الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
الكتابة الصوتية
1:
يصطنع علم الأصوات اللغوية وسائل مختلفة لتحقيق غاياته، منها: استعانته ببعض الآلات. وقد عرضنا لهذا الجانب. ومنها: استعانته بنظام خاص من الرموز الكتابية.
أ- لما كان علم الأصوات اللغوية هو العلم الذي يحلل ويسجل الأصوات وغيرها من عناصر الكلام، واستعمالها وتوزيعها في الكلام المتصل، فقد وجد أنه لا بد له كي يسجل الأصوات الكلامية تسجيلا كتابيا لا غموض فيه، من استعمال ما يسمى في الاصطلاح "ألف باء صوتية" أو "أبجدية صوتية"2. هذه الألف باء الصوتية عبارة عن مجموعة اصطلاحية من الرموز الكتابية تكون نظاما صالحا لتسجيل أصوات لغة من اللغات تسجيلا دقيقا، ويسمى تسجيل الكلام بهذه "الرموز" كتابة صوتية، والمبدأ العام الذي يراعى في الألف باء الصوتية هو تخصيص حرف واحد "ونريد "بالحرف" هنا الرمز الكتابي" ليس غير لكل "فونيم"3، من فونيمات اللغة موضع الدرس. ولن نحاول الآن التفصيل في تعريف "الفونيم" فالكلام في هذا طويل متشعب، ولعلماء اللغة والأصوات اللغوية نظريات متعددة في تحديد المقصود به، وحسبنا هنا أن نقول إنه يلاحظ في دراسة أي لغة من اللغات أن مجموعة من الأصوات المتمايزة ينبغي اعتبارها كما لو كانت صوتا واحدا من وجهة نظر الكتابة، والنحو، والدلالة. ومثال ذلك أن صوت السين في كلمة "سلا" مختلف عن صوت السين في كلمة "سطا" وأن "الفتحة" التالية في الباء في كلمة "بطر" مختلفة عن صوت الفتحة التالية لصوت الباء في كلمة "برد" ومع ذلك فقد وجد، على أسس لغوية، أن الصوتين الأولين في المثالين الأولين "صوت" أو "فونيم" واحد، كما وجد أن من الملائم للأهداف اللغوية العملية اعتبار فتحتي "برد" و"بطر" كما لو كانتا صوتا واحدا. وإذا استمعنا إلى الكلمات الإنجليزية "Cool - Call - Keeps" لاحظنا أن مخرج صوت الكاف في الكلمة الأولى أمامي بالنسبة لصوت الكاف في الكلمتين الأخيرتين، أي
1 Phonetic Transcription.
2 Phonetic Alphabet.
3 phoneme.
أن كلا من هذه الكافات من الناحية الصوتية الخالصة صوت متميز، ولكنها جميعا تعامل كما لو كانت صوتا واحدا. أمثال هذه الأصوات يسميها الأستاذ دانيال جونز1 عائلة صوتية واحدة، تتكون من صوت أساسي إلى جوار أصوات متصلة به، ويطلق لفظ "الفونيم" على مثل هذه العائلة الصوتية، ويعد الأصوات التي تتكون منها "أفراد" هذه العائلة. أي أنه ليس كل "صوت" مسموع في لغة من اللغات "فونيما" من فونيمات هذه اللغة. ومما يقرب هذا إلى الأذهان أن صوت الصاد مسموع في الإنجليزية في مثل Sun "بمعنى شمس" و Son "بمعنى ابن" ولكنه لا يعد من فونيمات هذه اللغة؛ وذلك لأنه لا يستخدم في الإنجليزية للتفريق بين المعاني، أي أنه لا يوجد في الإنجليزية كلمتان لكل منهما معنى مستقل، وتطابق أصوات إحداهما أصوات الأخرى، إلا أنه يقابل السين في إحداهما الصاد في الثانية، كما نجد في العربية "سبر" مقابلة "صبر"، ولذلك فالصاد في العربية فونيم، والسين فونيم. أما صوت الصاد المسموع في الإنجليزية فهو فرع من الفونيم المعروف بالسين. فلا تحتاج الكتابة الصوتية الممثلة للإنجليزية إلى رمز الصاد بينما تحتاج إليه الكتابة الصوتية الممثلة للعربية.
