الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ إِبَاحَةِ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لِلْمُسَافِرِ وَمِنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ
4258 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها: أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، وَصُمْتُ وَأَفْطَرْتَ، قَالَ:" أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ " وَمَا عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهَا "
⦗ص: 26⦘
فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ قَدْ قَصَرَتِ الصَّلَاةَ مَرَّةً وَأَتَمَّتْهَا مَرَّةً، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا احْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي سَفَرِهِ
4259 -
غَيْرَ أَنَّ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا هَذَا الْحَدِيثَ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ:" خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصُمْتُ، وَقَصَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتْمَمْتُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْطَرْتَ وَصُمْتُ، وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ غَيْرَ هَذَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ التَّقْصِيرَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ الْإِتْمَامَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَاحْتَجْنَا إِلَى أَنْ نَقِفَ عَلَى سَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عَائِشَةَ إِذْ كَانَ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى عَائِشَةَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ
فَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ
⦗ص: 27⦘
زُهَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، قَالَ: كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ بِغَيْرِ إِذْنٍ حَتَّى إِذَا احْتَلَمْتُ، سَلَّمْتُ وَاسْتَأْذَنْتُ، فَعَرَفَتْ صَوْتِي، فَقَالَتْ:" هِيَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ فَعَلْتَهَا؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا أُمَّاهُ، قَالَتِ:" ادْخُلْ يَا بُنَيَّ "، فَأَقْبَلْتُ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَبِي وَأَصْحَابِهِ، فَأَخْبَرْتُهَا، ثُمَّ سَأَلْتُهَا عَمَّا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَيْهَا فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَثْبِيتُ سَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عَائِشَةَ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا فِي حَدِيثِهِ هَذَا، فَوَجَدْنَاهُ بَعِيدًا مِنَ الْقُلُوبِ، إِذْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ مَوْضِعِهِ فِي صُحْبَتِهَا وَفِي الْأَخْذِ عَنْهَا، وَفِي الْفِقْهِ وَالْجَلَّالَةِ وَقَبُولِ الرِّوَايَةِ فَوْقَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمَا مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
4260 -
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ وَهُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: " أَوَّلُ مَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ
⦗ص: 28⦘
رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، صَلَّى إِلَى كُلِّ صَلَاةٍ مِثْلَهَا غَيْرَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، وَصَلَاةُ الصُّبْحِ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا، وَكَانَ إِذَا سَافَرَ عَادَ إِلَى صَلَاتِهِ الْأُولَى "
4261 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ
⦗ص: 29⦘
صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ "
4262 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
4263 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ،
⦗ص: 30⦘
عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ، قَالَ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنهما. فَكَانَ فِيمَا رُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مَا قَدْ حَقَّقَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، كَمَا فَرْضَهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَكَانَ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْحَضَرِ ثَمَانِيًا غَيْرَ مُحْسِنٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ فَرْضَهُ فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهَا، فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي سَفَرِهِ أَرْبَعًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ فَرْضَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الَّذِي قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِيمَنْ صَلَّى صَلَاةً مَكْتُوبَةً، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَنْ لَا يَفْعَلَ حَتَّى يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا النَّهْيُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُصَلِّي وَقَدْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَ نَهْيُهُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُسَلِّمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْكَدَ، وَكَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي خِلَافِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ
⦗ص: 31⦘
مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَكْثَرَ. وَلَعَائِشَةُ كَانَتْ لِعِلْمِهَا وَلِمَعْرِفَتِهَا وَلِمَوْضِعِهَا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِعْلِهِ عَلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهَا فِيمَا رَوَتْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ
4264 -
كَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدٌ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَا أُحَدِّثُكَ، أَنَا سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ هَذَا، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ. فَكَمَا يُتَطَوَّعُ هَاهُنَا قَبْلَهَا وَمِنْ بَعْدِهَا، فَكَذَلِكَ يُصَلَّى فِي السَّفَرِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا "
⦗ص: 32⦘
فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما هَذَا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ، وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ مَنَ زَادَ عَلَى فَرْضِهِ فِي صَلَاتِهِ فِي السَّفَرِ، كَمَنْ زَادَ عَلَى فَرْضِهِ فِي صَلَاتِهِ فِي الْحَضَرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَحْمُودٍ مِنْ فَاعِلِهِ فِي الْحَضَرِ، كَانَ غَيْرَ مَحْمُودٍ أَيْضًا مِنْ فَاعِلِهِ فِي السَّفَرِ، فَانْتَفَى بِذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدِيثَا مَسْرُوقٍ وَعُرْوَةَ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا. وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.