الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ هَلْ تَجِبُ بِذَلِكَ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا
؟
4577 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كِبَارِ قَوْمِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ، فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قُتِلَ وَأُلْقِيَ فِي قَلِيبٍ أَوْ عَيْنٍ، فَأَتَى يَهُودَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى
⦗ص: 504⦘
قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لَيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُحَيِّصَةَ:" كَبِّرْ كَبِّرْ " يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ قَبْلُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ " فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ:" أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ:" أَفَتَحْلِفُ لَكُمُ الْيَهُودُ؟ " قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِائَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدَّارَ
⦗ص: 505⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَنْصَارِ لَمَّا ذَكَرُوا مِنْ وُجُودِهِمْ صَاحِبَهُمْ قَتِيلًا بِخَيْبَرَ وَهِيَ دَارُ الْيَهُودِ: " إِمَّا أَنْ يَدُوا، يَعْنِي الْيَهُودَ، صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَهُ مَسْأَلَةٌ عَلَى مَا ادَّعُوا، وَهَذَا الْوَعِيدُ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي مَنْعِ الْيَهُودِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، وَهُوَ غُرْمُ دِيَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ لِأَوْلِيَائِهِ، وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْفِقْهِ قَدْ تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّ وُجُودَ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ يُوجِبُ دِيَتَهُ عَلَى أُولَئِكِ الْقَوْمِ، وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ أَوْلِيَاءُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ قَبِيلِ الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَمِنْ ذِكْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَلَا مِمَّنْ سِوَاهُمْ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِنَّ الْقَسَامَةَ وَالْوَاجِبَ بِهَا لَا تَجِبُ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَهُمْ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، ثُمَّ يَمُوتُ، أَوْ يَدَّعِي أَوْلِيَاءُ رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا،
⦗ص: 506⦘
وَيَأْتُونَ بِلَوْثٍ مِنْ بَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى مَا يَدَّعُونَ، فَهَذَا عِنْدَهُمُ الَّذِي يُوجِبُ الْقَسَامَةَ، وَلَا يُوجِبُهَا مَا سِوَى ذَلِكَ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: إِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ، وَلَا يَجِبُ بِهَا عَقْلُ قَتِيلٍ مَوْجُودٍ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ السَّبَبِ الَّذِي قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقَسَامَةِ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ دَارَ يَهُودَ لَا يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ، وَكَانَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ ظَاهِرَةً، وَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَوُجِدَ قَتِيلًا قَبْلَ اللَّيْلِ، فَيَكَادُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ هَذَا أَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ إِلَّا بَعْضُ الْيَهُودِ، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا جُعِلَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ، لَمْ يَكُنْ بِبَعِيدٍ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ نَفَرٌ بَيْتًا فِي قَرْيَةِ أَوْ صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ، أَوْ صَفَّيْنِ فِي حَرْبٍ، فَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا وَقَتِيلٌ بَيْنَهُمْ، أَوْ تَأْتِي بَيِّنَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِيهَا، فَيُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ، أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبَ عَلَى عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّ ذَلِكَ الْقَتِيلِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي
⦗ص: 507⦘
جُمْلَتِهِمْ وَلَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُ، وَلَا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهَا إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَجَبَ الْكَشْفُ عَنْهُ، وَالْقِيَاسُ الْوَاجِبُ فِيهِ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِهِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ.
4578 -
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ،
4579 -
وَوَجَدْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ:" كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي وُجِدَ مَقْتُولًا فِي جُبِّ الْيَهُودِ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: إِنَّ يَهُودَ قَتَلُوا صَاحِبَنَا "
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَهُودَ بَدَأَ بِهِمْ: " يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ " فَأَبَوْا، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ:" احْلِفُوا، فَاسْتَحِقُّوا " فَقَالُوا: أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةً عَلَى يَهُودَ؛ وَلِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ
⦗ص: 508⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِنَّمَا هُوَ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَدْ يَكُونُونَ مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ يَكُونُونَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْهُ، وَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ.
4580 -
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم " أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ "
4581 -
وَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَسَامَةَ دَمٍ، " فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ ادَعَّوْا عَلَى الْيَهُودِ "
4582 -
وَوَجَدْنَا سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيَّ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي إِسْنَادِهِ سَوَاءً.