قلنا إن المبدا العام في الكتابة الصوتية العملية هو الاكتفاء باستعمال رموز لتمثيل "الفونيمات"، وهذا يتضمن عدم استعمال رموز لتمثيل الأفراد الثانوية للفونيمات. والواقع أن هذه الأخيرة تحددها في معظم اللغات مبادئ بسيطة يسهل تقريرها منذ البدء، وتقبل على أنها مسلمات في قراءة النصوص الصوتية. والكتابة الصوتية التي تكون مبنية على "حرف واحد لفونيم واحد" تسمى كتابة صوتية واسعة، أو عريضة2. أما تلك التي تزيد رموزا خاصة للأعضاء الفرعية للفونيمات فتسمى "كتابة صوتية ضيقة"3، ويجدر بنا أن نذكر أن "الألف باء الصوتية" لا هي علم الأصوات اللغوية، ولا هي علم الأصوات اللغوية، إنها وسيلة لم يجد علم الأصوات اللغوية غنى عن استعمالها، فبدونها يكون وصف الاستعمالات الكلامية، وتسجيلها بصورة دقيقة، أمرا عسيرا، قليل الجدوى قابلا لخطأ التأويل.
ب- وقد يسأل جماعة. لِمَ لَمْ تتخذ الأبجدية العادية وسيلة لتمثيل الأصوات اللغوية؟
1 انظر كتابية السابقين.
2 Broad Trnscription.
3 Narrow Transcription.
الواقع أنه ما من أبجدية من الأبجديات المعروفة تفي بتسجيل الأصوات حق الوفاء، فجلها فيه نقائص وعيوب لا تمكنه من تأدية هذه الغاية. نعم إن المبدأ الذي تقوم عليه الألف باء الصوتية، أي مبدأ "رمز واحد لكل فونيم"، أساس من الأسس التي قام عليها كثير من الأبجديات التقليدية، ولكن هذه لا تحققه تحقيقا ينهض بأغراض الدراسة اللغوية. نعم إنها تختلف فيما بينها في درجة تمثيلها الصادق للأصوات، فالكتابة الإسبانية والكتابة البولندية والبوهيمية والفنلندية خير حظا من كثير من الكتابات التقليدية، حيث شكلها، أو راجعها علماء أدركوا النظام الفونيمي للغتهم، ولكنها جميعا قاصرة، على الرغم من ذلك، عن أن تكون وسيلة عالم الأصوات اللغوية.
وإذا نظرنا إلى الكتابة العربية -وهي في هذه الناحية أحسن حظا من كثير من الكتابات- وجدناها مثلا تستعمل حرفًا واحدًا هو الواو "و" دلالة على الفونيم الأول في كلمة "وعى" -وهو يندرج تحت طبقة الصوامت1-، وللدلالة على فونيم، مخالف كل المخالفة، وهو "الصوت الصائت الطويل"2 في كلمة مثل "يقول". كذلك حرف الياء "ي" يمثل الفونيم الأول في كلمة مثل "يسمع"، ويمثل الفونيم الأخير -وهو صوت صائت طويل- في كلمة مثل "القاضي".
وإذا انتقلنا إلى الكتابة الإنجليزية وجدنا أنها أبعد من أن تكون كتابة صوتية، إذ إنها تعطي القارئ فكرة دقيقة عن "الترتيب الصوتي"، تلك الفكرة التي يحتاج إليها دارس اللغة الإنجليزية المنطوقة.
ولما كانت الإنجليزية تستعمل في كتابتها الحروف اللاتينية، ولما كانت لغات أخرى تستعمل في كتابتها نفس الحروف، فإن الفرنسي مثلا عندما يأخذ في نطق الإنجليزية فهو ينسب إلى الحروف القيم التي تعود أن ينسبها إلى لغته، أي أنه ينسب إليها قيما غير تلك التي ينسبها إليها أصحاب اللغة، وذلك مثل "a" في gate "i" في "Find" و"u" في Tune. نعم إنه من السهل على الأجنبي أن يتعلم هذه القيم الإنجليزية في هذه الكلمات، ولكن الصعوبة تنشأ من أن هذه
1 Consonants.
2 Long - Vowel.
الحروف لا تنسب إليها نفس القيم في كل كلمة إنجليزية أو فرنسية تستعمل فيها: فالقيمة المنسبة لـ"a" في gatte غير تلك المنسبة إليها في كل من fat. any. fall. father.
