الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
في إطار الحملة المسعورة التي يشنها بعض الكتاب والإعلاميين ضد الإسلام، تثار الأن زوبعة هوجاء حول الردة في الإسلام، فما كاد فضيلة الشيخ / محمد الغزالي، والدكتور / محمد مزروعة يفرغان من تأدية شهادتيهما أمام المحكمة التي تنظر قضية اغتيال فرج فودة، وتنشر الصحف ما قالاه، حتى انبرى فريق من الكتاب والإعلاميين، ونظموا حملة صاخبة ضد الشيخ الغزالي والدكتور مزروعة، ثم سرعان ما حولوا هجومهم ضد الشيخين إلى هجوم على الإسلام نفسه، منكرين ان تكون عقوبة المرتد هي القتل.
ثم فتح الباب على مصراعيه لكل من شاء، حتى الذين ينتمون إلى عقائد أهرى غير عقيدة الإسلام، منحوا أنفسهم حق الإفتاء في أمور إسلامية خالصة، لا يحسن القول فيها إلا من درس الإسلام أصولاً وفروعاً منذ نعومة أظفاره.
وهذا شيء قد تعودنا في هذا العصر الذي تحترم فيه كل التخصصات، إلا إذا تعلق الأمر بالإسلام فإنك تجد كل الكاتبين ائمة مجتهدين، ينصون أنفسهم قضاة يحاكمون الإسلام نفسه، ويحاكمون فقهاء الإسلام وأصولييه ومفسريه ومحدثيه، ويرمونهم بالقصور والغفلة وعظائم الأمور؟
وقد تابعت طرفاً من هذه الحملة حين وجودي بالخارج، ولكن لم تتح لي فرصة المتابعة لكل ما قالوه في انكارهم لحد الردة في الإسلام، لأن الصحف والمجلات المصرية لا تصل إلينا بانتظام. وبعد عودتي إلى القاهرة تمكنت - والحمد لله - من الحصول على ما يصور وجهة نظرهم تصويراً تاماً. وعرفت أساليبهم في الكر والفر، ومنهجهم في الاستدلال، وتعاملهم مع النصوص وأدلة الأحكام الشرعية، وتمنيت لو تصدى الأزهر الشريف لدعاواهم وأصدر بياناً شافياً حول موضوع النزاع، لإن الأزهر هو الجهة الوحيدة التي تملك - شرعاً وقانوناً - حسم الخلاف في مثل هذه الأمور، ولكن الأزهر لم يفعل شيئاً، وترك المجال يقف فيه الشيخ الغزالي وحده يرد على بعض ما يثار في الموضوع، رداً يخضع إعلامياً للحذف والتبديل، لإن المزاج العام للإعلام الصحفي هو الميل إلى وجهة نظر المعارضين لأسباب لا تخفى على أحد ثم سعدت يوماً حين وقعت عيني على عنوان مقال لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد السيد طنطاوي مفتي الجمهورية، وتوقعت أن دار الإفتاء نهضت بما لم ينهض به الأزهر لحسم الخلاف بين طرفى النزاع بكلمة خالصة لوجه الله تعالى، ودار الإفتاء هي "أزهر مصغر" لحمة وسدى.
ولكن بعد الفراغ من قراءة مقال فضيلة المفتي "كلمة عن الردة والمرتدين" ذهبت سعادتي ادراج الرياح، لإن المقال لم يتصد لجوهر الخلاف، ولم يضع حداً للتطاول على الإسلام نفسه، ثم على الرعيل
الأول من فقهاء الأمة وعلمائهم الأعلام، ثم تساءلت: إلى متى نؤثر السكوت على الكلام وسهام السوء تنثر صوب الإسلام صباح مساء، وحماه ينتهك، ومحاسنه توأد، وقيمه تنتقص؟!
وإلى متى نؤثر الصمت أمام الهجمات الشرسة على الفقه الإسلامي المنبثق من الكتاب والسنة ومقاصد الإسلام وكلياته التشريعية؟
وإلى متى نؤثر الصمت أمام الحملات التي تشن على أئمة المذاهب الفقهية والأصوليين والمفسرين ورجال الحديث، وترميهم بالجمود وأنهم لم يفهموا الإسلام كما يفهمه الكارهون لما أنزل الله من الشيوعيين والعلمانيين ومن جرى مجراهم؟
إن الإسلام في نظر هؤلاء كلأ مباح لكل سائمة وصيد مستهدف لكل ذي سهم؟
إنهم يريدون إسلاماً مصنوعاً على هواهم، وليس إسلاماً كما أنزله الله وبينه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟ يريدون إسلاماً مرقعاً لا إسلاماً خالصاً.
ومما دفعنا إلى كتابة هذه المواجهة السريعة لما يقوله منكرو حد الردة أنهم اعتسفوا القول اعتسافاً في إنكارهم لهذا الحد.
* اعتدوا على حرمة النصوص الشرعية
…
؟
* وأساءوا فهم بعض الوقائع التاريخية
…
؟
* وزوروا على الفقهاء أقوالاهم منها برآ
…
؟
* ونسبوا إليهم مواقف لم ولن تصح عنهم
…
؟
* وأهدروا صلة السنة النبوية بالكتاب العزيز؟!
* وأفتوا - زوراً وبهتاناً - بما ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.
