الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَارِيَةِ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ ضَمَانَهَا وَمِمَّا سِوَى ذَلِكَ، مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا
4454 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَازِمٍ الْكُوفِيُّ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ابْنُ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا مِنْ حَدِيدٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، مَضْمُونَةٌ؟ فَقَالَ:" مَضْمُونَةٌ " فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ " قَالَ: لَا، أَنَا أَرْغَبُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ
⦗ص: 292⦘
قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اشْتِرَاطُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَفْوَانَ فِيمَا كَانَ أَعَارَهُ إِيَّاهُ مِنْ تِلْكَ الْأَدْرَاعِ الضَّمَانَ، فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي إِسْنَادِهِ كَيْفَ هُوَ.
4455 -
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إِسْنَادِهِ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ فَاخْتَلَفَ يَزِيدُ، وَالْحِمَّانِيُّ عَلَى شَرِيكٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. ثُمَّ الْتَمَسْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ شَرِيكٍ إِيَّاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
4456 -
فَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ
⦗ص: 293⦘
إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ فِي إِسْنَادِهِ إِلَى أَبِيهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ، قَالَ: اسْتَعَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا، فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَقَالَ:" إِنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ " قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَوِيَ فِي قُلُوبِنَا دُخُولُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ لِلْحِمَّانِيِّ عَلَى يَزِيدَ، ثُمَّ وَجَدْنَا شَرِيكًا وَإِسْرَائِيلَ قَدِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ بَعْدَ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَانَ فِي إِسْنَادِ شَرِيكٍ أَنَّهُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، وَفِي حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنِ ابْنِ صَفْوَانَ وَهُوَ أُمَيَّةُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُهُ إِيَّاهُ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا هَلْ نَجِدُهُ فِي غَيْرِ رِوَايَتَيْ شَرِيكٍ وَإِسْرَائِيلَ فَنَقِفَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَيْفَ هُوَ فِي ذَلِكَ؟
4457 -
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ،
⦗ص: 294⦘
عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالُوا: اسْتَعَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ سِلَاحًا، فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: أَعَارِيَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بَلْ عَارِيَةٌ " فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ ثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" اجْمَعُوا أَدْرُعَ صَفْوَانَ " فَفَقَدُوا مِنْ دُرُوعِهِ دُرُوعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِصَفْوَانَ:" إِنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ " فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فِي قَلْبِي مِنَ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ
4458 -
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ مُسَدَّدٌ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرَاعًا، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
⦗ص: 295⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَوَجَدْنَا أَبَا الْأَحْوَصِ قَدِ اضْطَرَبَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الِاضْطِرَابِ، فَجَعَلَهُ مَرَّةً عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ صَفْوَانَ، وَمَرَّةً، عَنْ صَفْوَانَ نَفْسِهِ، وَكَانَتْ رِوَايَتَاهُ إِيَّاهُ جَمِيعًا، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ لَا عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَكَانَ هَذَا مِمَّا قَدْ خَالَفَ فِيهِ شَرِيكًا وَإِسْرَائِيلَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتَيْهِ جَمِيعًا ذِكْرُ ضَمَانٍ اشْتَرَطَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَ أَعَارَهُ إِيَّاهُ مِنْ تِلْكَ الْأَدْرَاعِ، ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَيْرُ شَرِيكٍ وَإِسْرَائِيلَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ أَمْ لَا؟
4459 -
فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْزُوَ حُنَيْنًا، فَقَالَ لِصَفْوَانَ:" مَا عِنْدَكَ سِلَاحٌ تُعِيرُنَا؟ " فَقَالَ: أَعَارِيَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ قَالَ: " بَلْ عَارِيَةٌ " فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَأَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ مَكَّةَ وَسَادَاتِهِمْ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُغْزِيَ مَكَّةَ، فَأَقِمْ " فَأَقَامَ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ، أَمَرَ بِدُرُوعِ صَفْوَانَ أَنْ تُجْمَعَ، فَجُمِعَتْ، فَافْتَقَدُوا مِنْهَا دُرُوعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِصَفْوَانَ:" إِنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ " فَقَالَ صَفْوَانُ: لَا، إِنَّ فِي قَلْبِي مِنَ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ "
