الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معصية، أو شعاراً لها، كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه، بعلة كونه تشبهاً، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير قد فعله أيضاً، ولم يأخذ أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبه نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذا الحديث أقل أحوال أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) ا. هـ (2) .
ثالثاً:
الأدلة من الإجماع:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عامة الأئمة بعده، وسائر الفقهاء، جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمَّة من النصارى وغيرهم، فيما شرطوه على أنفسهم:
أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم: قلنسوة (3) أو عمامة أو نعلين، أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زيِّنا حيثما كنَّا، وأن نشد الزنانير (4) على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر صليباً ولا كتباً في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين (5)
(1) - يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/238) .
(2)
- يُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/237) .
(3)
- القلنسوة: من ملابس الرؤوس معروف. يُراجع: لسان العرب (6/181) مادة (قلس) .
(4)
- الزنانير: جمع زنارة وزنارة: ما يلبسه المجوسي والنصراني على وسطه يشده به. يُراجع: لسان العرب (4/330) مادة (زنر) .
(5)
- رواه البيهقي في سننه (9/202) كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصالح على الجزية. ويراجع: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/657-663) . ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/320- 321) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (رواه حرب - الكرماني - بإسناد جيد) .
فهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مُجْمَعٌ عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم وسائر الأئمة.
والقصد من هذه الشروط: ليتميز المسلم عن الكافر، ولا يتشبه أحدهما بالآخر في الظاهر، ولم يرض عمر رضي الله عنه والمسلمون بأصل التمييز، ل بالتميز في عامة الهدي، وذلك يقتضي إجماع المسلمين على التمييز عن الكفار ظاهراً، وترك التشبه بهم. والمقصود من هذا التييز ليُعرفوا (1) .
ما رواه قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس (2)، يقال لها: زينب، فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ . قالوا: حجَّت مصمته. فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت، فقالت: من أنت؟ . قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ . قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسؤول، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ . قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك الناس (3) .
(1) - ويُراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (1/321- 322) .
…
...
(2)
- أحمس: بطن من أنمار بن أراش من القحطانية، وينسبون إلى أمهم بجيلة. يراجع: معجم ما استعجم (1/57- 63) . ومعجم قبائل العرب (1/10و63- 65)
(3)
- رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (7/147، 148) كتاب مناقب الأنصار، حديث رقم (3834) .