وينتج عن عدم الاطراد هذا، أن الأجنبي، الذي يعتمد اعتمادا كليا على الكتابة العادية، يكون في حالات لا حصر لها عاجزا عن أن يعرف الأصوات التي عليه أن ينطقها، ويخطئ باستمرار نطق الكلمات. ويمكن تجنب مثل هذه الأخطاء في النطق باستعمال "الكتابة الصوتية". ثم إن عدد الحروف التي تتكون منها أي أبجدية من الأبجديات التقليدية لا يكفي لتمثيل الأصوات المستعملة في اللغات المختلفة.
ولكن ينبغي أن نقرر أن الكتابات الصوتية لا فائدة من ورائها لأولئك الذين لم يتعلموا تكوين الأصوات التي تمثلها "الحروف الصوتية"1. وإن الناشئ الذي تمكن من تكوين الأصوات المفردة تكوينا بالغ الدقة، يكون مؤهلا لأن يأخذ في تعلم أصوات متتابعة.
جـ- وقد بذلت محاولات كثيرة لوضع نظام من الرموز الكتابية الدقيقة الصالحة لتقرير نتائج الدراسة الصوتية وملاحظاتها، فهذه النتائج والملاحظات لا بد أن توضع بصورة مكتوبة، كي يمكن الرجوع إليها، والمناقشة فيها، أو بعبارة أخرى، كي تصبح هذه الدراسة والملاحظات "علما" أو جزءا من علم.
وبعض هذ النظم التي اقترحت تبتعد ابتعادا كليا عن العادات التقليدية في الكتابة:
1-
ومن أشهر هذه النظم "الكلام المنظور"2 الذي وضعه "بل"3 والسبب الرئيسي في شهرة هذه الطريقة هو أن هنري سويت4 "1845-1921" قد استعملها. ورموز هذه الألف باء الصوتية عبارة عن "رسوم تخطيطية" مبسطة واصطلاحية لأعضاء الكلام عند نطق الفونيمات المختلفة، ذلك أن "بل" رمز لكل
1 Phonetic Letters.
2 Visible Speech.
3 graham Bell.
4 Henry Sweet.
_________
1 Alphabetic Notation.
3-
ولكن معظم الألف باءات الصوتية لا تنحو هذا النحو، بل تقوم رموزها على الألف باء اللاتينية التقليدية، مع إدخال تعديلات على بعضها، كإضافة خط أفقي صغير فوق الحروف، أونقطتين فوق بعضها، أو تحوير صور بعض الحروف، ومع إدخال بعض صور "الحروف المكبرة"1 ومع إدخال حروف مأخوذة من الأبجدية اليونانية. ومن هذه الألف باءات ألف باء "لبسيوس"2 المستعملة لكتابة اللغات الإفريقية، وألف باء "لونديل"3 المستعملة لكتابة اللهجات السويدية، وألف باء "بريمر"4 المستعملة لكتابة اللهجات الألمانية، وألف باء "الجمعية الأنثروبولجية الأمريكية"5 المستعملة لكتابة اللهجات الهندية.
4-
ومن أشهر صور هذا النوع من الكتابة الصوتية، وأكثره شيوعا "ألف باء الجمعية الصوتية الدولية"6. هذه الألف باء اشترك في تكوينها جهود متوالية لعلماء كثيرين من أهمهم "إليس"7. و"هنري سويت"، و"باسي"8، ودانيال جونز. وضع هنري سويت نظاما بسيطا من الكتابة الصوتية بناه على الألف باء اللاتينية، وسماه "الخط الرومي"9 لاستعماله إلى جوار "الكلام المنظور" الذي وضعه "بل". وعندما اتضحت عند سويت فكرة "الفونيم" أدرك أن "الخط الرومي" من الممكن أن يظل وافيا بالغرض لو بسط تبسيطا كبيرا. ولهذا فقد استعمل سويت صورة مبسطة من هذا الخط تشتمل على رمز واحد لكل فونيم، وسماها "الخط الرومي الواسع أو "العريض"10، ولكن سويت ظل يعتقد أن الصورة الأشد تعقيدا من هذه، أي "الخط الرومي الضيق"11 كان أدق شيئا ما، وأكثر ملاءمة للأغراض العملية.
