الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، كما كرر ذلك أكثر من مرة. وهو لا يبالي ببغض المبغضين، ولا بحقد الحاقدين عليه من أجله، لأن له من تأليفه هدفا أسمى وغاية حسنى.
4 - فتح اللطيف
ليس كتاب (فتح اللطيف) من أهم كتب الفكون، ولكنه مع ذلك جدير بالدراسة لعدة أسباب. فهو الكتاب الوحيد الذي اطلعنا عليه له في علم الصرف الذي برع فيه هو وعلم النحو.
وهو أيضا كتاب مدحه بعض العلماء من أمثال العياشي والقادري، على أنه أفضل من غيره في بابه. ثم إنه كتاب فيه أخبار لا علاقة لها بعلم الصرف ولكن بحياة المؤلف وظروفه النفسية والوظيفية، وتاريخ تأليف (منشور الهداية) وردود فعل أهل العصر نحو هذا الكتاب.
إذن فإن دراسة (فتح اللطيف) مهمة من تلك النواحي جميعها. ألفه الفكون في أوائل صفر سنة 1048، وهو آخر تاريخ وجدناه على مؤلفاته، بحيث لا نعرف أنه ألف عملا آخر بعد هذا التاريخ (1) وكان آنذاك قد بلغ سن الستين من عمره. وقد اعتذر في مقدمته بأنه كان منشغلا بالحج وضروراته، (بحال تشتت بال، ومنابذة القراءة والإقراء خصوصا على كل حال، جامعا همتي لأخذ أسباب السفر والارتحال، إلى العودة لزيارة حرم الله وأفضل من
(1) أشارت إلى ذلك التاريخ النسخة التي اطلعنا عليها، وهي بجوزة الأستاذ علي أمقران السحنوني وهي بخط محمد الطاهر بن محمد السعيد بن إسماعيل الزواوي أصلا البجائي دارا، يوم الأحد 15 جمادي الأولى سنة 1353 م (1934 م). وتقع في 200 صفحة. وخطها واضح. أما العياشي فيقول إن:(فتح اللطيف) يقع في مجلد دون توضيح أكثر.
تشد إلى زيارته الرحال ..) ولم يشر الفكون إلى ثورة ابن الصخري التي اندلعت سنة قبل ذلك (1047) وإنما اكتفى بالإشارة إلى الاستعداد لأمور الحج. ونحن نعلم أن الفكون قد أصبح في هذا التاريخ على ما نعتقد، أميرا لركب الحج الجزائري كله، ولكنه لم يفصح عن ذلك. وعبارة (إلى العودة) مهمة في هذا السياق. لأنه لم يخبرنا في أي مصدر آخر أنه كان قد حج، وما دام والده قد توفي قبل ذلك بحوالي ثلاث سنوات (1045) فإن المفهوم أن الفكون قد قاد ركب الحج سنة 1046 وسنة 1047 وها هو (يعود) إلى ذلك سنة 1048 منشغلا بذلك عن كل الأمور بما فيها القراءة والإقراء والتأليف. وها نحن أيضا نكتشف أمورا أخرى من هذا النص: فالفكون أخذ ينشغل بأمور الحج حتى لم يعد يجد وقتا للإقراء (التدريس) على الخصوص، ولعل هذا ما يؤكد كلام الثعالبي السابق من أن شيخه الفكون قد تخلى عن التدريس. ولكن الفكون لا يرجع ذلك إلى العبادة والزهد (وعدم إخلاص النية ..) كما قال الثعالبي وإنما يرجعه إلى الاشتغال بالحج الذي يقتضي التغيب شهورا طويلة لم يعد يسمح للفكون بالتدريس واستقبال الطلبة كما كان الحال في السنين الماضية.
وهناك نقطة أخرى نستشفها من مقدمة الفكون في (فتح اللطيف) وهي أنه ألف الكتاب بطلب من بعض الطلبة الذين حثوه على وضع تأليف لهم على منظومة المكودي في التصريف.
