الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوضيح الأول بين الردة والزندقة
تعرضت جميع المذاهب الفقهية لذكر حد الردة وبيان أحكامه وفصلت القول في ذلك تقصيلاً دقيقاً، لم يخلُ منه مصدر فقهي من مصادرهم التي وضعوها شاملة لكل أبواب الفقه. ويلحق بالردة جريمة أخرى هي: الزندقة، والنسة إليها زنديق وهي كلمة غير عربية ولكنها عُرَّبت. وهي تطوير لمعنى كلمة منافق فالزنديق هو المنافق مع فارق لحظه الفقهاء جعلهم يؤثرون كلمة زنديق على بعض الأشخاص وكان يُطْلَق عليه قبل ظهور المذاهب الفقهية - كما جاء في الكتاب والسنة مصطلح "منافق" وقد عرفنا أن المنافق في العقيدة هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان. وتجرى عليه أحكام الإسلام من حيث الظاهر وامره مفوض إلى الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن قتلهم لنطقهم بالشهادتين وأدائهم شعائر الإسلام من صلاة وصيام وحج.
أما الزنديق فالمراد به مَنْ يبطن الكفر ويظهر الإيمان تقية وتستراً ثم يكون حرباً على الله ورسوله، فيروج الأفكار السيئة عن الإسلام ويسخر من قيمه وأحكامه، يكون هذا دأبة في كل وادٍ ونادٍ وشغله الشاغل في كل وقت. ويسخر من صحابة رسول الله ورجالات الإسلام من متكلمين ومفسرين وأصوليين وفقهاء.
وهو - بهذا - أشد خطراً من المرتد صراحة وإن تظاهر بأنه مؤمن وصلى وصام وزعم أنه مسلم.
وهذا الصنف من الناس كثيرون الآن، منهم من وصف كتاب الله بأنه كتاب متخلف؟! ومنهم من وصفه بأنه كتاب جبان؟! ومنهم من قدح في عدالة الصحابة، ومنهم من وصف أحكام الشريعة بالجمود وعدم صلاحيتها للتطبيق بعد عصرها الأول؟! ومنهم من يشكك في قيمة السنة النبوية ويطعن في روايتها ولا يعتمد منها إلا بضعة أحاديث؟
هؤلاء كلهم زنادقة مرجفون، وخطرهم - كما تقدم - اشد وأنكى من خطر المرتدين الصرحاء.
ولا خلاف بين الفقهاء في تطبيق حد الردة عليهم، إنما الخلاف هل تقبل منهم توبة ورجوع إلى الإسلام أم لا تقبل.
فإمام دار الهجرة مالك بن أنس ذهب إلى أن الزنديق لا تقبل منه توبة، بل يقتل بمجرد ثبوت زندقته بعد رفع الأمر إلى ولي الأمر الذي يحكم بما أنزل الله، أما إذا جاء هو تائباً من تلقاء نفسه قبل أن يُقّدر عليه فتقبل توبته، فإن ظل على ذندقته وجاهر بكيده للإسلام قتل بلا استتابة.
وغير مالك من الأئمة يقولون باستتابته ونصحه وإرشاده. وهذا مذهب معتدل حرى بالقبول؛ لإن في غرض التوبة عليه إبراء لذمة الجماعة المسلمة، وإعذاراً له قبل إقامة الحد عليه.
وفي نظرنا إن مواجهة ولي الأمر لظاهرة الزندقة والزناديق ألزم وأولى من ظاهرة الردة والمرتدين التي لا تكاد توجد الآن أما الزندقة فلها أبواب واسعة، وحيل كثيرة من أخطرها ممارسة التزندق تحت غطاء حرية الرأي والفكر، وتحرير الفنون الأدبية من كل القيود. وهذا ما يدعو إليه الآن في الوطن العربي الماركسيون والعلمانيون، والحداثيون. وكثير من الإعلاميين وعملاء أعداء الأمة.
وهم بهذا يقتدون باليهود الذين كانوا يتظاهرون بالإسلام ثم يكيدون له ما استطاعوا، ويتخذون من التظاهر بالإسلام غطاء لهم، وبهذه الوسيلة كثرت الإسرائيليات في كتب التفسير والوضع في الحديث النبوي، والأخبار الكاذبة في بعض كتب السيرة، لإن الكيد للإسلام من الداخل اسوع حرية من الكيد له لو ظلوا على يهوديتهم قاتلهم الله. فلتكن الأمة على حذر من زنادقة هذا العصر، الذين لا يخفون على أهل الفطنة.
* * *