الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....".
فالدليل صحيح، ودلالته قطعية مسلمة وعلى هذا اتفق جميع الفقهاء ولم يعرف لهم مخالف منذ بدأ النشاط الفقهي على يد الإمام الشافعي وإلى الآن.
إذن فهذا الزعم الذي زعمه منكرو حد الردة لا وزن له، لإن خلاف الفقهاء لم يمس صحة الدليل، بل كان في أمور فرعية مستندة إلى وجود الدليل مع التسليم بصحته، وزيادة في الإيضاح نذكر في إيجاز نماذج من الخلافات الفرعية التي نشأت حول حد الدرة واتخذ منها منكروه دليلاً على إنكاره وما هي بدليل:
نماذج من الخلاف حول فرعيات الردة:
الأول: الاستتابة: كثر عند الفقهاء القول بأن المرتد يستتاب قبل إيقاع الحد عليه. وذهبوا في هذه الاستتابة عدة مذاهب:
فالأكثرون يقولون بأنها واجبة على ولاة الأمر، وحق للمرتد نفسه.
وقليل منهم قال إن الاستتابة مستحبة وليست بواجبة. فإذا قتل المرتد فور العلم بردته فلا خرج في ذلك ولا تقصير، كل ما في الأمر أننا تركنا أمراً مستحباً ومنهم من قال: إنه يُقتل فوراً فلا تجب استتابته
ولا تستحب. والراجح هو الرأي الأول.
وكما اختلفوا في حكم الاستتابة اختلفوا في مدتها فالأكثرون على أنها ثلاثة أيام، وقلة ذهبت إلى أنها أكثر من ثلاثة، والنخعي يرى أن الزمن غير معتبر بل المعتبر هو حدوث الإقناع عند المرتد طال الزمن أو قصر.
والذين قالوا إنها ثلاثة أيام استدلوا بقوله تعالى في شأن ثمود قوم صالح عليه السلام:
{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: 65) .
وهذا استدلال وجيه، لإن صالحاً عليه السلام لم ييأس من إيمان قومه إلا حين عصوا الله وعقروا الناقة، فأمهلهم الله ثلاثة ايام ثم أهلكهم.
الثاني: المرتد الذي يقتل:
إذا تحققت الردة من مسلم فجمهور الفقهاء يقول إنه يقتل إن لم يتب، سواء أكان رجلاً أو امرأة. وخالف الحنفية فقالوا إن المرأة إذا ارتدت ولم تتب لا تقتل، بل تحبس مدى الحياة ويعرض عليها الإسلام كل يوم.
أخذ الجمهور بدلالة العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه" لإن "مَنْ بدَّل دينه" لم يفرق بين الرجل والمرأة.
وأخذ الحنفية بقياس المسلمة إذا ارتدت على المرأة الكافرة كفراً
أصلياً، لإن النبي نهى المسلمين عن قتل النساء الحربيات إذا نشب بين قومهن وبين المسلمين حرب، فجعلوا النهي عن قتل الحربيات مخصصاً للعموم الوارد في "من بدَّل دينه فاقتلوه" ثم قاسوا المرتدة على الحربية.
الثالث: مصير مال المرتد:
إذا ارتد المسلم ولم يتب ثم قتل فما هو مصير ماله الذي تركه؟
للفقهاء مذاهب في هذا الفرع أقواها وأولاها بالقبول أن ماله الذي أكتسبه حال إسلامه قبل ارتداده هو لورثته الشرعيين. أما ما اكتسبه حال ردته قبل قتله فلا يرثه ورثته لاختلاف الدين حال كسب المال.
هذه نماذج ثلاثة من اختلاف الفقهاء في بعض شئون المرتد. وهي خلافات لم تمس من قريب أو بعيد وجوب الذي هو قتل المرتد. وكل ما نشأ من خلاف في هذا الموضوع هو من هذا القبيل. أما أن يكون قدر دار بينهم خلاف في هل يقتل المرتد أم لا يقتل فهذا لا وجود له عندهم أبداً، فجميع المذاهب الفقهية متفقة على وجود الحد شرعاً وأنه يكون بقتل المرتد.
إن إنكار حد الردة أو حتى مجرد التشكيك فيه لم يعرف في أي عصر إلا في هذا القرن العشرين، وعلى أيدي بعض الحقوقيين، وهم قلة
نادرة، ثم بعض الإعلاميين والصحفيين، والغالب عليهم أنهم يدينون بالولاء لبعض الأيديولوجيات المعاصرة، وهؤلاء - جميعاً - لا وزن لما يقولون، ولا يجةز أن يجاريهم أحد فبما يقولون؛ لإنهم ليسوا من اهل الذكر الذين يفزع إليهم ثار خلاف ولإنهم محجوجون باتفاق الفقهاء جيمعاً في كل العصور ولإن طريقتهم في الاستدلال طريقة فجة من جهة، ومن جهة أخرى تخضع النصوص والوقائع لهواهم، سواء أكانوا حسنى النية أو سيئيها. والأمة ليست على استعداد لإن تلغي - بجرة قلم أو أقلام - جهود مليون عالم وفقيه مسلم، تركوا لنا ثروة فقهية رائعة نعتز بها لا تملك أمة من الأمم ما يماثلها أو يضارعها. إنها ثروة فقهية مؤسسة على هدى من كتب الله، وسنة رسوله وحسبنا أن يكون هادينا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
* * *