الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) عربية القرآن
قرر الشاطبي أن الشريعة عربية اللسان، لا مدخل فيها للألسن الأعجمية، مما يوجب على أهل العلم أن يكون فهمهم خطابها من هذا الطريق:" من أراد تفهمه؛ فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلّب فهمه من غير هذه الجهة"(1).
فالقرآن نزل بلسان العرب، فطلب فهمه يجب أن يكون طبقا للغة العرب في قواعدها الدلالية والبيانية. غير أن علماء القرآن والأصول اختلفوا: هل في القرآن كلمات غير عربية؟
المحققون من أهل الفقه بالقرآن على أن" القرآن الكريم جاء بأصفى ألفاظ اللغة العربية، وأعذبها، وأفصحها، مما لا يمكن أن يخدش عربية لغة القرآن؛ بحيث لا تجد لفظا واحدا فيه إلا وله أصالة في العربية. أما ما يدعيه البعض من وجود ألفاظ أعجمية في القرآن .. فليس في القرآن لفظ أعجمي لا يعرفه العربي، أو لم يستعمله. وكيف يصح خلاف ذلك والقرآن يكذّبه عند ما يبين أنه نزل بلسان عربي؟! وهذا يقتضي أن اسم الشيء، ووصفه المخلوع على اسمه معا، يجب أن يحمل على جميعه كما هو متبادر. وعليه ..
يكون جميع القرآن عربيّا، وقد قال عز وجل في ردّه على من زعم أن النبي يعلّمه بشر فقال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [سورة النحل: 103]، وقال عز وجل: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا
(1) الموافقات، 2/ 64.
لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [سورة فصلت: 44]. فالكلمة إذا كانت عربية ولكنها حوشية مجهولة لم تكن توصف بالفصاحة .. فكيف بالكلام الأعجمي مجهول اللفظ والمعنى؟! ولو كان في القرآن أعجمي؛ لبادر العرب بإنكاره على القرآن. فمن ينفي وجود الأعجمي في القرآن إنما يقصد الذي لا تعرفه العرب ولا تستعمله. ومن قال بوجوده فهو يقصد الذي عرفه العرب، واستعملوه حتى لان وانقاد للسانهم. وهكذا يكون الخلاف بين الفريقين لفظيّا؛ لأنه توارد على محلين لا محل واحد" (1).
وقال الشاطبي في بيان ذلك:" إذا كانت العرب قد تكلمت به، وجرى في خطابها، وفهمت معناه؛ صار من كلامها. ألا ترى أنها لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم
إلا إذا كانت حروفه في المخارج والصفات كحروف العرب، وهذا يقل وجوده، وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب. فأما إذا لم تكن حروفه كحروف العرب، أو كان بعضها كذلك دون بعض؛ فلا بد لها من أن تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف في كلامها. وإذا فعلت ذلك؛ صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها كالألفاظ المرتجلة، والأوزان المبتدأة لها" (2).
وعلى هذا التحرير يحمل ما نقله الزركشي عن جمهور العلماء من عدم وجود غير العربي في القرآن، ومنهم أبو عبيدة، والطبري، والقاضي أبو بكر بن الطيب في" التقريب"، وابن فارس اللغوي، والشافعي في" الرسالة". ونقل عن الشافعي ردّه على القائلين بوقوع الأعجمي في القرآن (3). وحكى عن ابن فارس عن أبي عبيدة أنه أنكر
(1) د. إبراهيم خليفة، الإحسان في مباحث من علوم القرآن، ص 186، 187.
(2)
الموافقات، 2/ 65.
(3)
الرسالة، تحقيق الأستاذ أحمد شاكر، ص 40.
قول القائلين بوقوع غير العربي في القرآن؛ لأنه لو كان واقعا لتوهم متوهم أن العرب عجزت عن الإتيان بمثله لأنه يشتمل على غير لغاتهم (1).
ثم يقرر الشاطبي أن الخلاف في مجيء كلمات أعجمية في البيان القرآني لا ينبني عليه حكم شرعي. ولكنّ القول بأن القرآن نزل بلسان العرب يهدي إلى أنه لا يمكن أن يفهم إلا من جهة لسان العرب؛ لأن معنى عربيته" أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة، وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر .. وكل هذا معروف عندها، لا ترتاب في شيء منه، هي، ولا من تعلّق بعلم كلامها.
فإذا كان كذلك؛ فالقرآن في معانيه، وأساليبه على هذا الترتيب. فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب .. كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لاختلاف الأوضاع والأساليب.
والذي نبّه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام في رسالته الموضوعة في أصول الفقه" (2).
ونص الشافعي في ذلك قوله:" ومن جماع علم كتاب الله: العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب"(3) .. " وأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم
(1) البرهان في علوم القرآن، 1/ 287 وما بعدها.
(2)
الموافقات، 2/ 65، 66.
(3)
الرسالة، ص 40.
الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها.
ومن علمه؛ انتفت عنه الشّبه التي دخلت على من جهل لسانها" (1).
(1) المرجع السابق، ص 50.