1 Copital Letters.
2 Lepsius.
3 Lundell.
4 Bremer.
5 American Anthropological Assocition.
6 The Alphabet of the lnternational Phonetic Association.
7 Ellis.
8 Passy.
9 Romic Natation.
10 Broad Romic.
11 Narrow Romic.
ومن "الخط الرومي" الذي وضعه سويت نبتت "ألف باء الجمعية الصوتية الدولية" وهذه الألف باء تتكون من الرموز اللاتينية، وبعض الحروف اليونانية مع عدد من الحروف المصنوعة، وعدد قليل من "العلامات المميزة"1 التي تضاف إلى بعض الحروف. والمبدأ الذي تقوم عليه هذه الألف باء من حيث القيم الصوتية للحروف هو استعمال الحروف العادية لتدل على قيم تقرب من تلك التي تنسب إليها في بعض اللغات الأوروبية الرئيسية، وذلك مثل V. p. t
…
إلخ، وإدخال علامات صناعية على بعض الحروف اللاتينية لتمثل فونيمات غير موجودة في اللغات الأوروبية "وذلك كالحرف الذي يمثل الصاد" أو استعمال "العلامات المميزة" لتأدية نفس الغرض، كما تستعمل بعض العلامات المضافة إلى الحروف للدلالة على خصائص بعض الأوات في بعض السياقات الصوتية، كالغنة التي تصحب صوتا صائتا في مواضع ولا تصحبه في سائر المواضع التي يقع فيها.
ومعروف أن "الألف باء الصوتية الدولية" لم تضع رموزا لكتابة اللغات الأوروبية وحدها بل وضعت رموزا يتيسر استخدامها بشيء من المرونة والتعديل عند كتابة أصوات أي لغة من اللغات. فقد حصر العلماء الذين قاموا على وضعها جميع الأنواع الصوتية الرئيسية في اللغات المعروفة على سطح الأرض، ورمزوا لكل نوع برمز خاص، أو على الأقل وضعوا إمكانيات الرمز لكل نوع برمز خاص. فكل رمز من رموز هذه الألف باء ليس "صوتا" أو ممثلا لصوت، إنه يمثل "نوعا" صوتيا، فمثلا صوت الباء "P" مستعمل في الإنجليزية والفرنسية كلتيهما، ولكن هذا الصوت في الإنجليزية يختلف عنه في الفرنسية، فهو في الإنجليزية يتبعه نفس شديد، أما في الفرنسية فلا يصحبه هذا النفس. فرمز الـ"p" في هذه الألف باء يمثل نوعا صوتيا عاما يمكن أن يكيفه الدارس فيعطيه بذلك دلالة خاصة، لو كان يدرس الإنجليزية وحدها لاستعمله كما هو لأنه في تعريفه هذا الرمز سيفهم منه أنه يمثل صوتا انفجاريا شفويا مهموسا مصحوبا بنفس، ولو كان يدرس الفرنسية وحدها لاستعمله كما هو؛ لأن تعريفه لهذا الرمز يدل على أنه يمثل صوتا غير مصحوب بنفس. أما لو أراد الدارس النص كتابة على الفارق بين هذين الصوتين لمثل الصوت الإنجليزية بـ"ph" مثلا، ودل على الفرنسي "p" وحده.
1 Diacritical Marks.
إن الكتابة الصوتية وسيلة ضرورية لدارس الأصوات اللغوية، ومن هنا نجد أن محاولتنا الكتابة كتابة كاملة في اللغة وفي علم الأصوات اللغوية ومحاولتنا القيام بدراسات لغوية على أسس من العلم الحديث تقف في سبيلها عقبة هامة، فلا بد من أن يصطلح العلماء المختصون عندنا على "الألف باء صوتية" يصطلح استعمالها عند دراسة العربية، وعند دراسة سواها من اللغات، وعند الكتابة في الميدان اللغوي بوجه عام.