المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شواهد من السنة العملية: - عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الشبهة الأولى

- ‌خطأ الاستدلال بالنصوص القرآنية

- ‌مصدرية السنة وصلتها بالكتاب العزيز:

- ‌صلة السنة بالكتاب

- ‌الشبهة الثانية دعوى التناقض بين الكتاب والسنة

- ‌الانسجام التام بين السنة والكتاب:

- ‌الشبهة الثالثة دعوى عدم صلاحية الحديث النبوي

- ‌حديث آحاد

- ‌شروط العمل بخبر الآحاد

- ‌شواهد من السنة العملية:

- ‌الشبهة الثالثة وقائع من عصر النبوة أساءوا فهمها

- ‌الاختلاق والافتراء:

- ‌النصراني الذي أسلم ثم ارتد

- ‌تعقيب

- ‌الشبهة الرابعة تحريف أسباب حروب الردة

- ‌قصة ثعلبة:

- ‌تعقيب:

- ‌الشبهة الخامسة الادعاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل مرتداً

- ‌دحض هذه الدعوى

- ‌الشبهة السادسة اختلاف الفقهاء

- ‌نماذج من الخلاف حول فرعيات الردة:

- ‌الشبهة السابعة التدخل في اختصاص الله

- ‌تعقيب:

- ‌الشبهة الثامنة الاستتابة لا أساس لها في الدين

- ‌تعقيب:

- ‌أدلتها من الشريعة

- ‌نصوص الكتب التي بعث بها:

- ‌تعقيب:

- ‌وثيقة أخرى لأبي بكر:

- ‌تعقيب:

- ‌توضيحات لا بد منها

- ‌التوضيح الأول بين الردة والزندقة

- ‌التوضيح الثاني ضوابط تنفيذ حد الردة

- ‌التوضيح الثالث قتل المرتد لا يصادر حرية الاعتقاد في الإسلام

- ‌التوضيح الرابع حكمة التشريع في قتل المرتد

- ‌التوضيح الخامس عمن يدافعون

الفصل: ‌شواهد من السنة العملية:

‌شواهد من السنة العملية:

أما السنة العملية فما لا ريب فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين باليمن بقتال قوم الأسود العنسى الذي ادعى النبوة في حياة صاحب الدعوة ودعا قومه فارتدوا واتبعوه، ومكن الله منه رجلين من المسلمين فقتلاه ليلاً في بيته وهو سكران.

وذكر النووى في شرحه لصحيح مسلم أنه عليه السلام أمر، بقتل عبد الله بن أبي سرح حين ارتد يوم فتح مكة، ولكن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان عبد الله أخاه من الرضاعة دعاه إلى الإسلام فأعلن إسلامه مرة أخرى أمام النبي صلى الله عليه وسلم. وستأتي وقائع أخرى قتل فيها مرتدون في حياة صاحب الدعوة.

ومن السنة العملية قتال أبي بكر بإجماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرتدين من قبائل العرب، وللذين منعوا إعطاء الزكاة لخليفة رسول الله أبي بكر رضي الله عنه، ولنا عةد لحروب الردة سيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله.

والخلاصة أن حديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" لم يعد مع كل هذه الشواهد القولية والعملية حديث آحاد. بل هو من التواتر المعنوي فضلاً

ص: 36

عن أن صلاحيته لإثبات الحدود لا ينازع فيها منصف قط ومما تقدم يرى القارئ الكريم إلى أي مدىً هوى منكرو حد الردة في طعونهم السخيفة في هذا الحديث الذي رواه عن صاحب الدعوة إمام مشهود له بالأمانة والصدق وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له الرسول فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" ثم أخرجه عند الإمام المحدث الجليل صاحب الصحيح المعروف الإمام البخاري رضي الله عنه، إمام المحدثين الورعين الثقات وكان الإمام البخاري لا يثبت حديثاً في صحيحه إلا بعد أن يصلي ركعتين ثم يدعو بدعاء الإستخارة، وقد تلقت الأمة صحيحة وصحيح الإمام مسلم بالرضا والقبول.

ولم ينتقص أحد من علماء السلف وفقهاء الأمة الأعلام من شأن هذا الحديث. وترى الفقهاء الأقدمين - جميعاً - يذكرون هذا الحديث وهو يتحدثون عن حد الردة ولم يقولوا إنه حديث آحاد فلا ينبغي العمل به، بل هو أقوى أدلتهم - سنداً ومتناً - على مشروعية القتل حداَ لكل مسلم ارتد عن دينه وأبى أن يتوب.

ومن المبالغات الممقوتة أن منكري حد الردة في هذا الأيام يدعون أن كثيراً من الفقهاء شكك في هذا الحديث. وهذه فرية بلغاء لاستدلها. إن فقهاء الأمة جميعاً سلموا به واعتمدوه ولم يشغب حوله إلا نفر من المعاصرين: اثنان أو ثلاثة وهذا لا يقدح في صحة الحديث أو صلاحيته

ص: 37

دليلاً على عقوبة المرتد؛ لإن إجماع السلف حجة، والأمة لا تجتمع على ضلالة كما جاء في الحديث الشريف من عدة طرق. وكفى بإجماع اصحاب رسول الله على قبوله والعمل به حجة ودليلاً لا يرتاب فيه من أدلة الأحكام.

