الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجْمِهِ مَنْ رَجَمَهُ مِنَ الْيَهُودِ هَلْ كَانَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ رَدِّهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا، وَكَانَ مَجِيئُهُمْ بِهِمَا يَدُلُّ أَنَّهُمَا أَتَيَاهُ بِاخْتِيَارِهِمَا، وَيَدُلُّ تَرْكُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُؤَالَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سِوَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَشْهَدُوا عَلَى مَا رَمُوهُمَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي تَرْكِهِ لِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِهِ شَهَادَةَ مَنْ جَاءَ بِهِمْ إِلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لِمَا مَرَّ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَهُودِيِّ الْمُحَمَّمِ رَأْسُهُ، فَأَعْلَمُوهُ بِالزِّنَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ حَتَّى فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِقْرَارٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ بِمَا ذَكَرُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا تَصْدِيقٌ لَهُ إِيَّاهُمْ
عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ إِعْلَامُهُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ مِنْهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:" أَنَا أَوْلَى مَنْ أَحْيَا مَا أَمَاتُوا مِنْ أَمْرِ اللهِ "، فَرَجَمَهُ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْمَعْنَى بِأَكْشَفَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
4545 -
كَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْيَهُودِ:" مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُقِيمُوا عَلَيْهِمَا الْحَدَّ؟ " فَقَالُوا: قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ إِذْ كَانَ الْمُلْكُ لَنَا وَفِينَا، فَأَمَّا إِذْ ذَهَبَ مُلْكُنَا فَلَا نَجْتَرِئُ عَلَى الْقَتْلِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ " فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَقَالَ لَهُمَا:" أَنْتُمَا أَعْلَمُ مَنْ وَرَاءَكُمَا؟ " قَالَا: كَذَلِكَ يَقُولُونَ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَنْشُدُكُمَا بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، كَيْفَ تَجِدُونَ حَدَّهُمَا فِي التَّوْرَاةِ؟ " فَقَالَا: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ: الرَّجُلُ يُقَبِّلُ الْمَرْأَةَ زَنْيَةٌ وَفِيهِ عُقُوبَةٌ، وَالرَّجُلُ يُوجَدُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ زَنْيَةٌ وَفِيهِ عُقُوبَةٌ، فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يُدْخِلُهُ فِي فَرْجِهَا كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" ائْتُونِي بِشُهُودٍ " فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَرَجَمَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 451⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ فِي الْفِقْهِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ، فَأَمَّا فِي اتِّفَاقِهَا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، مِنْهُمْ شُرَيْحٌ وَهُوَ قَاضِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ: عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شُرَيْحٍ:" أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ "
⦗ص: 452⦘
وَمِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ وَمَوْضِعِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " أَجَازَ شَهَادَةَ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ، وَنْصَرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ " وَمِنْهُمُ: الشَّعْبِيُّ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: " أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ النَّصْرَانِيِّ
⦗ص: 453⦘
عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:" أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ " وَمِنْهُمُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:" تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلَا النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ، حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كَانَ يَقُولُ: " شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَكَانَ يَرَى شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، أَوِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ لَا تَجُوزُ " وَمِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ
⦗ص: 455⦘
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَوَاءً. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ ذَلِكَ، يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ وَفُقَهَاؤُهُمْ. وَقَدْ سَمِعْتُ يُونُسَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: خَالَفَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مُعَلِّمِيهِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، كَانَ ابْنُ شِهَابٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ يُجِيزُونَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ يَقُولُ وَذَكَرَ هَذَا الْبَابَ، فَقَالَ: جَمَعْتُ فِيهِ قَوْلَ مِائَةِ فَقِيهٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي قَبُولِ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا وَجَدْتُ فِيهِ اخْتِلَافًا مِنْ أَمْثَالِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَبِيعَةَ، فَإِنِّي وَجَدْتُ عَنْهُ قَبُولَهَا، وَوَجَدْتُ عَنْهُ رَدَّهَا. وَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ مَعَ الْكُفْرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ بِاللهِ عز وجل؟ قَالَ: وَإِذَا كَانَ فُسَّاقُنَا بِمَا هُوَ دُونَ الْكُفْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، كَانَ الْكُفَّارُ مِنْ غَيْرِنَا أَحْرَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْكُفْرَ الَّذِي أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَيْهِ، لَمْ
