على النحاس (4) ونحوه آخر يوم من رمضان، عند غروب الشمس، يأمر الناس بذلك أولادهم، ويعلمونهم كلمات يقولونها حالة القرع، تختلف باختلاف البلدان، ويزعمون أن ذلك يطرد الشياطين التي هاجت في هذا الوقت، لخروجها من السجن، وخلاصها من السلاسل التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم، قاتل الله الجهل كيف يؤدي بالناس إلى هذه المهازل (5)
اثنا عشر:
بدعة وداع رمضان:
ومن البدع المحدثة في شهر رمضان المبارك: أنه إذا بقي من رمضان خمس ليال، أو ثلاث ليال يجتمع المؤذنون، والمتطوعون من أصحابهم، فإذا فرغ الإمام من سلام
(1) - لا شك في أن هذه الكلمة أعجمية.
(2)
- الدجال: من دجل أو كذب، لأن الكذب تغطية، فدجل الشيء تغطيته فالدجال: الكذاب، وكل كذاب فهو: دجال لأنه يستر الحق بكذبه. أو يدجل الحق بالباطل. يراجع: لسان العرب (11/236، 237) ، مادة (دجل) .
(3)
- يراجع: الإبداع ص (177) . والسنن والمبتدعات للشقيري ص (161) .
(4)
- النحاس: ضرب من الصفر والآنية شديد الحمرة. يراجع: لسان العرب (11/227) ، مادة (نحس) .
(5)
- يراجع: الإبداع ص (430) .
وتر رمضان، تركوا التسبيح المأثور، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان، ويسمع الصم، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين.
ولعلم الناس بأن تلك الليالي هي ليالي الوداع، ترى الناس في أطراف المساجد، وعلى سدده (1) وأبوابه، وداخل صحنه، النساء والرجال والشباب والولدان، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها.
رفع الأصوات بالمسجد، وهو مكروه كراهة شديدة.
التغني والتطرب في بيوت الله، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة.
كون هذه البدعة مجبلة للنساء والأولاد والرعاع، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع.
اختلاط النساء بالرجال.
هتك حرمة المسجد، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه، إلى غير ذلك، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه - وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك - وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه، نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه.
ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان، من ندب فراقه كل عام، والحزن على مضيه، وقوله: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا. ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة، ومن ذلك قوله: لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح. فتأمل هدنا الله وإياك لما آلت إليه الخطب، لاسيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل، الناس فيه بحاجة ماسة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر، ومواساة الفقراء، والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة، والآثار الحميدة، وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام (2) .
(1) - السدة: كالظلة على الباب، لتقي الباب عن المطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: هي الساحة بين يديه. يراجع: لسان العرب (3/209) ، مادة (سدد) .
(2)
- يراجع: إصلاح المساجد ص (145، 146) . السنن والمبتدعات ص (165) .