الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
علم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة:
بعد هذا العرض التاريخي السريع الموجز نأخذ في التعريف بعلم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة.
أ- ذكرنا في مطلع هذا الفصل أن موضوع علم الأصوات اللغوية هو "الصوت الإنساني الحي"، هذا الصوت الإنساني الذي هو نموذج متكامل من نماذج السلوك الاجتماعي.
1-
هذا الصوت يصدر عن "جهاز النطق الإنساني"1، وجهاز النطق الإنساني يشبه آلة موسيقية، أو هو أكمل آلة موسيقية من حيث المرونة، ومن حيث الإمكانيات، أعني من حيث القدرة على إخراج أنواع من الأصوات لا حد لها. وإذا كنا نسمي جانبا من أعضاء الإنسان بجهاز النطق الإنساني فهذه تسمية من وجهة نظر علماء الأصوات اللغوية. وإلا فإن الفم، والأنف، واللسان، والحلق، والرئتين، وسائر الأعضاء التي تشترك في تكوين أصوات اللغة. تؤدي وظائف ربما كانت أهم من ذلك لحياة الإنسان، فهي ضرورية بالنسبة للتنفس، وضرورية بالنسبة للأكل، فمن الناحية البيولوجية ليس لدى الإنسان "جهاز نطق".
إن الإنسان استغل بعض أعضائه الموجودة لتأدية أغراض أصلية معينة كي يؤدي بها غرضا آخر اجتماعيا مستحدثا هو "الكلام""انظر ص64-65". و"الكلام" عبارة عن سلسلة متصلة من الأصوات، اصطلح الناس على اعتبارها، أو على اعتبار مجموعات منها، رموزا لمعان خاصة.
2-
وإن دراسة ما يسمى بـ"الحدث الكلامي"2، دون الإشارة إلى معناه، هو موضوع علم الأصوات اللغوية. وإن دراسة الصوت الإنساني الحي أمر على جانب كبير من الصعوبة، فنحن مضطرون لكي نصفه إلى أن نحلله إلى ما يسمى بـ"عناصر الكلام"3، فنحن إذن نقوم بعملية "تجريد". إن تحليل "السلسلة
1 Organ of speech.
2 speecg event.
3 Elements Of speech.
الكلامية" إلى عناصر خاصة أمر تظهر صعوبته لو طلب إلينا أن نصف أصوات لغة لا نفهمها. إذا استمعنا مثلا إلى متكلم بلغة نيجيريا -ونحن نجهل لغته- وطلب منا أن نصف أصوات هذه اللغة وأن نصنفها فسنجد مشقة في معرفة الحدود بين صوت وآخر في السلسلة الكلامية، بل سنجد مشقة في تحديد أوائل الكلمات وخواتيمها.
ولما كان "الصوت اللغوي"1 يصدر عن جهاز النطق الإنساني فهو يختلف عن سائر الأصوات التي تحدث عن أسباب أو أدوات أخرى. قد يحدث الصوت في العالم الطبيعي نتيجة لقرع جسم بجسم، أو احتكاك جسم بآخر! أو نفخ في جسم خاص أو لغير ذلك. ومعروف أن دراسة "الصوت"2 عامة موضوعه علم الطبيعة، أما الصوت اللغوي فهو، كما ذكرنا، موضوع علم الأصوات اللغوية.
هذا الصوت الذي يحدثه جهاز النطق الإنساني ينتقل في الهواء، ثم تتلقاه أذن السامع، فمن واجب علم الأصوات اللغوية إذن أن يدرس ثلاث مسائل رئيسية: أولاها حركات المتكلم التي تحدث الصوت، أو إحداث المتكلم للصوت، وهذا الفرع يسمى الدراسة الصوتية الفسيولوجية3. وثانيها انتقال الصوت في الهواء، أو الموجات الصوتية، وهذه الدراسة تعرف بالدراسة الصوتية الفيزيقية4، أو بدراسة الموجات الصوتية اللغوية5.
أما ثالث المسائل الرئيسية التي على علم الأصوات اللغوية أن يدرسها فهو استقبال أذن السامع للصوت، أو الدور الذي تقوم به طبلة أذن السامع لاستقبال الصوت.
وقد وجه علماء الأصوات اللغوية أكبر عنايتهم إلى دراسة المسألة الأولى، ألا وهي: إحداث المتكلم للأصوات، وبذلوا جهودا في دراسة المسألة الثانية -وهي انتقال الأصوات في الهواء- أما المسألة الثالثة، وهي تلقي أذن السامع للأصوات، فلا تزال تنتظر الإفاضة في البحث.