⦗ص: 296⦘
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِيَ أَخَذَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَخْذِهِ عَنْهُ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، فَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَادَ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ مُنْقَطِعًا غَيْرَ مَوْصُولِ الْإِسْنَادِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ إِيَّاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ذِكْرُ ضَمَانٍ لِلْعَارِيَةِ، فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى اضْطِرَابِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الِاضْطِرَابِ الشَّدِيدِ، وَمَا كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ، لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ عَلَى مُخَالِفٍ لَهُ فِيهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ. وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْعَارِيَةَ لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً: لَغَنِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِكْرِ ضَمَانِهَا لِصَفْوَانَ، وَلَقَالَ لَهُ: وَهَلْ تَكُونُ الْعَارِيَةُ إِلَّا مَضْمُونَةً، فَفِي تَرْكِهِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاثَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ:" إِنَّهَا مَضْمُونَةٌ "، ضَمَانًا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ لَا نَفْسُ الْعَارِيَةِ، وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ يَوْمَئِذٍ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُنَيْنًا إِنَّمَا غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ عَهِدَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اشْتِرَاطَاتٍ لِلْحَرْبِيِّينَ مَا لَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ مَنَ جَاءَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَاغِبًا فِي دِينِهِ، تَارِكًا لِمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، رَدَّهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ جَاءَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَرُدُّوهُ
⦗ص: 297⦘
إِلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ دَاخِلًا فِي دِينِهِ رُدَّ إِلَيْهِ مَا كَانَ سَاقَ إِلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الصَّدَاقِ لِلتَّزْوِيجِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَكَانَ صَفْوَانُ يُوقِفُهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشْتَرِطُهَا لِلْمُشْرِكِينَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَمْثَالُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُشْرِكِينَ وَيُلْزِمُ لَهُمُ الْمُسْلِمِينَ سَأَلَ مِثْلَ ذَلِكَ لِيُلْزَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لَا أَنَّ مِنْ شَرِيعَتِهِ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي الْعَارِيَةِ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِغَيْرِ ذِكْرٍ مِنْهُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهِ وَلُغَاتِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَانُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْإِيجَازُ لَا مَا سِوَاهُ، وَكَانَتِ الْعَارِيَةُ لَوْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُ تُوجِبُ ضَمَانَهَا، لَغَنِيَ بِذِكْرِهَا عَنْ ذِكْرِ ضَمَانِهَا، وَلَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا سَأَلَهُ صَفْوَانُ إِيَّاهُ أَحْدَثُ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ، وَهُوَ وُجُوبُ ضَمَانِهَا بِالِاشْتِرَاطِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ فِيهَا، وَمِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَارِيَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
4460 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" أَلَا إِنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةَ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنَ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمَ غَارِمٌ "
⦗ص: 298⦘
4461 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
⦗ص: 299⦘
فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِعْلَامُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ، وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ، كَمَا قَالَ اللهُ عز وجل:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، فَكَشَفَ ذَلِكَ
⦗ص: 300⦘
مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا حَمَلْنَا حَدِيثَ صَفْوَانَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ صَفْوَانَ قَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَلَيْسَ بِدُونِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا
4462 -
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ: أَمُؤَدَّاةٌ يَا رَسُولَ اللهِ الْعَارِيَةُ؟ قَالَ: " نَعَمْ " فَلَمْ يَكُنْ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ حَدِيثَ صَفْوَانَ بِأَوْلَى بِهِ مِمَّا رَوَاهُ عَلَيْهِ قَتَادَةُ مَعَ تَكَافُئِهِمَا فِي انْقِطَاعِهِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُوجِبُ غُرْمَ الْعَارِيَةِ إِذَا ضَاعَتْ فِي يَدِ مُسْتَعِيرِهَا لِمُعِيرِهِ إِيَّاهَا
وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
⦗ص: 301⦘
عَنْهُمَا، قَالَا:" الْعَارِيَةُ تُضْمَنُ إِنِ اتَّبَعَهَا صَاحِبُهَا "
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:" أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الْعَارِيَةِ أَنِ اضْمَنْهَا لِصَاحِبِهَا "
⦗ص: 302⦘
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّا لَمْ نَدْفَعْ أَنْ يَكُونَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَرَى ضَمَانَ الْعَارِيَةِ، وَلَكِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ ضَمِنَهَا فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَجَعَلَهَا أَمَانَةً، وَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ عُمَرَ الْحَلَبِيُّ قَاضِي أَهْلِ مَكَّةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي الْوَزَّانَ، عَنِ ابْنِ عُكَيْمٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ:" أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَةَ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَةَ، وَيَقُولُ:" هِيَ مَعْرُوفٌ "
⦗ص: 303⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَمَّا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُكْمِهَا هَذَا الِاخْتِلَافَ، رَجَعْنَا إِلَى مَا يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا الْعَارِيَةَ مَقْبُوضَةً مِنْ رَبِّهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، لَا بِعِوَضٍ يُعَوِّضُهُ عَلَى مَا أَبَاحَ مِنْهَا، وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَاتِ مَقْبُوضَةً مِنْ أَرْبَابِهَا بِأَعْوَاضٍ يَجِبُ عَلَى مُسْتَأْجِرِيهَا إِيَّاهَا مِنْهُمْ لَهُمْ، وَكَانَتْ مِلْكُ الْأَشْيَاءِ الْمُسْتَعْمَلَةِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ وُجُوبِ الْأَعْوَاضِ فِي اسْتِعْمَالِهَا غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، كَانَتْ فِي اسْتِعْمَالِهَا عَلَى غَيْرِ وُجُوبِ الْأَعْوَاضِ فِي ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَهَكَذَا كَانَ الْكُوفِيُّونَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سِوَاهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمَدَنِيُّونَ فَيَجْعَلُونَ مَا ضَاعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ ضَيَاعُهُ يُضَيَّعُ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى ضَيَاعُهُ يُضَيَّعُ عَلَى الضَّمَانِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَظْهَرُ ضَيَاعُهُ وَبَيْنَ مَا يَخْفَى ضَيَاعُهُ، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْغُصُوبِ الْمَضْمُونَاتِ، وَفِي الْوَدَائِعِ الْأَمَانَاتِ، وَفِي رَفْعِهِمُ الضَّمَانَ فِيمَا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ مَا يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِمْ رَفْعُ
⦗ص: 304⦘
الضَّمَانُ فِيمَا يَخْفَى هَلَاكُهُ
وَقَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ: عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ دَابَّةً مِنْ رَجُلٍ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا يُرِيدُ بِهَا، فَأَعَارَهُ إِيَّاهَا عَلَى ذَلِكَ، فَأُصِيبَتْ فِي تِلْكَ الْعَارِيَةِ: هَلْ عَلَيْهِ غَرَامَةٌ؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَهَا مُتَعَمِّدًا " قَالَ اللَّيْثُ: عَلَى هَذَا أَدْرَكْنَا شُيُوخَنَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَارِيَةِ ضَمَانٌ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى مَا اسْتَعَارَهَا لَهُ، فَيَضْمَنُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَلَى هَذَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ حَتَّى اتَّهَمَ الْوُلَاةُ النَّاسَ فَضَمَّنُوهُمْ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ مِصْرَ عَلَى تَرْكِ تَضْمِينِ الْعَارِيَةِ مَا لَمْ يُتَعَدَّ فِيهَا، وتَأَمَّلْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ فِيمَا ضَاعَ مِنْ دُرُوعِهِ، فَوَجَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:" إِنْ شِئْتَ غَرَمْنَاهَا لَكَ "، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ غُرْمَهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ وَاجِبًا لَوْلَا مَا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً، لَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُرْمَهَا لَهُ، وَلَا رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِ إِيَّاهُ، وَلَحَقَّقَ وُجُوبَ غُرْمِهَا لَهُ عَلَيْهِ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ: إِنَّهُ وَاجِبٌ لِمَنْ هُوَ
⦗ص: 305⦘
عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ مَنْ هُوَ لَهُ عَلَيْهِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ وَأَشَدُّهُمْ تَمَسُّكًا بِهِ، وَفِي جَوَابِ صَفْوَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:" إِنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مِنَ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ كَانَ اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّمَانِ لَمَّا أَعَارَهُ إِيَّاهُ كَانَ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ الْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعَارِيَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنَ انْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنْهَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.