الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية دعوى التناقض بين الكتاب والسنة
ادعى منكرو حد الردة أن التسليم بأن عقوبة المرتد هي القتل يؤدي إلى وقوع تناقض تناقض شديد بين الكتاب والسنة وأنهم - أي منكري حد الردة - لا يعتمدون إلا ما كان موافقاً للقرآن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبنوا على ذلك أن الحديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" يتناقض مع قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة: (256)
ولذلك فإنهم يردون هذا الحديث ولا يقبلونه دفعاً لما توهموه من تناقض بينه وبين القرآن الحكيم.
ولو أن منكري حد الردة تريثوا قليلاً وفحصوا الموضوع فحصاً دقيقاً لما جرأوا على القول بالتناقض، ولما ورطوا أنفسهم في هذه المزالق الحرجة، ولكنهم القوا القول على عواهنه فكانوا كحابط ليل لا يميز بين الحطب والثعابين. كان عليهم أن يرجعوا إلى كتب أصول الفقه، ويقفوا على ما أضنى فيه الأصوليون أنفسهم من درس أدلة الأحكام من الكتاب والسنة معاً، وتحديدهم - بكل وعي ودقة - لمعاني المفردات والتراكيب، ودور السنة في تبيين المراد من آيات الأحكام.
فالسنة الشارحة لها وجوه كثيرة في صلتها بآيات الأحكام ومن تلك الوجوه أن يكون النص القرآني مطلقاً فتأتي السنة بتقييده.
ومن أمثلة تقييد السنة لمطلق القرآن قوله تعالى في تنفيد وصية الميت: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} (النساء: 12) فقيدت السنة عموم الوصية هنا تقييدين:
أولهما: كونها لا تتعدى ثلث التركة.
والثاني: أن لا تكون لوارث.
كما قيدت قطع اليد في السرقة بأن يكون من الرسغ، وكان القطع قد جاء عاماً في قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: 38) .
ولولا تحديد السنة للقطع هنا من الرسغ لجاز أن يكون القطع من الذراع أو الكتف.
الوجه الثاني: أن يكون النص القرآني مجملاً فتأتي السنة بتفصيله، وهذا كثير، ومنه تفصيل كيفيات الصلاة والزكاة ومناسك الحج. ففي الصلاة قال صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
وفي الحج قال: "خذوا عني مناسككم".
والوجه الثالث: أن يكون النص القرآني عاماً فتأتي السنة بتخصيصه.
ومن ذلك قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ....} (النساء: 11) .
فالآية عامة في كل أب يموت، وفي كل ولد يكون حياً بعد موت أبيه، فجاءت السنة وخصصت الأب بأن يكون غير نبي في قوله صلى الله عليه وسلم:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة".
وخصصت الولد بأن يكون غير قاتل لمورثه في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث القاتل".
وكذلك خصصت السنة قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ
…
} (النساء: 24) بقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
فقد جاء قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} بعد ذكر المحرمات من النساء، ومنهن الأمهات والأخوات من الرضاعة. دون ابنة الأخ من الرضاعة مثلاً، وجاء قوله صلى الله عليه وسلم:"يحرم من الرضاع ما يحرم النسب" مخصصاً للعموم في {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وهو يقتضي حلية نكاح كل من لم تذكر في آية المحرمات.
كما خصصت السنة هذا العموم مرة أخرى يتحريم الجمع في النكاح