المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتابات غير اللغويين: - علم اللغة مقدمة للقارئ العربي

[محمود السعران]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌تمهيد

- ‌دراسة اللغة علم

- ‌علم اللغة في الشرق الأدبي

- ‌ صعوبات في الطريق:

- ‌ علم اللغة يدرس "اللغة

- ‌ حول البحث في نشأة اللغة:

- ‌ اللغة "كلام

- ‌ عن طبيعة اللغة "الكلام" وظيفة إنسانية "غير غريزية" و"غير موزونة" الكلام وظيفة ثقافية مكتسبة:

- ‌ اللغة نظام من العلامات الاصطلاحية ذات الدلالات الاصطلاحية

- ‌ علم اللغة يستعين بعلوم أخرى:

- ‌ علم اللغة وعلم النفس:

- ‌ الفلسفة اللغوية:

- ‌علم اللغة انعكاس أو استنباطي

- ‌الباب الثاني: علم الأصوات اللغوية

- ‌مدخل

- ‌ لمحة تاريخية:

- ‌ علم الأصوات اللغوية في صورته الحاضرة:

- ‌ الدراسة الصوتية الآلية:

- ‌ الكتابة الصوتية

- ‌ حاجتنا إلى علم الأصوات اللغوية:

- ‌ من أسباب تخلف دراستنا اللغوية:

- ‌النطق

- ‌أعضاء النطق

- ‌ آلية النطق

- ‌ الصوت الكلامي

- ‌ تصنيف الأصوات:

- ‌ عن الأصوات في "الكلام

- ‌الباب الثالث: النحو

- ‌نحن نفكر بجمل

- ‌من التحليل الفونولوجي إلى التحليل النحوي

- ‌النحو الوصفي

- ‌المورفولوجيا

- ‌ منهج المورفولوجيا ومنهج النظم:

- ‌الفضائل أو الأقسام النحوية

- ‌ عن أصول النحو الصرفي:

- ‌ النحو المقارن:

- ‌الباب الرابع: علم الدلالة أو دراسة المعنى

- ‌قمة الدراسات اللغوية

- ‌ قصور المعنى "القاموسي

- ‌تحصيل المعنى

- ‌ توصيل الكلام أو المضمون المنطقي والمضمون النفسي:

- ‌تغير المعنى

- ‌التغير الانحطاطي أو "الخافض

- ‌التغيير الدلالي والاستعمال النحوي

- ‌ التغير الدلالي والتاريخ الثقافي

- ‌مناهج دراسة المعنى

- ‌نشأة علم الدلالة "ميشيل بيرييل

- ‌ دراسة تغير المعنى بعد برييل:

- ‌ كتابات غير اللغويين:

- ‌من نظرية اللغويين في علم الدلالة

- ‌الباب الخامس: تاريخ الدراسات اللغوية

- ‌العصور القديمة

- ‌ العصور الوسطى وعصر النهضة:

- ‌القرنان الثامن عشر والتاسع عشر

- ‌القرن الثامن عشر

- ‌ القرن التاسع عشر:

- ‌ القرن العشرون

- ‌معجم المصطلحات

- ‌المراجع

- ‌المراجع الإنجليزية

- ‌المراجع الفرنسية:

- ‌المراجع العربية:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ كتابات غير اللغويين:

جـ-‌

‌ كتابات غير اللغويين:

1-

أوجدن وريتشاردز: معنى المعنى

كان كتاب برييل هو السباق والموجه، وكان هذا من أسباب تأثيره الكبير، ولقد ظهر بعده بحوالي ست وعشرين سنة كتاب أحدث أضعاف ما أحدثه برييل من تأثير ولا سيما في غير المنقطعين للمسائل اللغوية.

هذا الكتاب هو "معنى المعنى" الذي ألفه س. ك. أوجدن وإ. أ. ريتشاردز1 وظهر سنة 1923.

