الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلاميذه كالعياشي والثعالبي. وقد يكون له غيرها من القصائد والرسائل والتقاييد والكتب. ولذلك نجد عبارة الثعالبي توحي بذلك فيقول بعد أن ذكر مؤلفاته (وله غير ذلك). وقد اطلعنا نحن على الكتب التالية، واستفدنا منها وصورنا بعضها، أو اطلعنا على نصيب منها (مثل ديوانه)، مما يمكننا من وصفه للقراء. وعسى أن تكشف الأيام عن بقية كتب الفكون أو بعضها لنعرف منها شخصيته وآراءه واهتماماته بطريقة أوضح وأوفى، وسنعرض لوصف هذه الكتب حسب تاريخ تأليفها:
1 -
محدد السنان، سنة 1025.
2 -
الديوان، سنة 1031.
3 -
منشور الهداية، بعد 1045.
4 -
فتح اللطيف، سنة 1048.
1 - محدد السنان في نحور إخوان الدخان
موضوع هذا الكتاب، كما يدل العنوان، هو بيان الحكم الشرعي في تناول الدخان، أو التدخين كما نقول اليوم، فهل هو حرام يجب تجنبه أو حلال يمكن تعاطيه. وليس الفكون أول من تناول هذا الموضوع ولا آخرا فقد خاض فيه الخائضون قبله وبعده من الفقهاء والصوفية والأدباء، مشارقة ومغاربه، ولم ينتهوا فيه إلى رأي واحد. وممن كتب عنه من الجزائريين في عصر الفكون، أحمد المقري، صاحب (نفح الطيب)، ومحمد بن سليمان صاحب (كعبة الطائفين)، ومحمد بن رأس العين الشاعر المعروف. ولكن الفكون كان أكثرهم جرأة ووضوحا وثورة على
تناول الدخان حتى أنه جعل عنوان كتابه يوحي بذلك فسدد سيفه البتار إلى رقاب متعاطيه، واعتبر ذلك من الجهاد في سبيل الله.
وهذا الكتاب من أوائل ما ألف الفكون. فهو يعود إلى سنة 1025. ويبدو أن الأيدي تناولته بالنسخ منذ تأليفه، ومع ذلك لم تصل إلينا منه نسخة كاملة صحيحة. والذي وصل إلينا منه نسخة نسخها حاج مغربي يسمى محمد بن عبد الرحمن الحسني التادلي سنة 1178، أي أكثر من قرن بعد وفاة المؤلف. ومع ذلك فقد أحسن التادلي بكتابة هذه النسخة إذ لولاها لما عرفنا حجم الكتاب ولا طريقة صاحبه ولا محتواه كاملا ولكن الحاج التادلي شكا أنه إنما نسخه من نسخة محرفة ومصحفة وفي بلاد بعيدة عن موطنه وفي ظرف خاص هو وقت الرجوع من الحج. وهذه الأسباب جعلت نسخته تبدو ناقصة، ومع ذلك فما دامت الوحيدة الموجودة، فيما نعلم، فهي مهمة للغاية.
ومن حسن الحظ أننا حصلنا على صورة عن نسخة الحاج التادلي من كتاب (محدد السنان) بعد جهد جهيد ومحاولات مضنية. فقد كنا عرفنا عن وجودها بالمكتبة الملكية بالرباط، تحت رقم 6229. ومن الذين أشاروا إلى وجودها هناك الباحث المغريى المدقق محمد المنونى في بحث له ألقاه بتونس عام 1974، بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته (1) وحاولت الحصول على صورة من
(1) انظر محمد المنوني (ملامح عن تطور المغرب العربي في بدايات العصور الحديثة) في (أشغال المؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته)، الجزء 2، تونس، 1979، ص 75.
