الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللهم إلا ما استثني من المؤول بأنه لا تشابه فيه، وذلك بسبب معلومية المراد منه بالضرورة، لا بسبب مجرد إيجاب الموجب لمعناه المرجوح.
3 - التشابه في الأدلة قليل:
المتشابه المقابل للمحكم بعض القرآن كمقابله، وهو على بعضيته قليل في القرآن الكريم.
أما أنه بعض القرآن؛ فلقوله تعالى: وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [سورة آل عمران: 7] معطوفا على قوله: آياتٌ مُحْكَماتٌ [سورة آل عمران: 7] المخبر عنه، أو المعنون له بكونه من الكتاب- أي بعضه- فلا بد أن يكون مثله في حكم البعضية ..
قضاء بما يوجبه العطف من التشريك في الحكم.
وأما أنه قليل في القرآن؛ فلأمور:
أحدها: وصف الله الآيات المحكمات بكونها" أمّ الكتاب"، فإن" الأم"- هنا- معناه: المعظم، قال الشاطبي:" فقوله في المحكمات: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ [سورة آل عمران: 7] يدل على أنها المعظم والجمهور. و" أمّ الشيء" معظمه وعامته، كما قالوا:" أمّ الطريق" بمعنى معظمه، و" أم الدماغ" بمعنى الجلدة الحاوية له الجامعة لأجزائه ونواحيه"(1).
وما قاله الشاطبي في تفسير" الأم" هو المقرر كذلك في لغة العرب .. ففي" اللسان": و" أمّ الطريق" معظمه، إذا كان طريقا عظيما وحوله طرق صغار.
فالأعظم: أمّ الطريق. فإذا كانت المحكمات معظم القرآن؛ فالمتشابهات- لا ريب- أقله (2).
(1) الموافقات، 3/ 86.
(2)
انظر: الإحسان، د. إبراهيم خليفة، ص 276.
الثاني: أن المتشابه لو كان كثيرا؛ لكان الالتباس والإشكال كثيرا، وعند ذلك لا يطلق على القرآن أنه بيان وهدى، وكيف .. وقد سماه الله كذلك فقال:
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [سورة آل عمران: 138]، وقال تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة: 2]، وقال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [سورة النحل: 44]؟! وإنما نزل القرآن ليرفع الاختلاف الواقع بين الناس.
والمشكل الملتبس إنما هو إشكال وحيرة، لا بيان وهدى .. لكن الشريعة إنما هي بيان وهدى؛ فدل على أنه ليس بكثير.
ثم يقول الشاطبي- بعد أن ساق هذا الدليل:" ولولا أن الدليل أثبت أن فيه متشابها؛ لم يصح القول به"(1).
وأما ثالث الأمور القاضية بقلة المتشابه في القرآن الكريم؛ فالاستقراء ..
وذلك أن المجتهد العارف بكلام العرب وعاداتهم، الواقف على المقامات والوقائع التي أنزلت فيهما، إذا تأمل في هذا الكتاب الكريم؛ وجد الغالب من مفرداته وتراكيبه من الوضوح بحيث لا يخفى على عامة المتدبرين.
فإن قيل: كيف تزعم أن الالتباس والإشكال في القرآن قليل، وما أكثر ما يختلف مفسروه- على تعدد مشاربهم- في معاني مفرداته وتراكيبه؟! ألم تر إلى المعربين، والمتكلمين، والفقهاء .. كم يختلفون فيه؟! وكم فيه من عام يحتاج إلى مخصّص، ومطلق يحتاج إلى مقيّد، ومجمل يحتاج إلى مبيّن، وظاهر يحتاج إلى تأويل! فإذا ثبت أن فيه كل هذا الالتباس؛ فهل مثاره إلا التشابه الذي يحول
(1) الموافقات، 3/ 87.
دون الفهم، ويوقع في الإشكال؟! فكيف تزعم- بعد ذلك- أن المتشابه في القرآن قليل؟!
وأجيب: بأن معظم ما قيل مما أشير إليه من الاختلاف لا يدل على الالتباس المفضي إلى التشابه في الواقع ونفس الأمر؛ وذلك لأن كثيرا من هذه الاختلافات يرجع إلى إيراد طائفة من الأوجه هي كثير بحسب الصناعة، واحد بحسب لبّ المعنى .. ولا ريب أنه ليس في مثل ذلك تشابه ولا التباس.
ومنها ما يرجع إلى التقصير في إجراء القرآن على أحسن ما يقضي به اللسان العربي المبين، من الذهاب في تأويل الكلمة أو الجملة إلى وجه شاذ أو ضعيف في منطق العرب الخلّص، أو عدم مراعاة مقامات الخطاب بالآيات، أو عدم العناية بتناسق التراكيب، وأخذ بعضها بحجزة بعض.
ومنها ما يرجع إلى تقصير المرء في تطلب ما يدفع إشكاله، من نحو تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو بيان مجمل .. وغير ذلك. ولو عني بتطلب ذلك؛ لتيسر له الظفر به من الكتاب أو السنة، أو دليل الحس أو العقل.
ومنها ما يرجع إلى قصر القرآن في التأويل على قوانين علوم ومذاهب مستحدثة ما أنزل عليها، ولا كان نزوله من أجلها.
وكل هذه الأنواع من الاختلاف ليست من المتشابه في واقع الأمر، فإنه لو زايل التقصير أولئك، والتّنطّع هؤلاء؛ ما اختلفوا فيه، ولا التبس عليهم .. فالتشابه في عقولهم وأفهامهم، لا في القرآن المجيد!
وقد سمّى الشاطبي هذا النوع من التشابه ب" التشابه الإضافي".
وإنما المتشابه بحق مما اختلفوا فيه: ما كان معناه في غاية الالتباس والغموض بحيث يشكل، ولا يقدر على درك تأويله وإدحاض شبهة الزائغين فيه من خلق