الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوضيح الثاني ضوابط تنفيذ حد الردة
حد الردة في الإسلام لا ينفذ اعتباطاً ولا تعسفاً، بل هو محاط بكثير من الضمانات، ومنها:
أن تكون الردة ظاهرة، كأن يجاهر المرتد بالنطق بكلمة الكفر أو بقول يتضمن الكفر، كأن يقول إن القرآن غير متواتر أو معناه من عند الله ولفظه من النبي، أو يقول شرب الخمر حلال ونكاح المحارم حلال وكذلك إذا حرَّم حلالاً على تحليله أو تكون الردة بقفعل كأن يلقي المصحف في القاذروات أو كتب الحديث أو الفقه عامداً متعمداً.
* أن يشهد على ردته شهود عدول ويذكرون أمام القاضي الأمر أو الأمور التي صار بها مرتداً، ولا يكفي أن يقول الشهود أنه كفر، بل لابد من ذكر أقواله وأفعاله التي كانت علامة على ردته.
* أن يكون ممن اتضحت لهم معالم الهدى في الإسلام وأقام على الإسلام مدة ملحوظة.
* إن كان الشهود من غير اهل العلم عُرِضَ أمره على العلماء أهل الاختصاص لإنهم أدرى بما يُخْرج من الدين وما لا يخرج منه. ولا تكون الردة بمجرد الاتهام، فلابد من تحقيق الدعوى بما يُجَلَّى حقيقة الأمر.
* أن يمهمل المرتد مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال الشبهات التي أدت إلى الردة ويوعظ ويرشد بلا تخويف ولا تهديد ويطعم ما يكيفيه - هكذا قال الفقهاء - ولا بأس من إطالة مدة الإمهال إن طلب المرتد ذلك أو رجا الناصحون فيه خيراً.
* فإن أبى الرجوع بعد النصح والتوجيه يحكم القاضي بردته ويقام عليه الحد بالسيف دفعاً بالسيف دفعاً للتعذيب. وليس في هذا إكراه له على الرجوع إلى الإسلام؛ لإن الحد لا يقام عليه إلا في حالة اليأس من عودته وسنبين في التوضيح الآتي حكمة هذا التشريع.
* الذي يقيم الحد على المرتد، وهكذا كل الحدود، هو ولي الأمر أو نوابه ومعاونوه؛ لإن الحدود كلها لا ينفذها إلا ولاة الأمر. ومع هذا فقد أجمع الفقهاء أن من وجب عليه حد أصبح دمه مهدراً لإن الحدود لا عفو فيها من ورة الأمر أو من غيرهم؛ لإنها حقوق لله. فإذا نفذ الحد فرد من الأفراد غير الولاة فقتل المرتد، أو رجم الزاني، أو قطع يد السارق فهو مصيب ولكنه افتات أو تطاول على حق ولي الأمر فيعاقب عقوبة تعزيزية مثل لأن يحبس أو يسجن أما أن يقتص منه فيقتل أو يرجم أو تقطع يده فلا، لإن دم المرتد بعد الحكم عليه بالردة هدر، وكذلك الزاني إذا كان محصناً، ويد السارق مهدرة كذلك، وهذا كله مشروط بثبوت الجريمة ثبوتاً يقينياً، لإن الجنايات لا تثبت بالظن بل باليقين.
ويرى الشافعية ان المرتد ردة ظاهرة "إذا قُتِلَ قَبْل العرض على ولاة الأمر وقبل الاستتابة فلا يقتص من قاتله".
تجاوزات بعض الأفراد:
أما الشكوى من ظاهرة تجاوزات بعض الأفراد من الشباب في القيام بتنفيذ مل يرونه حداً واجباً فليست هذه مسئوليتهم وحدهم، لإن ولاة الأمر لا يقومون بواجبهم في إقامة أي حد من الحدود، وهذا يحمل بعض الأفراد من عامة الناس على الإقدام بتنفيذ ما يدخل في تنفيذ دائرة الحدود. ولو أن دستور البلاد وقانون العقوبات احترما هذا الواجب، وقام ورة الأمر بتحقيق الدعاوي وتقديمها للقضاء وتفذوا أحكام القضاء النهائية لما جرؤ فرد عادي على أن يتدخل بنفسه في هذه الشئون "السلطانية" فقصور الدساتير وقوانين التجريم والعقاب هو السبب الأول في هذه التجاوزات. وعسى أن يكون لنا فيما حدث واعظ فنطبق الحدود الشرعية في كل المجرمين والمفسدين، سواء أكانوا محجرمي أموال أو عرض أو دين أو بغاة. وقد دلت التجارب محلياً وعالمياً أن التراخي في ردع الإجرام والمجرمين هو المسئول عن كثرة الفساد في الأرض، وفشوا الجريمة فيها جيلاً بعد جيل.
وإقامة حدود الله على المفسدين والمجرمين سبب من أسباب رضا الله علينا في الدنيا والآخرة.
وبهذا نرى أن الإسلام حريص على الحرص على حقن الدماء، والتثبت في الجرائم التي تهدرها أو تهدر عضواً من أعضاء الجسم. ومن عرف الإسلام حق معرفته لا يسعه إلا الانقياد والتسليم، ومن تعمق في دراسة أحكامه التشريعية، وتوجيهاته للحكام والمحكومين وولاة الأمور وعامة الناس يسيطر عليه الإعجاب بهذا النظام الرشيد الحكيم، ولكن من جهل شيئاً عاداه، أو الأمر كله كما قال البوصيري رحمه الله:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ
وينكر الفم طعم الماء من سقمٍ
* * *