الكتاب ولكن تطور العلاقات بين الجزائر والمغرب حال دون تحقيق ذلك. وظلت النية معقودة والعزم متوفرا إلى أن حقق لنا الأخ الدكتور عبد الجليل التميمي هذه الأمنية وقدم لنا صورة منه مأخوذة عن نسخة المحاج التادلي المذكورة (1) وقد درسناها وأخذنا منها معلومات جديدة عن حياة الفكون وحياة مدينة قسنطينة في أوائل القرن الحادي عشر. وها نحن نقدم ذلك إلى القراء.
يذكر الفكون في نهاية كتابه أنه انتهى من (محدد السنان) يوم الجمعة أواسط شهر رجب من عام خمسة وعشرين بعد الألف (1025). ولكنه يوضح أنه لم يعمل فيه النظر بعد وإنه إنما صاغه الصياغة الأولى فقط، أو كما نقول اليوم إنما هو في شكل مسودة لم تنقح. وهذه عبارته (هذا آخر ما رمت جمعه، وأردت من المولى العالم بالخنيات نفعه. ووافق الفراغ منه مسودة من غير تصحيح ولا إعادة نظر على يد مصنفه وكاتبه عبد الكريم بن محمد ابن عبد الكريم الفكون التميمي نسبا). ويبدو أن الفكون لم يعد أبدا إلى كتابه فينقحه ويصححه، أو أنه فعل ولكن النسخة التي وصلت منه إلى الحاج التادلي هي تلك التي لم تنقح ولم تصحح. لماذا؟ لأن الحاج التادلي قد اعترف أنه إنما نقل نسخته عن نسخة فيها تحريف وتصحيف، ولكنه لم يذكر أنها كانت بخط مؤلفها أو نسخة أخرى منقولة عن نسخة المؤلف غير
(1) بتاريخ شهر ديسبر، 1982 بعد أن انتهينا من هذه الدراسة أخبرنا الشيخ محمد الثاذلي النيفر (أبريل 1986) أنه يملك بتونس نسخة من (محدد السنان) فطلبناه في صورة منها، ولكنه ما يزال إلى الآن لم يفعل.
المصححة، والمهم الآن أن الحاج التادلي أخبرنا بوقت ومكان نسخته وحالتها، فقال:(ووافق الفراغ منه، كما وجد من التصحيف والتحريف في بعض مواضعه، في مدينة تطرابلس (كذا) سنة رجوعنا من حجة الفريضة. يوم الأحد سابع وعشرين رمضان عام 1178 (هكذا بالرقم ثمانية) تسعة (هكذا) وسبعين بعد المائة والألف، على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله بعده، محمد بن عبد الرحمن الحسني نسبا التادلي دارا ومنشأ) (1).
وقد استعمل الحاج التادلي العبارات التقليدية المحفوظة في وصف صاحب (محدد السنان) فقال في بداية النسخة بعد البسملة والتصلية: (قال الشيخ الإمام العالم العلامة الورع الحافظ الفاضل العارف الرباني، الفرد الصمداني، البركة سيدي عبد الكريم الفكون رحمه الله تعالى ورضي عنه). ونحن لا ندري من أين جاء الحاج التادلي بهذه الأوصاف للفكون الذي عرفناه إماما وعالما وعلامة بالفعل، وورعا وحافظا وفاضلا بالواقع، ولكننا لم نعرفه عارفا ربانيا ولا فردا صمدانيا ولا بركة، ذلك أن هذه عبارات معروفة عند الصوفية الغارقين في التصوف الذي أنكره الفكون نفسه. فهل كان الحاج التادلي قد اطلع على أمور من حياة الفكون لم نطلع عليها أو أنه كان ينقل عن العياشي والثعالبي اللذين أخبرا معا أن الفكون قد (تحول) من العلم إلى
(1) يلاحظ القارىء أن الناسخ رسم (ثمانية) وسبعين بالرقم و (تسعة) وسبعين بلسان القلم. انظر: نسخة المكتبة الملكية - الرباط، رقم 6929.
الصوف ومن التدريس إلى الانزواء عن الناس؟ إننا نرجح الرأي الثاني. ونحن قد نبهنا إلى أننا نشك في فهم العياشي والثعالبي لسلوك الفكون منذ توليه وظائف أبيه وإمارة ركب الحج وتلقيبه بشيخ الإسلام (1).