1 Linguistic Sound.
2 Sound.
3 Physiological Phonetics.
4 Physical Phonetics.
5 Acoustic Phonetics.
فعلم الأصوات اللغوية إذن يقنع من العمل الضخم، ألا وهو دراسة "الكلام"، بدراسة الصوت الحي للإنسان وهو يؤدي نشاطه اللغوي، بجانب جد ضئيل هو تحليل السلسلة الكلامية إلى العناصر التي يمكن تجريديها، ثم وصف الطريقة التي يتكون بها كل عنصر من هذه العناصر، وبيان كيفية انتقالها في الهواء، وذكر خصائصها المميزة لها ثم تصنيفها على أسس معينة. ومن هنا كان هذا العلم ذا أهمية جوهرية بالنسبة لسائر فروع علم اللغة، إنه حجر الأساس بالنسبة لأي دراسة لغوية أخرى كالنحو، أو النحو المقارن، أو دراسة المعنى1.
3-
هذا العلم يستعين في بعض جوانب دراسته بمعلومات يستمدها من علوم أخرى، كما أنه يستخدم وسائل خاصة به. فهو في وصف جهاز النطق الإنساني يعول على علم التشريح، ولكنه يكتفي من ذلك بالقدر الذي يراه صالحا للوفاء بأغراضه، فالتفصيلات الكثيرة في وصف الأعضاء يستغني عنها هذا العلم عندما تكون غير ذات دلالة بالنسبة إليه. هذا الوصف لجهاز النطق الإنساني من أول ما يبدأ به هذا العلم؛ لأنه يبين لنا إمكانيات كل عضو، وما ينتج عن العلاقات والارتباطات المختلفة بين الأعضاء المختلفة.
وقد ذكرنا أن دراسة انتقال الأصوات في الهواء تعتمد اعتمادا كبيرا على علم الطبيعة "الفيزيقا، الفيزياء".
ومن الوسائل الهامة التي يلجأ إليها علم الأصوات اللغوية ما يعرف "بالدراسة الصوتية التجريبية"2 أو "الآلية"3 وما يعرف بـ"الكتابة الصوتية"4.
4-
ونرى قبل أن نتحدث عن هاتين الوسيلتين أن نعرض رءوس الموضوعات التي يتناولها علم الأصوات اللغوية. أكثر المختصرات الحديثة في هذا العلم تبدأ بمقدمة في تعريف "الكلام"، وفي بيان الفرق بين "الكلمة الملفوظة"5 و"الكلمة المكتوبة"6 وقد تتحدث عن "الكتابة الصوتية" وعن الدراسة "الصوتية التجريبية". ثم تأخذ في وصف جهاز النطق الإنساني، وبعدها تنتقل إلى "تصنيف
1 انظر في هذه الفقرة: Firth: Tongues of Men pp 31-32.
2 Experimental phonetics.
3 lntsrumental phonetics.
4 phonetic Transcrption.
5 Spoken Word.
6 Written Word.
الأصوات"1 إلى "مهموسة" و"مجهورة"، ثم تدرس الأصوات حسب "طريقة النطق"، ثم حسب "موضع النطق"، ثم تنتقل إلى تصنيفها إلى "صائتة" و"صامتة"، ثم تأخذ في التفصيل في دراسة الأصوات الصائتة ثم في دراسة الصامتة. ثم تشرع بعد ذلك في التعرض لما يعرف بخصائص الأصوات، فثمة خصائص أخرى غير ما تتميز به الأصوات من أنها مهموسة أو مجهورة أو
…
إلخ، خصائص تلحق بالصوت نتيجة ارتباطه مع غيره في الكلمة وفي الكلام. ومن ذلك دراسة "الارتكاز"2، ودراسة طبيعة الصوت وما يتصف به من "درجة" و"شدة" ودراسة "نغمة" الكلمة والكلام "انظر التعريف بشيء من هذه المسائل في أواخر هذا الفصل". ومن المعروف أنه في ثنايا ذلك كله يلجأ المؤلف إلى تمثيل الصوت أو النطق في الكتابة برموز صوتية خاصة. وقد يلحق ببعض المختصرات قوائم لمفردات يصعب نطقها، ولبعض أسماء الأعلام، ولبعض الكلمات الأجنبية المتداولة في اللغة موضوع الدرس، كل ذلك يكتب بالأبجدية العادية ويمثل بالرموز الصوتية التي تصور النطق الصحيح.
1 Classification of Sounds.
2 Stress.