الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الرابعة تحريف أسباب حروب الردة
حروب الردة أضخم حدث تاريخي وقع عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت بوادر الردة قد بدت في أخريات حياة الرسول وقد تقدمت الإشارة إلى ردة طوائف من اهل اليمن اتباع الأسود العنسى الذي أمر الرسول مسلمى اليمن بقتاله وقتله وقتال اتباعه من المرتدين، ثم انتهى الأمر بقتله كما تقدم.
ثم ردة مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة الذي ادعى النبوة وارتد معه بنو حنيفة، ولم يعجل النبي بقتاله وقتال قومه لإنه كان يوجه كل اهتمامه لمحاربة الروم الذين كانوا ينوون مداهمة المدينة، وجهز من أجل ذلك جيش أسامة بن زيد بن حارثة، ولكن النبي فارق الحياة وجيش اسامة ما يزال داخل حدود المدينة لم يغادرها بعد. ثم أمضى ابو بكر ما كان قد عزم عليه الرسول قبل وفاته.
وفي هذه الأثناء تزايد عدد القبائل المرتدة ممن لم يتمكن الإسلام في قلوبهم من جفاة الأعراب، الذين وصفهم القرآن الكريم من قبل فقال:
{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
…
} (التوبة: 97) .
وكان المرتدون نوعين:
الأول: مرتدون خرجوا عن الإسلام كلية.
الثاني: مرتدون منعوا إخراج الزكاة وهو ركن من أركان الإسلام.
وقد أعلم أبا بكر أمراء النبي الذين كانوا منتشرين في أنحاء الجزيرة حيث أرسلوا إليه تقارير وافيه بما وقع في القبائل بعد وفاة الرسول، فجمع ابو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاورهم فيما يجب اتخاذه نحو هذه النكسة الشيطانية، فلم يخالفه أحد في قتال المرتدين ردة كاملة وإنما خالفوه في الذين منعوا الزكاة وبقوا على إسلامهم حسب ما كانوا يقدرون.
قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف تقاتل قوماً يؤمنون بالله ورسوله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فإن قالوها عصموا مني أموالهم ودماءهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، وقد قال - يعني الرسول - إلا بحقها".
وسواء طال الاختلاف أو فصر فإن الصحابة جميعاً أجمعوا - بعد التشاور - على قتال النوعين معاً:
المرتدون ردة كاملة بالخروج عن الإسلام كلية.
والمرتدون ردة غير كاملة الذين طلبوا من أبي بكر أن يقيموا الصلاة ويعفيهم من إخراج الزكاة.
هذا القرار الذي أجمع عليه الصحابة كلهم كان سببه الردة التي لم يصاحبها قتال من المرتدين للمسلمين.
صحيح أن مانعي الزكاة بادروا بالزحف على المدينة، ولكن كان زحفهم بعد تشاور اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماعهم على قتال المرتدين جميعاً لا فرق بين ارتد وخرج عن الإسلام ومن اقتصرت ردته على منع الزكاة فحسب.
هذه هي حقيقة حروب الردة، ولكن منكري حد الردة مضوا في تفسير أسبابها على المنهج المعوج الذي سلكوه. من تطويع النصوص والوقائع لأهوائهم ومزاعمهم الفارغة.
زعموا - زوراً وبهتاناً - أن حروب الردة التي استمرت قرابة سنتين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، لم يكن سببها مجرد الردة، لإن الردة عند منكري حدها - لا تبيح قتالاً ولا قتلا، بل سببها عندهم - أعني سبب حروب الردة - هو مقاتلة المرتدين للمسلمين فهي - أي حروب الردة - قتال في مواجهة قتال. وليس قتالاً في مواجهة كفر بعد إسلام؟! ولعل منكري حد الردة كانوا قد أدركوا أهمية حروب الردة في تقرير وشرعية قتل المرتد لإنها تطبيق عملي واسع النطاق ودليل
راسخ على هذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من بدَّل دينه فاقتلوه" وبهذه الحروب خرج الحديث المذكور عن كونه حديث آحاد إلى حدث متواتر أعظم ما يكون التواتر. فهو حديث مع إجماع مع عمل ضخم بكل مقياس لهذه الإعتبارات كلها أجهد منكرو حد الردة أنفسهم لتجريدها من دلالتها الراسخة، ونضع بين أيدى القراء ما قاله منكرو حد الردة في هذا الشأن:
: فحروب الردة إذن لم تكن أبداً - كما يصورها المضللون (هكذا؟) قتالا للمرتدين جزاء ردتهم، وإنما كانت دفاعاً عن الإسلام، وتصدياً لمن بدأوا بالعدوان على المدينة، مصداقاً لقوله تعالى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} .
هكذا بجرة قلم حاولوا أن يطمسوا حدثاً ضخماً قام به صحابة رسول الله الأطهار، وهم أفقه رجال الإسلام وأقربهم عهداً برسوله وأدراهم بسنته القولية والعملية، وهم خير أجيال الأمة منذ مجئ الإسلام إلى قيام الساعة.
وللقارئ الكريم أن يرجع إلى أمهات كتب السيرة والتاريخ الإسلامي كتاريخ الطبري، والبداية والنهاية وغيرهما، وسيرى أن أجماع الصحابة على قتال المرتدين كان قبل أي تحرك من المرتدين ضد