ورغم أن هذه عبارة تقليدية من المؤلفين إذ يجعلون الدافع على التأليف أن هناك صاحبا أو شخصا لا يستطيعون رد طلبه أو طلبة
أو نحو ذلك. غير أن اعتذار الفكون بأمور الحج يجعله صادقا فيما ذهب إليه، ومع ذلك استجاب لطلب طالبيه فألف لهم هذا العمل. ولذلك كرر اعتذاره لهم بأنه سوده ولم يبيضه لأنه لا يجد وقتا لذلك، وأنه لم ينقحه ويراجعه كما يجب، وطلب من القراء ومن أولئك الطلبة أن يغفروا له هذا النقص، إن وجد، وأن يقوموا هم بتصحيحه ما دام هو قد وضع لهم الإطار العام والمعلومات الأساسية.
وقد امتدح الفكون علم الصرف واعتبره (من أعظم ما ينطوي عليه الجنان، ويتعاهده اللسان، ويسر بمعرفته الإنسان). وقال عن خطته في كتابه هذا أنه اقتصر على (فك اللفظ وإبانة المعنى) وأنه لم يسلك طريقة الإسهاب والطول في جلب النقول والشواهد، ولم يغص في المعاني كما كان يرغب لضيق الوقت وانشغال البال الذي أشار إليه. أما طريقة الشرح فلا نعتقد أن الفكون قد جاء فيها بجديد أيضا لهو يحلل أبيات منظومة المكودي بيتا بيتا، ويشرح اللفظ وينبه على المعنى فيها ثم إعرابها ومع هذا الاختصار وهذا التقليد في الشرح، فإن العياشي، وقد تبعه القادري، يقول عنه كلاما يدل على استجادته وتفضيله على غيره ممن كتبوا حول نفس الموضوع، وهو شرح أرجوزة المكودي.
فبعد أن أورد العياشي عبارات الفكون الواردة في المقدمة وهي (الحمد لله الذي أجرى تصاريف المقادير بواسطة أمثلة الأفعال، وأوضح بيان افتقارها إليه بتغير حالاتها من حركة وصحة واعتلال، ونوع أشكال عين وجودها إلى ضم الانضمام إليه،
وكسر الانكسار لديه، وفتح الانفتاح في مشاهدة العظمة والجلال.) قال (العياشي):(ولا يخفى عليك ما اشتمل عليه هذا المطلع من براعة الافتتاح ولطيف الإشارة إلى أنواع الإعراب والتصريف). وقد قارن العياشي بين شرح الفكون وشرح عبد الله المرابط الدلائي على أرجوزة المكودي المذكورة فوجد أن شرح الفكون (أوسع نقلا وأكثر بحثا وأتم تحريرا) رغم أن الفكون يقول في مقدمة كتابه إنه اقتصر فقط على فك الألفاظ وتوضيح المعاني وإنه لم يلجأ إلى الطول والعمق في البحث. ويضيف العياشي عبارات في منتهى المدح للكتاب ولصاحبه أيضا وطريقته في التأليف على العموم فيقول: (وهو مجلد أجاد فيه غاية الإجادة، وأحسن كل الإحسان، وأعطى النقل والبحث فيه حقهما، ولم يهمل شيئا مما يقتضيه لفظ المشروح ومعناه إلا تكلم عليه، وأجاد، كما هو شأنه في تآليفه (1).
عرفنا إذن دافع ومقدمة وطريقة الفكون في كتابه هذا. كما عرفنا حجمه. أما عنوانه فإن الفكون نفسه قد سماه (فتح اللطيف، في شرح أرجوزة المكودي (2) في التصريف). أما العياشي فلم يذكر له عنوانا وإنما قال إن للفكون شرحا على أرجوزة المكودي في التصريف. وأما تلميذه (الفكون) الثعالبي فقد أخبرنا بعنوان جديد لهذا الكتاب وهو (البسط والتعريف) قائلا
(1) انظر العياشي، الرحلة 391/ 2. وعلق العياشي أيضا بأنه لم يدر من السابق بالشرح: الفكون أو الدلائي.
