الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ - النثر
1 - مقدمة كتاب (منشور الهداية)
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.
الحمد لله الذي فتح بصائر أوليائه بأنوار الهداية، ونشر عليهم ألوية القبول لما سبقت لهم سابقة العناية، وأقامهم بين عباده لردع من جلب عليه الشيطان بخيل الغواية، وكلفهم قمعه بمرهفات الألسن والإبنة مع العجز عن سواهما مما هو أبلغ في كتبه وقطع دابره غاية، كي يرجع على عقبه مما تسربل به من مسح المعاصي لا إلى نهاية، وتلك سيرته سبحانه وتعالى ما أظهر بدعيا إلا طمس وجوده بشهاب حجج أهل المعرفة والدراية، وأطفأ حرارة أنفاسه برياح براهين من جعلهم شمسا ستضيء بنورها أهل الغباوة والعماية.
والصلاة على سيدنا محمد، مصطفاه ومختاره ومجتباه، هدى به أعينا عمياء، وقلوبا غلفا وآذانا صماء، فأوضح الطريقة، ونصح الخليقة. وعلى آله وأصحابه الذين انتهجوا منهجه، وقفوا
محجته، فأشادوا الدين وقمعوا الضالين؛ وعلى التابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فلما رأيت الزمان بأهله تعثر، وسفائن النجات (كذا) من أمواج البدع تتكسر، وسحائب الجهل قد أظلت، وأسواق العلم قد كسدت، فصار الجاهل رئيسا، والعالم في منزلة يدعى من أجلها خسيسا، وصاحب أهل الطريقة قد أصبح وأعلام الزندقة على رأسه لائحة، وروائع السلب والطرد من المولى عليه فائحة، إلا أنهم، أعني الطائفتين، تمسكوا من دنياهم بمناصب شرعية، وحالات كانت قدما للسادة الصوفية، فموهوا على العامة بأسماء ذهبت مسمياتها، وأوصاف تلاشت أهلها منذ زمان وأعصارها، لبسوا بانتحالهم لها على أهل العصر إنهم من أهلها، فما راقبوا المولى أن يعاجلهم، ولا خافوا فجأة الموت فما بعدها أن تصادمهم، لولا حلم من سبقت رحمته غضبه، فاغتروا وما نظروا، واستهونوا وما استبصروا، كل ذلك والمولى يمهل لهم، ويجري أسباب المنى كيف ما أحبوا على نحو إرادتهم، فزادوا به تمردا وطغيانا، وأظهروا به أن لهم نصيبا وافرا ولعمري لقد نالوا به حرمانا وخسرانا، وربما صارت الطائفة البدعية مقطعا للحقوق وقسما يقسم بهم في البر والعقوق. والطائفة الأخرى سطرت أناملهم في قراطيس ما يوهم من لم يرهم ممن يأتي في غابر الزمن أنهم من حزب العلماء ومن مشايخهم الأعلين.
كل ذلك والقلب مني يتقطع غيرة على حزب الله العلماء أن ينسب جماعة الجهلة المعاندين الضالين المضلين لهم أو يذكروا
في معرضهم، وغيرة على جناب السادة الأولياء الصوفية أن تكون أراذل العامة وأنذال الحمقى المغرورين أن يتسموا بأسمائهم أو يظن بهم اللحوق بآثارهم، ولم آل في التنفير من كلتا الطائفتين والتحذير منهم في كل زمان وأوان، وبين كل صالح من الإخوان، إلى أن أحسست لسان القول قد انطلق بنسبة ما لا يليق ذكره من أفواههم، فشرح الله صدري في أن اعتكف على تقييد يبدي عوارهم ويفضح أسرارهم، ويكون وسيلة إلى الله في الدنيا والأخرى، لأني غرت على دائرة الكمال من أهل حضرته، ودببت (كذا) جهدي باللسان والبنان على أهل صفوته، فلا جرم وإن كنت متلوثا بالخطايا والأوزار، وممن أحمل عدة من القبائح آناء الليل والنهار، أن أرجوا (كذا) من الله المغفرة.
فهذا الجهاد الذي هو أحسن من السيف في نحور أعداء الله وناهيك بهم أعداء، نسخوا شرع سيدنا ومولانا محمد - (ص) - بآرائهم المسطرة بأقلامهم في سجلاتهم، وأحلوا الرشى بأفعالهم والتمدح بها والعكوف على طلبها والاعتناء بأخذها في أنديتهم فهي عندهم من أرفع المكاسب وأسنى المطالب.
والطائفة الأخرى أعلنوا بأن سابق الأقدار منوطة بإرادتهم، وتأثيرات الأكوان صادرة عن اختياراتهم، فزادت بهم العامة شغبا إلى شغبهم وتشويشا دخل القلوب فما أعظمه وأصعبه. واتخذت أتباعهم ألقابا لهم باسم الشيخوخة، والتحذير من أن يغاضوا أو يغتاضوا فصارت العامة تجانبهم ولا تحط بساحتهم.
وأما النكير عليهم فأربابه في قعر حفير وربما زاد في إفصاح