ومن اللغويين من يرى أن "معنى المعنى" ليس، كما يوحي اسمه، دراسة خالصة للمعنى من الناحية اللغوية، بل إنه يقدم نظرية في المعرفة "= الإبستمولوجيا"2. وأيا ما كان فإن مؤرخي الدراسات اللغوية يقررون أن هذا الاهتمام السائد بدراسة الدلالة منذ سنوات، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، قد أثاره بوجه خاص كتاب "معنى المعنى".

والفائدة الكبرى التي أداها هذا الكتاب أنه وضح أجلى توضيح ما تتصف به مشكلة طبيعة المعنى من تعقيد، وقد ألزم هذا الكتاب مؤلفين آخرين أن يدرسوا مشكلة المعنى من وجهات نظر مخالفة، كما صنع الأستاذ "بردجمان" مثلا.

وتفسير أوجدن وريتشاردز للمعنى يقوم على أساس "رياضي""آلي" المعنى عندهما يرتد إلى أربعة عناصر هي: القصد، والقيمة، والمدلول عليه، والانفعال أو العاطفة3.

2-

بردجمان: "منطق الفيزياء الحديثة"

ومن الكتابات المشهورة في الحاجة إلى الوضوح الدلالي تلك التي قام بها الأستاذ ب، د، بردجمان وسماها "منطق الفيزياء الحديثة"4. بين الأستاد

1 Chales K. Ogen And lvor A Rnd lvor A Richards The Meaning of Meaning London 1926 Third ed New York Harcount Brace

2 Epistemology.

3 انظر شيئا من التفصيل في "مناهج البحث في اللغة" للدكتور تمام حسان ص242-247.

4 P. W. Bridgman Logic of Modern Physics.

ص: 239

بردجمان للقارئ المبتدئ تلك التغيرات الدلالية التي تطرأ على بعض الكلمات عندما يستعملها المتخصص في موضوع تخصصه. فكلمتان مثل "الزمان" و"المكان" من الكلمات اليومية المألوفة، ولكن لكل من هذين المصطلحين عند الفيلسوف، أو عالم الفيزياء مثلا، دلالة تختلف عن دلالته المألوفة في الأحاديث اليومية.

هذه المشكلة، مشكلة المعنى، دفعة الأستاذ بردجمان إلى أن يقترح وسيلة جديدة في "التعريفات" سماها "طريقة العمليات" أو "الإجراءات"1. وهذه الطريقة قد طبقها على أمثلة كثيرة في كتاب ثان له هو "الفرد الذكي والمجتمع"2 مستخرجا بها بعض المفهومات الاجتماعية: وقضية الأستاذ بردجمان هي: "إن التصور مرادف للعمليات "= للإجراءات" التي تختبره بها" وذلك كما تختبر الوزن في المعمل.

وعندما طبق بردجمان هذه الطريقة على التصورات الاجتماعية اتضح أن نتائجه كانت مثبطة، فهو يقول لنا: إذا لم تستطع أن تختبر تصورات مثل "الديمقراطية" و"الواجب" بوساطة "عمليات" فيه إذن تصورات "لا قدم لها"، أي أنها تصورات لا معنى لها، ويجب اطراحها. وهكذا لا تبقى آخر الأمر إلا الدوافع المركزة حول "الأنا" دوافع الأفراد الذين يكونون المجتمع.

إن بردجمان عندما يتكلم عن علم الدلالة يبالغ في إظهار أهمية "الأنا" ويهون من شأن تعاونه اللازم مع الآخرين3.

1 Operationalism.

2 The lntelligent lndividual And Socieety.

3 ترى الأستاذة مارجريت شلاوخ "ص129" أن كلا من اللغوي والاجتماعي قد يتهم "بردجمان" بالإفراط في التبسيط: فقد تجاهل بردجمان أن علاقة الإنسان بالجماعة علاقة ذات وجهين بطبيعتها، وهذه الطبيعة تتكشف بشكل جديد في كل مرة يتعلم فيها، ويستعمل كلمة جديدة. إن المتكلم، عندما يتكلم، وعندما يسمع، يخدم نفسه كما يخدم السامع. وإن القدرة على التكلم تذوي وتميل إلى الفناء ما لم تمارس في المجتمع. وإن خلق المعاني إنما يتم عن طريق تعاون الفرد والمجتمع.