(2)
هو عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي.
إن من تصانيف الفكون شرحه على المكودي في التصريف الذي سماه (البسط والتعريف)(1) ونحن على كل حال نميل إلى العنوان المذكور في النسخ التي اطلعنا عليها منه والتي فيها عبارة المؤلف (وسميته فتح اللطيف ..) ولا نعتقد أن يكون الناسخ البجائي قد تصرف في عنوان الكتاب ونسب ذلك إلى المؤلف نفسه. أما عبارة الثعالبي فتبقى في حاجة إلى تبرير، وقد تكون اجتهادا منه فقط بعد أن نسي عنوان الكتاب. وعلى أية حال فإن بعض المؤلفين كانوا يضعون لمؤلفاتهم أكثر من عنوان. وهل يمكننا أن نقول إن الفكون قد أتيح له تبييض نسخته بعد ذلك وغير عنوانها إلى ما ذكره الثعالبي؟ ربما.
وهناك فائدتان أخريان نجدهما في (فتح اللطيف). أولاهما أن الفكون يشير فيه إلى كتاب آخر له يسمى (فتح المالك)، وقال إنه ذكر فيه نبذة من علم الصرف. وقد ذكره أكثر من مرة، وأخبر أنه أجاب فيه عن كلام صاحب التسهيل. ويبدو لنا من هذه المعلومات الضئيلة أن (فتح المالك) هذا كتاب في علم النحو تناول فيه الفكون أحد أعمال ابن مالك. وعلم النحو هو الذي برع فيه الفكون بالدرجة الأولى وأحبه، كما ذكر ذلك بنفسه في ترجمته لمحمد بن راشد الزواوي ومحمد التواتي المغربي ومهما كان الأمر فإن (فتح المالك) مؤلف قبل (فتح اللطيف) أي قبل 1048، ولكننا لا نعرف متى كان ذلك بالضبط. ومن المحتمل أن يكون ذلك بعد (منشور الهداية) لأنه لو كان قد ألفه قبله لذكره
(1) الثعالبي (كنز الرواة)، مخطوط خاص.
فيه، وهو غير مذكور. وقد رجحنا أن يكون تاريخ تأليف (منشور الهداية) حوالي سنة 1046.
أما الفائدة الثانية التي نجنيها من (فتح اللطيف) فهي حديث الفكون عن صنعة التأليف في عصره. فقد أبدى رأيا جديرا بالتمعن في عصر كسد فيه سوق التأليف وضعفت طرائق البحث والتعمق والاستنباط، حتى أصبح كل من جمع مادة وحطب بليل يسمى مؤلفا والمهم أن القراء في كل عصرهم الذين يميزون بين المؤلف المدقق المستقل الشخصية وبين المؤلف الحاطب بالليل. ولنستمع إلى قول الفكون في ذلك والذي لا نجده إلا في كتابه (فتح اللطيف):(التأليف هو جمع تحقيق لا جمع كتابة وتدوين، إذ ما كان بهذه المثابة ليس فيه سوى تسويد الصحف، كما هو شأن كثير ممن يتعاطى التأليف في هذا الزمان وقبيله. وما علموا أنه من صنف استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء استقذف، مع ما فيه من فضيحة العاجل والآجل، فهي مصيبة (1).
ترى هل في نظرك أن الفكون استعطف أو استقذف بتآليفه؟
أما نحن فنراه قد استهدف فاستعطف وإن جلب إليه، كما قال، نقمة بعض معاصريه وسخطهم عليه. ولكن أليس ذلك هو مصير كل مصلح وكل زعيم؟!
(1) من (فتح اللطيف)، نسخة الأستاذ علي أمقران السحنوني