⦗ص: 510⦘
فَعَقَلْنَا أَنَّ هَؤُلَاءَ الْأَنْصَارَ الَّذِينَ أَخَذَ أَبُو سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُمْ كَانُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَقَفْنَا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا بِوُجُودِهِ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى الْيَهُودِ إِنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ فِي إِيجَابِهِمْ دِيَاتِ الْقَتْلَى الْمَوْجُودِينَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْقَوْمِ عَلَى الْقَوْمِ الْمَوْجُودِينَ قَتْلَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ بِوُجُودِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ قَسَامَةٌ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّ رَجُلًا أُصِيبَ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَلِيًّا رضي الله عنهما، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:" دِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ أَشَارَ بِهَا عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه، وَلِمَا رَآهُ عُمَرُ فِيهَا، وَفِيهِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَأْمُرَا قَبْلَ إِيجَابِ الدِّيَةِ أَوْلِيَاءَ ذَلِكَ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا حَتَّى يَسْتَحِقُّوا الدِّيَةَ، وَهَذَا بِحَضْرَةِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِمَا،
⦗ص: 511⦘
وَلَمْ يُخَالِفُوهُمَا فِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَيْهِ.
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَذْكُورٍ الْهَمْدَانِيُّ: أَنَّ أُنَاسًا ازْدَحَمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ زَمَنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَأَنَّ شَيْخًا مَاتَ فِي الزِّحَامِ، " فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِدِيَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ " وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ نَحْوَهُ
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ:" أَنَّ شَيْخًا زُوحِمَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَمَاتَ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ، فَوَدَاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ يَزِيدُ إِذْ ذَاكَ رَأَى عَلِيًّا وَكَلَّمَهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ مِنْ عُمَرَ فِي تَوْكِيدِ هَذَا الْمَعْنَى اشْتِرَاطُهُ
⦗ص: 512⦘
إِيَّاهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ: " إِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِكُمْ، فَعَلَيْكُمُ الدِّيَةُ " ثُمَّ كَانَ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى، وَمِمَّا حَكَمَ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ مَعَ إِيجَابِهِ الدِّيَةَ عَلَى الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ تِلْكَ الْقَسَامَةُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُقْسِمِينَ الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي حَرِيزٍ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنِ الْحَارِثِ الْوَادِعِيِّ، قَالَ: أَصَابُوا قَتِيلًا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ عُمَرُ:" أَنْ قِيسُوا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَأَيُّمَا كَانَ إِلَيْهِ أَدْنَى، فَخُذُوا خَمْسِينَ قَسَامَةً، فَيَحْلِفُونَ بِاللهِ، ثُمَّ غَرِّمُوهُمُ الدِّيَةَ " قَالَ الْحَارِثُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَقْسَمَ، ثُمَّ غَرِمْنَا الدِّيَةَ
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، قَالَ: قُتِلَ قَتِيلٌ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ، وَالْقَتِيلُ إِلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ لِوَادِعَةَ: " يَحْلِفُ خَمْسُونَ
⦗ص: 514⦘
رَجُلًا مِنْكُمْ بِاللهِ مَا قَتَلْنَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ اغْرَمُوا " فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: نَحْلِفُ وَتُغْرِمُنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ثُمَّ أَغْرَمَهُمُ الدِّيَةَ لِأَوْلِيَائِهِ، وَفِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَضَاؤُهُ بِالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُمْ قَسَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْقَتِيلُ، إِنَّمَا هُمْ مِنْ مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَفِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَسَامَةِ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِيهِ. وَقَدْ شَدَّ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ فِي الْيَهُودِ:" إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي ذَلِكَ قَسَامَةٌ، وَلَا يَكُونُ إِيذَانُهُمْ بِحَرْبٍ إِلَّا فِي مَنْعِ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 515⦘
قَالَ لِلْأَنْصَارِ: " احْلِفُوا وَاسْتَحِقُّوا "، فَقَالُوا: أَنَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: " اسْتَحِقُّوا " قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اسْتَحِقُّوا بِبَيِّنَةٍ تُقِيمُونَهَا عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ بِعَيْنِهِ، فَنَقْتُلُهُ لَكُمْ بِهِ. فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَنْصَارِ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ؟ " فَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَا ادَّعَوْا إِلَّا بِالْحَلِفِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ لَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ بِوُجُودِهِمْ صَاحِبَهُمْ قَتِيلًا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَإِنْ قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ: " أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ؟ " كَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا مِمَّا قَدْ أُنْكِرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَخُولِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَادُّعِيَ عَلَيْهِ إِيهَامُهُ فِيهِ.
