الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعلم الله، وتشهد ملائكته وصالحو المؤمنين أن الإمام النووى لم يقل هذا الكلام قط، ولا ذكر منه حرفاً واحداً، وليرجع القارئ إلى الجزء التاسع من شرح النووى لصحيح مسلم، الصفحة (155) وما بعدها، ليتأكد بنفسه خلو شرح النووى تماماً من هذا القول الذي نسبوه إليه زوراً وبهتاناً؟!
والعجيب حقاً أن منكري حد الردة قد ارتكبوا شططاً في كل ما استدلوا به، ولم يدروا أنهم يتحمسون لنصرة الباطل على الحق، ويدافعون عن المجرمين بل عن أجرم المجرمين على وجه الأرض، وهم الخارجون من النور إلى الظلمات، ومن الإيمان إلى الكفر، والكفر أقبح الجرائم وأعظم الذنوب.
النصراني الذي أسلم ثم ارتد
الواقعة الثانية التي طوعها منكرو حد الردة لتأييد زعمهم بأن الردة لا تبيح القتل، واقعة النصراني الذي أسلم ثم ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه الواقعة صحيحة لورودها في أصح كتب الحديث. ولكن منكري حد الردة حرفوها وصاغوها في عبارات مدلسة غاية التدليس ليطوعوها لأهوائهم زوراً وبهتاتاً. ونضع أمام القارئ الكريم الصورة التي عرضوها فيها. فقد قالوا بالحرف الواحد:
"روي عن البخاري: جـ 4 ص 246 كتاب الشعب: أن رجلاً نصرانياً أسلم، ثم ارتد نصرانياً مرة أخرى، فأماته الله، فدفنوه ولم يعاقبه الرسول على ردته".
هذه الصياغة تنطوي على تدليس خطير. حيث يُفْهم منها أن هذا المرتد مات بالمدينة، وأن المسلمين هم الذين دفنوه وأن هذه الردة والدفن حدث أمام سمع وبصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول مع علمه بردة هذا الرجل لم يعاقبه على ردته.
القصة كما وردت في صحيح البخاري:
ونضع بين يدى القراء القصة كاملة كما وردت في صحيح الإمام البخاري:
"حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال:
"كان رجل نصرانياً فاسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض. فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر. فحفروا
له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر. فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض. فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه".
تلك هي القصة في مصادرها الصحيحة، ومنها نقف على الحقائق الآتية:
أولاً: إن هذا المرتد هرب فور ردته إلى المشركين من أهل الكتاب.
ثانياً: إن الذين دفنوه هم المشركون لا المسلمون.
ثالثاً: إن النبي لم يعلم بردة هذا الرجل إلا بعد هروبه إلى معسكرات المشركين.
رابعاً: إن هذا المرتد لما دفنه المشركون أخرجته الأرض فألقته فوق ظهرها ثلاث مرات. وكان المشركون يتعهمون النبي واصحابه في كل مرة بأنهم هم الذين نبشوا قبره وأخرجوه لما هرب منهم. وفي المرة الثالثة أيقنوا أن اخرجه من الأرض ليس من فعل الناس؛ لإنهم كانوا قد عمقوا له الحفر فلم يغن عنه شيئاً. وحينئذ تركوه.