والحاج التادلي ليس أول من اطلع على (محدد السنان) ولكنه أول من نسخه (لنفسه ولمن شاء الله بعده). فقد اطلع عليه أيضا العياشي صاحب الرحلة قبل ذلك بقرن، ولخصه تلخيصا في بضع صفحات في رحلته. وأخبرنا عن عنوانه وموضوعه وطريقة صاحبه في تأليفه وأهم الأجوبة والمناقشات التي تضمنها، وخلاصة التعليلات التي استند عليها الفكون في تحريم الدخان (2) والغريب وأن الورثلاني الذي حج في نفس الوقت الذي حج فيه التادلي تقريبا لم يشر إلى (محدد السنان)، ولم ينقل عنه رغم أنه كان من الصوفية. ولعل في مكتبات عائلات قسنطينة نسخة أخرى منه. ذلك أن العياشي عندما لخصه إنما فعل ذلك من المخطوطات التي كان ولد المؤلف يحملها معه إلى الحج.
وإذا كان العياشي قد صرح بأنه إنما أخذ عن مخطوطات المؤلف التي كانت عند ولده، ولم يشر إلى التصحيف والتحريف فيها،
(1) انظر ما مضى والملاحظ أن فايسات سمى كتاب الفكون (عواقب المدخنين)، انظر (روكاي)، 1868، ص 389.
(2)
العياشي، الرحلة، 396/ 2 - 402، ذكر العياشي أن (محدد السنان) يقع في (عدة كراريس) بينما نسخة التادلي تقع في 72 صفحة ومما يلاحظ أن نسخة التادلي تحتوي على صفحة بيضاء (هي صفحة 50)، كما أن الكلام غير متصل فيما يبدو بين صفحتي 64 و 65.
فإن الحاج التادلي لم يذكر أصل النسخة التي نقل عنها. ومهما كان الأمر فإن ما نستنتجه من ذلك هو تعدد نسخ (محدد السنان) ووجودها بالجزائر وبغيرها.
افتتح الفكون كتابه هذا ببيان الدافع الذي دفعه لكتابته، فقال إن تناول الدخان قد شاع أمره بين العامة والخاصة، وأن العامة تقلد في ذلك كبراء البلد، وأن بعض العلماء أفتوا بحليته ولم يعتبروه مسكرا ولا مضرا، فأقبل عليه الناس لما يجدون فيه من النشوة والراحة. وكان هو يراقب ذلك فيحز في نفسه وليس له من سلاح سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان. فإذا به يصبح عدوا لمن نهاهم، اتخذوه هزوءا وهجره أصحابه، فلم يسعه إلا الصمت وتغيير المنكر بالقلب. ولكن كتابات المؤلفين في الموضوع والمفتين فيه حركته لتدوين رأيه أيضا والرد على من تجرأ بالقول بحلية الدخان رغم وضوح ضرره في نظره. ومن نتائج بحثه وردوده وأمثلته خرج (محدد السنان).
معظم العلماء الذين ذكرهم قائلين بإباحة الدخان كانوا في نظر الفكون متساهلين في الدين أو خادمين لأصحاب السلطة، ولم يكونوا يراعون أحكام الشرع ومصلحة الأمة. فهذا مفتي القيروان إنما أفتى بإباحة الدخان لأنه (خدم به حضرة أمير إقليمه آنذاك). واتهم الشيخ علي الأجهوري المصري (الذي كان الدافع الأساسي إلى كتابة محدد السنان) بالتساهل في أحكام الشريعة وتعاطيه الدخان. ونفس التهمة وجهها لمفتي القيروان الذي قال إنه أضر بفعله أكثر مما أضر بقوله. واتهم علماء المشرق عموما
بالتساهل في أمور الدين وعدم احترام المساجد ومجاراة الولاة والعامة، ونحو ذلك. وكما وجد الفكون هذا الصنف من العلماء القائلين بإباحة الدخان وجد آخرين منهم يحرمونه ولذلك انتصر بهم على الأولين واستشهد بأقوالهم. ومنهم إبراهيم اللقاني المصري وخالد الزواهي (؟) مفتي مكة المكرمة، ومفتي اسطانبول محمد بن سعد الدين، وبعض علماء المغرب وتونس، مثل محمد السوسي (1) وأبي الغيث القشاش وعبد الله بن حسون.