الثيب الزاني

هذا هو مطلع الحديث الثاني الذي استشهد به الفقهاء على أن عقوبة المرتد هي القتل، ونص الحديث كما تقدم:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدي ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

وقد طعن منكرو حد الردة في هذا الحديث ليبعدوه عن الدلالة على ورود حد الردة في السنة النبوية الطاهرة؛ لإن هذا الحديث يساند حديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" ويقوى دلالته على حد الردة. لذلك التمسوا له وجهاً من الطعن ليتحقق لهم ما أرادوا؟

ماذا قالوا

؟

لم يجد منكرو حد الردة مطعناً في الحديث إلا رأياً للإمام ابن تيمية يذهب فيه إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "والتارك لدينه المفارق للجماعة" المراد من

ص: 38

التارك للدين فيه المفارق للجماعة هو المرتد الذي يجمع بين الارتداد وبين مقاتلة المسلمين "تمسك منكرو حد الردة بهذا الرأي فقالوا: إن الردة وحدها لا تبيح قتل المرتد، وإنما الذي يبيح قتله هو الارتداد مع محاربة الله ورسوله ومحاربة المسلمين وشهر السلاح في وجوههم؟ وابن تيمية مع تفسيره هذا للحديث لا ينكر حد الردة، بل هو من المتشددين فيه، كل ما في الأمر أن لثبوت حد الردة عنده أدلة أخرى لا ينازع فيها. وقد فات هذا الملحظ الدقيق منكري حد الردة فحسبوا أنهم على شيء وما هم على شيء قط.

رأى فردى لم يتبايعه عليه أحد:

والذي ينبغي ذكره أن ما ذهب إليه ابن تيمية في المراد من هذا الحديث، وحمله على المرتد المحارب، أن هذا رأي انفرد به ابن تيمية، ولم يقل به أحد من قبله ولا من بعده فيما نعلم ومنكرو حد الردة حين تمسكوا بهذا الرأي وبنوا عليه أن الردة المجردة، التي لم يصاحبها محاربة للمسلمين لا تبيح قتل المرتد، إنهم حين تمسكوا بهاذ وقعوا في خطأ شنيع وتنكبوا سواء الصراط. ونقول لهم: إن الإمام ابن تيمية اجتهد في تأويل الحديث فجانبه الصواب من جهتين:

أحداهما: أن صياغة الحديث نفسه واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لإن مثل هذا النص غنى عن التأويل، وعلماء الأمة متفقون على أن النص

ص: 39

الواضح الذي لا يمنع من العمل بظاهره مانع شرعي أو عقلي يجب بقاؤه على ظاهره ولا يجوز صرفه عن ظاهره أبداً.

ولا يقدح في هذا الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد جاء في إحدى صياغتيه:

"لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خثال: زان محصن فَيُرْجم. ورجل قتل مسلماً متعمداً. ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله عز وجل ورسوله: فيُقْتَل أو يُصْلَب أو ينفى من الأرض".

حيث ذكر فيه حد المحاربين. لإن الجمع بين الحديثين ممكن، وقد أشار إلى هذا الإمام الشوكاني بما يفيد أن المرتدين نوعان:

الأول مرتد غير محاب فَيُقَتل.

والثاني مرتد محارب فيطبق عليه حد المحاربين من القتل والتصليب.

وبقى وجه آخر لم يشر إليه صاحب نيل الوطار، وهو أن يحمل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها على المحاربين المسلمين غير المرتدين، لإن المحاربة لا تستلزم الردة عن الإسلام، ويكون معنى الخروج عن الإسلام حينئذ بالمعاصي لا بالردة والكفر. وعلى هذا يكون حديث ابن مسعود:"والتارك لدينه المفارق للجماعة" خاصاً بالمرتد ردة

ص: 40

مجردة فيجب قتله إن لم يتب.

ويكون حديث السيدة عائشة محتملاً لأمرين:

الأول: المرتدون المحاربون.

الثاني: المحاربون غير المرتدون.

وصياغة الحديث نص في المرتد غي المحارب - أعني حديث ابن مسعود: "التارك لدينه المفارق للجماعة" ول كان الرسول يقصد به المحاربين لنص على ذلك بكل وضوح، وهو البليغ الفطن؟

وبهذا يتضح أن تفسير ابن تيمية لحديث ابن مسعود وحمله على المحاربين بعيد كل البعد عن المعنى المراد.

ثانياً: أما الجهة الثانية التي جانب ابن تيمية فيها الصواب، فإن علماء الأمة من قبله ومن بعده، يوردون حديث ابن مسعود:"والتارك لدينه المفارق للجماعة" دليلاً ثانياً بعد حديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه" على وجوب قتل المرتد عن الإسلام إذا لم يتب. وحاش لله أن يكون الفقهاء قد اجتمعوا على ضلالة أو باطل. والعبرة - دائماً - بما عليه الجمهور لا بما يخالفهم فيه فرد أو فردان. والمجتهم مأجور إن خلصت النية أصاب أم أخطأ. إن أصاب فله أجر الاجتهاد والإصابة. وإن أخطأ فله أجر اجتهاده. ولا يؤاخذ على خطئه.

ص: 41

تعقيب

ومن هذا العرض ندرك أن منكري حد الردة لم يكن لهم دليل ولا شبه دليل في تفسير ابن تيمية لحديث ابن مسعود: "والتارك لدينه المفارق للجماعة" وكان منكرو حد الردة قد زعموا أن المرتد ردة مجردة لا يجوز قتله، وأن قتله مشروط بأن يقع منه حرب لله ورسوله والمسلمين. يقول الإمام الشوكاني في رد هذا الزعم:"ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث [ابن مسعود] بل المراد من الترك للدين، والمفارقة للجماعة الكفر فقط - أي الردة المجردة - كما يدل على ذلك قوله في الحديث الآخر: "أو كفر بعد ما أسلم".

* * *

ص: 42