4583 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيُّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيٍّ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَايْمُ اللهِ، مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: وَاللهِ مَا كَانَ هَكَذَا الشَّأْنُ، وَلَكِنَّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ كَلَّمَتْهُ الْأَنْصَارُ:" أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ " فَكَتَبُوا إِلَيْهِ: يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَتَلُوهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا، فَوَدَاهُ
⦗ص: 516⦘
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ هَذَا، فَمِقْدَارُهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَوَصَفَهُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا قَدْ جَاوَزَ بِهِ عِلْمَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْجِلَّةُ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.
4584 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ "
⦗ص: 517⦘
وَمِنْهُمْ: سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ.
4585 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ الرَّبِيعُ: حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبِي، وَشُعَيْبٌ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ جَدَّتُهُ وَهِيَ أُمُّ بُجَيْدٍ وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ: وَاللهِ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي، فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا تُعْطِيهِ إِيَّاهُ إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا، فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ "
⦗ص: 518⦘
وَتَابَعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بُجَيْدٍ عَلَى مَا قَالَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ.
4586 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي زِيَادٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: " دُوهُ، وَإِلَّا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ " فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَتَلُوهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ " وَذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَظْنُونُ بِهِ أَنْ لَا يَأْمُرَ أَحَدًا يَحْلِفُ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً رُبِّيَ بِالْمَشْرِقِ، فَاشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ رُبِّيَ بِالْمَغْرِبِ، فَبَاعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ، فَأَصَابَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ: إِنَّهُ لَقَدْ بَاعَهُ إِيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَالَّذِي قُلْنَا يَصِحُّ عِلْمُهُ بِمَا وَصَفْنَا.
⦗ص: 519⦘
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْعَيْبِ، كَمَا ذَكَرَ كَالْحَلِفِ عَلَى مَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْعَيْبِ إِنَّمَا هُوَ حَلِفٌ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَاسِعٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ يَمِينُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَتٍّ، فَإِنَّمَا تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي لَيْسَ يُعْلَمُ بِهُ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَالْحَلِفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفَ بِاللهِ: لَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلًا، فَكَيْفَ يَمِينًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى جَدُّهُ:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِالْمَسئُولِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ، فَأَعْلَمَهُ عز وجل أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَشْيَاءِ هُوَ الَّذِي يُعْلِمُهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّ مَنْ تَعَدَّاهَا إِلَى سِوَاهَا، أَوْ قَصُرَ عَنْهَا، صَارَ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ فِيهَا، وَالْحَالِفُ عَلَى الْقَسَامَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ مُتَعَدٍّ لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا قَدْ نَهَاهُ اللهُ عَنْهُ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بُجَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ الْمِقْدَارَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ، لَا يُضَاهِي سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ لِصُحْبَةِ سَهْلٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِتَقْصِيرِ ابْنِ بُجَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أنَّهُ قَدْ قَالَ فِي قِصَّةِ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ بَعْدَمَا رَوَى حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ خَالَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ:
⦗ص: 520⦘
قَدْ يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَرْأَةِ مِنْ أَمْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا ذَلِكَ لِعِنَايَتِهِمْ بِهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ أَمْرَهَا، وَقَدْ رَوَى عَنْهَا عَتِيقُهَا يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، وَابْنُ أُخْتِهَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَجَعَلَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، وَقَابَلَ بِهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ جَلَالَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصُحْبَتِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُ، وَكَوْنِهِ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِيمَا يُنْكِرُ عَلَى خَصْمِهِ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ قَوْمِ الْمَقْتُولِ مَا قَدْ قَالَهُ مِمَّا يُخَالِفُ فِيهِ سَهْلًا، وَمُقَابَلَةُ خَصْمِهِ سَهْلًا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَا مَعَهُ مِمَّا رَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَنْكِحِ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ "، قُوبِلَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ خُصُومُكَ قَابَلُوا سَهْلًا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ لِمَا قَدْ وَافَقَهُ الْأَنْصَارِيُّونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ هُمْ مِنْ قَوْمِ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلِقَبُولِنَا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِنَا مِنْ قَبُولِ مَا رَوَاهُ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ، وَلَيْسَ مِثْلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَا سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلٍ، لَاسِيَّمَا وَقَدْ كَانَ مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مَا حَكَيْنَاهُ
⦗ص: 521⦘
عَنْهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا وَجَبَ مُوَافَقَةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَتَرْكُ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.