⦗ص: 456⦘
يُخْرِجْهُمْ مِنْ حَالِ وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي تَزْوِيجِ بَنَاتِهِمْ، وَفِي الْوَلَايَةِ عَلَى صِغَارِهِمْ مِمَّنْ هُمْ آبَاؤُهُمْ فِي الْبَيْعِ لَهُمْ، وَفِي الِابْتِيَاعِ لَهُمْ، وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ فُسَّاقِنَا فِي أَمْثَالِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَكَانَ مَنْ كَانَ مِنْ فُسَّاقِنَا وَاجِبٌ عَلَيْنَا مُنَابَذَتُهُ، وَتَرْكُ إِقْرَارِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ فِسْقِهِ حَتَّى نُزِيلَهُ عَنْهُ إِلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، إِذْ كَانُوا مُخَلِّينَ عَلَى حُكْمِ شَرِيعَتِهِمْ غَيْرَ مَأْخُوذِينَ بِتَرْكِ ذَلِكَ، وَلَا بِالزَّوَالِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانُوا فِيمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ، كَانُوا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ مِنَّا، وَكَانُوا فِي سَائِرِ مَا فِي شَرِيعَتِهِمْ كَنَحْنُ فِي مَا تُوجِبُهُ شَرِيعَتُنَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ سِوَاهُمْ، إِلَّا مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ مِلَلِهِمْ إِذَا اخْتَلَفَتْ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يُرَاعِي ذَلِكَ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَهْلِ مِلَّةٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الْآيَةَ، وَفِي حُكْمِهَا، هَلْ هُوَ بَاقٍ أَوْ لَحِقَهُ نَسْخٌ؟
4546 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:" كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ يَخْتَلِفَانِ إِلَى مَكَّةَ لِلتِّجَارَةِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَدَفَعَا بِتَرِكَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللهِ: مَا كَتَمْنَا وَلَا أَطْلَعْنَا، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ عَدِيٍّ وَتَمِيمٍ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ، فَحَلَفَا بِاللهِ: إِنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ، وَلَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَمَا اعْتَدَيْنَا، إِنَّا إِذًا لِمَنَ الظَّالِمِينَ، فَأُخِذَ الْجَامُ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ "
⦗ص: 459⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ هَذَا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ يُعْرَفُ بِالشَّنِّيِّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، مِنْهُمْ: أَبُو أُسَامَةَ
4547 -
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَبَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُرَنِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
⦗ص: 460⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: فَهَذِهِ آيَةٌ قَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حُكْمِهِ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِيهَا مَا قَدْ رَوَيْتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَمَسُّكِهِ بِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِمَّا الْحُكْمُ بِمَا فِيهَا قَائِمٌ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسْخٌ.
وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، قَالَ:" مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفَّارِ، إِذَا لَمْ تَجِدُوا الْمُسْلِمِينَ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِيَ ابْنَ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، قَالَ: " مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ
⦗ص: 461⦘
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ. وَرُوِي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِيهَا كَمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ الْأَزْرَقُ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: " قَضَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِدَقُوقَاءَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] "
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ:" خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَثْعَمٍ، فَتُوُفِّيَ بِدَقُوقَاءَ، فَلَمْ يَشْهَدْ وَصِيَّتَهُ إِلَّا رَجُلَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَشْهَدَهُمَا عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ دُبُرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا خَانَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ، ثُمَّ أَجَازَ شَهَادَتَهُمَا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافًا لَهُمَا، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا مُوسَى فِي ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ التَّابِعُونَ فِي ذَلِكَ قَدْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
فَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَتَبَ هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى شُرَيْحٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:" أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا "
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي السَّفَرِ، وَلَا تَجُوزُ فِي السَّفَرِ إِلَّا
⦗ص: 464⦘
فِي الْوَصِيَّةِ " قَالَ: فَهَذَا شُرَيْحٌ وَهُوَ قَاضِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ قَدْ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ.