* وضربوا باتفاق مليون فقيه وعالم عرض الحائط من غير مبالاة ولا خجل.
لهذا استخرنا الله - بعد تردد لم يطل - في أن نحرر هذه السطور. احقاقاً للحق خالصاً لوجه الله الكريم.
ليس دفاعاً عن أحد ولا تحاملاً على آخر:
والذي نسطره - هنا - ليس دفاعاً عن الشيخ الغزالي أو الدكتور مزروعة، وليس دفاعاً عن قتلة فرج فوده ولا إدانة أو تحاملاً عليه، فهذه أمور هاشمية عابرة وإنما هدفنا الأول والآخير هو الدفاع عن حدٍ من حدود الله، اجتمعت عليه المدارس الفقهية ولم يعرف عنهم فيه خلاف. وقامت على وجوده عشرات الأدلة قولاً وعملاً وتقريراً لإنه - أي حد الردة - يتعلق بحماية ضرورة من الضرورات الخمس، التي رعاها التشريع الإسلامي حق الرعاية، وهي:
* الحفاظ على المال، وحده قطع يد السارق.
* والحفاظ على النسل، وحده رجم الزاني أو جلده.
* والحفاظ على العرض والشرف، وحده جلد الرامي للناس في أعراضهم وشرفهم.
* والحفاظ على العقل، وحده جلد الشارب.
* ثم الحافظ على الدين، وحده قتل المرتد.
فهذه خمسة حدود متفق عليها، يضاف إليهما حدان متفق عليهما كذلك وهما:
* حد الحرابة لمن يحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويسعى في الأرض فساداً فيعتدي على الأنفس والأموال والأعراض.
* ثم حد البغي إذا اعتدت طائفة على أخرى ظلماً وعدواناً.
هذه الحدود السبعة شرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لجرائم من شأنها إذا لم تردع أن تبدل سعادة الحياة بؤساً. وتحول أمنها قلقاً واضطراباً.
ولعظم الحدود في الإسلام فإن العفو لا يجوز فيها إذا رفعت لولي الأمر، إنها حقوق لله ولا يملك أحد حق العفو في حق هو خالص لله.
ومن العجيب - حقاً - أن منكري جد الدرة لم يقفوا عند إنكاره هو وحده، بل أنكروا معه ثلاثة حدود أخرى، وهي:
* حد الحرابة، وقد ورد في القرآن الكريم.
* وحد البغي، وقد ورد كذلك في القرآن الكريم.
* وحد شرب الخمر، وقد ورد في السنة الطاهرة قولاً وعملاً، وفي السنة العملية للخلفاء الراشدين ولك أن تضحك - أو تبكي إن شئت - حين تقف على طريقة استدلال منكري هذه الحدود، إن مستندهم الوحيد أن هذه الحدود الأربعة التي أنكروها خلا منها كتاب الفقه على المذاهب الأربعة....؟
أما الحدود التي أقروا بها فهي:
* حد الزنى.
* حد القذف.
* حد السرقة.
قل لهؤلاء المنكرين ماذا تفعلون بقوله تعالى الذي يقرر حد الحرابة:
وماذا يصنعون بقوله تعالى الذي يقرر حد البغي:
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
…
} (الحجرات 9) .
ثم ماذا يصنعون بالأحاديث النبوية الواردة في عقوبة شارب الخمر، والقاضية بقتله إذا شرب مرة رابعة بعد تأديبه في المرات الثلاث السابقة إذا لم يتب ويقلع؟
عجيب - والله - أن يتخذوا من خلُو كتاب المذاهب الأربعة من ذكر هذه الحدود - وهو مؤلف حديث - دليلاً على إنكار الحدود التي لن تذكر فيه. وقاضياً على نصوص الشريعة المقدسة من الكتاب والسنة؟
وأيا كان الأمر فإننا في مواجهتنا لهذه الدعاوي ذكرنا شبهات منكري حد الردة شبهة تلو أخرى وتناولنا كل شبهة بنقد ونقض موذوعيين - كما سيرى القارئ - دفاعاً عن الحق، وإحقاقاً له؛ لإن الشبهات التي استند إليها منكرو حد الردة قد يكون لها تأثير قوي عند أهل العلم. فالتصدي لهل واجب على كل قادر، وكشف ما في شبهانهم من زيف وتضليل وإغراء على الفساد والإفساد جهاد في سبيل الله لابد من القيام به، تبصيراة وتبصيرة. والذكرى تنفع المؤمنين وهذه المواجهة شطرناها شطرين.
* في الشطر الأول منها واجهنا شبهات منكري حد الردة كلها وبينا أنهم ليس لهم أي مستند فيها يؤيد ما ذهبوا إليه.
وفي الشطر الثاني ذكرنا "توضيحات لابد منها" وضحنا فيها جوانب مهمة، منها:
لماذا شرع الإسلام قتل المسلم إن ارتد؟ وهل هذا التشريع ينافي حرية الاعتقاد في الإسلام.
والله نسأل أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب الحق وصالحي المؤمنين.
عبد العظيم إبراهيم المطعنى
القاهرة - الظاهر
الخميس غرة ربيع الأول 1414 هـ
الموافق 18 / أغسطس 1993 م
عفا الله عنه