ص: 240

3-

ثورمان أرنولد: "فولكلور الرأسمالية" 1

إن تخصص ثورمان أرنولد يختلف عن تخصص بردجمان، وعن الميادين التي شغل بها أوجدن وريتشاردز نفسيهما؛ إنه من رجال الإدارة الحكومية و"القانون" فالذي دفعه إلى النظر في مشكلة المعنى دوافع مختلفة، وإدراكه لوجه المشكلة، أو لوجوهها، إدراك مختلف. وثورمان أرنولد من الكتاب غير اللغويين الذين يشغف الناس، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، بقراءة كتاباتهم أيما شغف.

يدرس ثورمان أرنولد مشكلة "الرموز"، بما فيها الكلمات، ويناقش سلطانها علينا. إنه في كتابه "فولكلور الرأسمالية" يحلل القوة السحرية التي تمتاز بها بعض العبارات الآسرة في اللغة "الإنجليزية الأمريكية" مثل The Founders of This The Conutry "مؤسسو هذا البلد" و The Consititution "الدستور" تحليلا يثير الضحك المر والسخرية، وقضية ثورمان أرنولد أننا يحكمنا من يسيئون استعمال رموزنا، أي يسيئون استعمال ما للكلمات من سلطان، موجهينه الوجهة التي يرضونها. ولكنه لا يقدم اقتراحا لوقف هذه الإساءة اللهم إلا القيام بتمرينات "مقوية" في "تعريفات" الكلمات و"الموضوعات"!

4-

ألفرد كورتسبسكي 2: "العلم وسلامة العقل"

ألفرد كورتسبسكي من أروج الكتاب غير اللغويين، ومن أبلغهم نفوذا، وهذا راجع إلى عوامل منها صياغته اللفظية البارعة، ومنها إسرافه في الوعود والبشارات، إذ غالى فاعتبر الدراسة الدلالية حلالة جميع العقد، والدواء العالمي للأمراض الإنسانية!

يذكر كورتسبسكي قراءه بتلك الحقيقة الأصلية السليمة وهي أن الكلمة رمز، وليست "الشيء"، أي ليست "الموضوع" أو "المسمى" أو "المدلول عليه" كما يذكرهم بأنه من الواجب عليهم وعلى البشر أجمع أن يميزوا تمييزا ناطقا بين مستويات التجربة في المصطلحات التي يستعملونها.

يذكرنا كورتسبسكي كذلك بأن أغلب مشكلاتنا الاجتماعية متركزة حول مصطلحات غامضة كثيرة الصور، وهذه المصطلحات تتداخل مع انفعالاتنا تداخلا ينتج عنه أن ردود أفعالنا الدلالية تصبح مختلطة أيما اختلاط. ويرجع كورتسبسكي

1 Thurman Arrold The Folkiore of Capitism.

2 Schlauch p. 130.

ص: 241

الانحرافات الشخصية، القومية، والعالمية إلى "ردود أفعال عصبية، دلالية"1 تستلزم إعادة التربية.

ويقول كورتسبسكي: "إن أكثر شقائنا في حياتنا لا ينشأ في الميدان الذي تنطبق عليه كلمة "صادق" أو "كاذب"، بل في الميدان الذي لا تنطبق عليه "إحدى" هاتين الكلمتين، أي في المجال الكبير، مجال الوظيفة النسبية والخلو من المعنى، حيث ينعدم الاتفاق لا محالة".

ويصف كورتسبسكي رموزا مثل "النفوذ" بأنها تجريدات بالغة القوة تحكم حيواتنا عن طريق الذين يسيئون استعمالها، أي الذين يبرعون في استعمالها استعمالات مضللة.

ويرى كورتسبسكي آخر الأمر، كما رأى ثورمان أرنولد، أن حل مشكلاتنا يتلخص في أن نعثر على من يستعمل رموزنا استعمالا صحيحا. ولكنه لا يقترح أي إجابة على ذلك التساؤل الأساسي الهام وهو: كيف نختار هؤلاء، وكيف سيتصروفون في رموز هامة مثل "النقود".