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: " مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ.
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106] قَالَ: " هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ " قَالَ:
⦗ص: 465⦘
وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ مِثْلَهُ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْهَا، فَقَالَ:" مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ " فَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مِثْلِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ.
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] : " أَنْ يَمُوتَ الْمُسْلِمُ فَيَحْضُرَ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ، أَوْ كَافِرَانِ، وَلَا
⦗ص: 466⦘
يَحْضُرَ غَيْرُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ بِمَا غَلَبَا عَنْهُ مِنْ تَرَكْتِهِ، فَذَلِكَ وَيَحْلِفَانِ: إِنَّهُمَا صَادِقَانِ، فَإِنْ عَثَرَ بِلَطْخٍ وُجِدَ، أَوْ لُبِسَ، أَوْ تَشْبِيهٍ، حَلَفَ الِاثْنَانِ لِلْأَقْرَبِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ فَاسْتَحَقَّا وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدِينَ " فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ مُجَاهِدٍ، كَمَا ذَكَرْنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ:{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، قَالَا:" مِنْ غَيْرِ دِينِكُمْ "
⦗ص: 467⦘
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ. فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ هُوَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ مِثْلَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَنْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ.
كَمَا أَجَازَهُ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ مَاتَ فِي
⦗ص: 468⦘
قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَأَوْصَى، قَالَ:" يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، يَعْنِي عَلَى وَصِيَّتِهِ " وَقَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الدِّعْلِجِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ، عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: وَسُئِلَ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي السَّفَرِ، هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَذَكَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ:" لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَلَا النَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا فِي السَّفَرِ " قَالَ سُفْيَانُ: حَيْثُ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: أَيُؤْخَذُ بِهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ عَمِلَ بِهَا أَبُو مُوسَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مَا يُخَالِفُ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتَ.
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ:{اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكِمْ} [المائدة: 106]، قَالَ:" مِنْ غَيْرِ أَهْلِ قِبْلَتِكُمْ، كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106] ؟ " فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّا لَا نَدْفَعَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَكَيْفَ نَدْفَعُ أَنْ يَكُونُوا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصْحَابِهِ، وَمَالِكٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصْحَابِهِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهَا بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُقْطَعُ فِيهِ عَلَى الْمُخَالِفِ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالنَّسْخِ لِمَا قَدْ أَنْزَلَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُهُ، وَعَمِلَ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ مَا قَدْ أُجْمِعَ عَلَى ثُبُوتِهِ إِلَّا لَقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيهِ، فَأَمَّا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَسَنُ مِنْ قَوْلِ اللهِ:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106] مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا دَلِيلَ عِنْدَنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ
⦗ص: 470⦘
قَصَدَ بِذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ جَمِيعًا وَهُوَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيَتَوَقَّوْنَهُ وَيَخَافُونَ نُزُولَ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ:" ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى سِلْعَةٍ أَنَّهُ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا كَاذِبًا " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا، بَقِيَ حُكْمُ الْآيَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مِثْلُهُ مِمَّا يُوجِبُ نَسْخَهَا، وَقَدْ كَانَ الزُّهْرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّهَا مِمَّا قَدْ نُسِخَ الْعَمَلُ بِهِ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَقَالَ بِعَقِبِ ذَلِكَ:" وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْوَالِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ "
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ
⦗ص: 471⦘
عَيَّاشٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الْآيَةَ، قَالَ:" ذَلِكَ كَانَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْأَرْضُ حَرْبٌ، وَالنَّاسُ كُفَّارٌ إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ، وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ، وَعَمِلَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ فِي هَذَا إِلَى الْآنَ مَا يُوجِبُ نَسْخَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.