الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي أَبْوَابِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُمُورِ بَرِيرَةَ قَوْلَهُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا: " اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا "، فَاسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ابْتِيَاعَ عَائِشَةَ كَانَ إِيَّاهَا مِنْ أَهْلِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا بِذَلِكَ عَلَى أَنْ تُعْتِقَهَا، فَجَعَلَ هَذَا أَصْلًا، وَأَجَازَ بِهِ ابْتِيَاعَ الْمَمَالِيكِ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَحْكَامِ الْبِيَاعَاتِ بِالشُّرُوطِ سِوَاهُ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الْبَيْعَ إِذَا وَقَعَ كَذَلِكَ فَاسِدًا، فَتَأَمَّلْنَا مَا ذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ، فَلَمْ نَجِدْهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ:" اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا " لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ أَهْلِهَا الَّذِينَ بَاعُوهَا ذَلِكَ عَلَيْهَا فِي بَيْعِهِمْ إِيَّاهَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَشُورَةٌ مِنْهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ عَلَى أَنْ تَفْعَلَهُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، إِنَّمَا كَانَتْ قَالَتْ لِبَرِيرَةَ لَمَّا سَأَلَتْهَا أَنْ تُعِينَهَا بَعْدَ إِعْلَامِهَا إِيَّاهَا مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ الَّتِي كَانَ أَهْلُهَا كَاتَبُوهَا عَلَيْهَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْهَا، وَمِنْ حَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنْ أَرَادَ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّهَا لَهُمْ، أَيْ: أُؤَدِّيَهَا لَهُمْ عَنْكِ صَبَّةً وَاحِدَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ بَعْدَ إِبَاءِ مَوَالِي بَرِيرَةَ ذَلِكَ:" ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِابْتِيَاعِ وَالْعَتَاقِ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاطٌ مِنْ أَهْلِ بَرِيرَةَ وَلَاءَهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، وَجَرِيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اشْتَرِطِي الْوَلَاءَ لَهُمْ "، وَوَافَقَ هِشَامًا عَلَى هَذَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، فَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَأَوَّلَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ:" فَأَشْرِطِي "، وَمَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى:" وَاشْتَرِطِي " وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا اشْتِرَاطٌ مِنْ أَهْلِ بَرِيرَةَ فِي بَيْعِهِمْ إِيَّاهَا مِنْ
عَائِشَةَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْتِقَهَا فِي بَيْعِهِمْ إِيَّاهَا، إِنَّمَا فِيهِ اشْتِرَاطُهُمْ وَلَاءَهَا عَلَيْهَا فِي عَتَاقِ عَائِشَةَ إِيَّاهَا بَعْدَ ابْتِيَاعِهَا إِيَّاهَا، وَمَعْقُولٌ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تُعْتِقُهَا عَنْ نَفْسِهَا لَا بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَتَاقَ لَمْ يَكُنْ بِاشْتِرَاطٍ مِنْ بَائِعِ بَرِيرَةَ عَلَيْهَا إِيَّاهُ فِي بَيْعِهَا إِيَّاهَا مِنْهُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَفْعُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوَالِيَ بَرِيرَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ إِطْلَاقَهُ لَهُمْ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ مِمَّا قَدْ أَنْكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْلَمَهُمْ فِي وَعِيدِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ شَرِيعَتِهِ، بِقَوْلِهِ:" كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل، فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ " وَكِتَابُ اللهِ تَعَالَى هُوَ شَرِيعَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ مِنَ اشْتِرَاطِ عَتَاقِهَا عَلَى عَائِشَةَ جَائِزًا بَاقِيًا حُكْمُهُ بَعْدَهُ إِذًا لَمَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكَانَ إِلَى حَمْدِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى ذَمِّهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَرِيرَةَ فِي ذَلِكَ هُوَ اشْتِرَاطُ وَلَائِهَا فِي عَتَاقِ عَائِشَةَ، لَا اشْتِرَاطٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا أَنْ تُعْتِقَهَا عَنْ نَفْسِهَا عَتَاقًا وَاجِبًا عَلَيْهَا بِشَرْطِهِمْ إِيَّاهُ عَلَيْهَا فِي بَيْعِهِمْ إِيَّاهَا مِنْهَا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وُقُوفَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِي بَرِيرَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُخَالِفُ مَا طَلَبَ أَهْلُهَا مِنْ عَائِشَةَ أَنْ يَجْرِيَ مَا كَانَ مِنْهَا فِيهَا عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ، وَرُوِّينَا عَنْهُ فِيهَا قَوْلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّهُ لَا يَحِلُّ فَرْجٌ إِلَّا فَرْجٌ إِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ وَهَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَلَا شَرْطَ عَلَيْهِ فِيهِ " وَالْمَبِيعَةُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا مُشْتَرِيهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إِذَا كَانَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا، لَزِمَهُ عَتَاقُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِمْسَاكُهَا، وَكَذَلِكَ نَفْيُ مَا ظَنَّهُ هَؤُلَاءِ
الْمُتَأَوِّلُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا بَاعَتْ عَبْدَ اللهِ جَارِيَةً، وَاشْتَرَطَتْ خِدْمَتَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ:" لَا تَشْتَرِيهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا مَثْنَوِيَّةٌ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ مُوَافَقَتَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَفِيهِ أَيْضًا قَبُولُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، وَتَرْكُهَا خَلَافَهُمَا فِيهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى دَفْعِ مَا تَأَوَّلَ الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ مِمَّا خَالَفَهُ فِيهِ، وَمِمَّا لَمْ نَجِدْهُ مَنْصُوصًا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِهَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.