5-

ستيوارت تشيز: "طغوى الألفاظ" 2

ائتلف حول كورتسبسكي مريدون أشهرهم ستيوارت تشيز، وهاياكاوا، وقد أخذ هذان على عاتقيهما نشر "عقيدة" كورتسبسكي وتوضيحها بالأمثلة. وربما فاقت حماسة "تشيز" لـ"التمرينات الدلالية"3 باعتبارها الدواء العالمي الشافي من كل الأمراض حماسة صاحبها كورتسبسكي، وقد أتى تشيز بأمثلة بارعة مقنعة تبين مدى حاجتنا إلى توضيح "الموضوعات" أو "الأشياء"، و"الأسماء" في مجالات مختلفة كالقانون، والاقتصاد، والحكم، والإدارة، والاجتماع، ولكن تشيز يسرف إسراف كورتسبسكي في وعوده إذ يرى أننا حالما نصل إلى تعريفات واضحة للموضوعات والكلمات، وحالما ننحي الكلمات التي لا معنى لها فإننا نصل إلى حل مشكلاتنا الاجتماعية. ومعنى ذلك أن هذه المدرسة ترى أن الدراسة الدلالية -وهي دراسة لغوية في أصلها- ستحل المشكلات الاجتماعية غير اللغوية، كالفقر، والجهل، والحرب

إلخ!!

1 Neuro - Semantic Reactions.

2 Stewart Chase The Tyranny of Words.

3 Semantic Exercises.

ص: 242

ولكن من مريدي "عقيدة" كورتسبسكي من هو أقل إسرافا في بشارته تلك مثل س. أ. هاياكوا، وإرفنج ج. لي.

6-

س. أ. هايكاوا 1:

7-

إرفنج ج. لي 2:

أكثر هذان الكاتبان من تقديم النصوص الموضحة المفيدة التي يشرحان بها مبادئ ما يسمى "الدلالة العصبية"3.

والحق أن كتاب مدرسة كورتسبسكي قد أسهموا شيئا ما فيما يتعلق بوسائل "التعريف". وذلك بكشفهم الحجاب عن بعض الجوانب النفسية الدالة التي كانت قبل متجاهلة.

ولكن لا شك أن قراءهم تعتريهم خيبة الأمل أو يصيبهم اليأس عندما يدركون آخر الأمر أن "التحليل الدلالي" لن يحل لهم مشكلاتهم الاجتماعية على أي وجه من الوجوه.

ولا شك أنه على اللغوي أن يطرح جانبا مزاعم مدرسة كورتسبسكي التي تعتبر التحليل الدلالي حلا لكل المشكلات، وأن عليه أن يسلم بالأهمية القصوى لدراسة المعنى، وأن ينظر إليها في إطارها الطبيعي فرعا من فروع علم اللغة قد يختلف اللغويون في رسم مناهجه وفي بعض أصوله وتفصيلاته كما يختلفون في سواه.

نعم أن الخلط المقصود، وإساءة استعمال الكلمات، والتفنن في تضمينها هذا الإيحاء المخاتل أو ذاك، مسائل تمارسها مجتمعاتنا المتحضرة على نطاق واسع وخاصة في مجالات الدعاية السياسية، والصحافة، والسينما، والتلفزيون. ولكن "معنى" هذا أن "الكلمات" بطبيعتها تحتمل كل هذه الاستعمالات. إن هذا من شأنه أن يوجهنا إلى النظر في طبيعة الاستعمال اللغوي. أما حل المشكلات الناجمة عن سوء استعمال الكلمات خداعا وتضليلا، فليس في طاقة اللغوي ولا هو من ميدانه. ولكن من الواجب الأدبي أن يقدم عالم اللغة العون لرجال الصحافة والاقتصاد والاجتماع وعلماء النفس وسواهم ممن يشغل نفسه بالبحث في حل أمثال هذه المشكلات الاجتماعية والأخلاقية.

1 S. l. Hayakawa.

2 Jrving J. Lee.

3 Neuro - Semantics.

ص: 243