ورغم أننا سنسوق مقدمة هذا الكتاب في الفصل الخاص بالنصوص فإننا نذكر هنا بعض عبارات المقدمة التي قدم بها الفكون كتابه: (أما بعد، فقد دهت بلية وقعت بالبلاد، وسرى سمها في الحاضر والباد، وانتحلت مذهبا في الأقطار، وتوارثته عن سلفتها الأشرار، وتذرع لارتكابها بأكابر الأغمار، لما توهموا الإباحة، إنها لا تعمي الأبصار)(2) أما خطته في هذا الكتاب فتتلخص في أنه بعد المقدمة المذكورة أوضح أن اجتناب شرب
(1) كان الشيخ محمد السوسي (المتوفى سنة 1023 بالجرائر) كتب رسالة عنوانها (كشف الغسق، عن قلب دفق، في التنبيه على تحريم دخان الورق). وقد اطلع الفكون على هذه الرسالة بعد وفاة صاحبها، وذكرها في (محدد السنان) وناقش صاحبها بعنف. وأخبر الفكون أن مكانة السوسي عنده أعظم من رسالته هذه لأنها في نظره (في غاية الركاكة، واختلال المبنى، ومخايل عدم التحقيق لائحة عليها). ومما أخذه الفكون على السوسي أن هذا لم ينتقد علي الأجهوري وإنما هي لا تكاد تعدو شرح أقواله. انظر (محدد السنان) ص 7، 70، وقد أشار الفكون إلى ذلك في (منشور الهداية) أيضا، ص 47 وما بعدها.
(2)
انظر مقدمة الكتاب في قسم النصوص.
الدخان يقوم على مباحث ثلاثة: الأول اجتنابه من حيث ذاته، والثاني في تحريمه من حيث صفته، والثالث في تحريمه من حيث عوارضه. وقد أكثر من النقود عن الأيمة السابقين القائلين بتحريم تناول الدخان وناقش بالمنطق آراء المخالفين واستند في كثير من آرائه على مشاهدات الواقع المعاصر وعلى أحداث جرت في زمنه أو سمع عنها، ثم انتهى إلى تحريم التدخين. وقد أنهى الكتاب بخاتمة في أحوال خاصة بلدة قسنطينة وما هم عليه. نقصد بـ (الخاصة) أعيان الحضر. وهذه الخاتمة مهمة في حد ذاتها لأنها قطعة من الحياة الاجتماعية للمدينة وأهلها. وقد ضمنها القصيدة التي ذكرناها له والتي ذم فيها بعض المظاهر السلبية لهؤلاء الحضر كاعتمادهم على المراتب والأنساب والشرف وميلهم إلى الجهل والكسل والتواكل.
ويمكن تلخيص الفوائد التي يجدها القارىء، في (محدد السنان) في هذه النقط:
1 -
حديث المؤلف عن شيوع تناول الدخان بكثرة في الجزائر في عصره، معتبرا ذلك (بلية) و (معضلة) و (سما).
2 -
واقعة الجراد بقسنطينة سنة 1023 التي فصل آثارها الاقتصادية والاجتماعية ودور الدخان في الموضوع (1).
3 -
ذهاب وفد من علماء الجزائر إلى اسطانبول برئاسة المفتي
(1) سبق نص ذلك فيما مضى وقد ذكر العياشي تاريخين للجراد، هما 1023 و1054. وهو أمر محير ما دام ينقل عن نسخة المؤلف التي قلنا أنها تعود إلى سنة 1025. فلعل الصحيح هو تاريخ 1024 وليس 1054.