الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) أنواع معاني العربية ومراتبها
ومن معهود العرب في الخطاب- كما يذكر الشاطبي- أن للغة العربية دلالتين:
الأولى: من جهة كونها ألفاظا وعبارات مطلقة، دالة على معان مطلقة ..
وهي الدلالة الأصلية، وهذه تشترك فيها جميع الألسنة، وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين، ولا تختص بأمة دون أخرى، وهي التي يمكن ترجمتها إلى اللغات الأخرى، ومنها صح تفسير القرآن، وبيان معناه للعامة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه.
والثانية: من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة، دالة على معان خادمة ..
وهي الدلالة التابعة للدلالة الأصلية. وهذه الدلالة يختص بها لسان العرب .. " فإن كل خبر يقتضي في هذه الجهة أمورا خادمة لذلك بحسب المخبر، والمخبر عنه، والمخبر به، ونفس الإخبار، في الحال والمساق، ونوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء، والإيجاز والإطناب، وبحسب الكناية عنه، والتصريح به، وبحسب ما يقصد في مساق الإخبار، وما يعطيه مقتضى الحال .. إلى غير ذلك من الأمور التي لا يمكن حصرها. فمثل هذه التصرفات التي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها ليست هي المقصود الأصلي، ولكنها من مكملاته ومتمماته، وبطول الباع في هذا النوع يحسن مساق الكلام إذا لم يكن فيه منكر".
" ومن هذه الجهة في الدلالة لا يمكن ترجمة كلام من الكلام العربي بكلام العجم على حال .. فضلا عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربي.
والدلالة في هذه الجهة كوصف من أوصاف الدلالة في الجهة الأولى، سواء أكان وصفا من الأوصاف الذاتية أو غير الذاتية" (1).
وبيان ذلك: أن للغة العربية دلالة أصلية تحصل من مجرد نسبة الفعل إلى الفاعل، أو الخبر إلى المبتدأ، فالمعنى الأصلي في قوله تعالى مثلا: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [سورة البقرة: 179]: أن من قتل نفسا بغير حق يقتل؛ وذلك حفظا لحياة الناس، فالقصاص زاجر عن قتل النفس بغير الحق، فكل عارف بمدلولات الألفاظ يدرك هذا المعنى.
وللغة دلالة أخرى ثانوية، وهي ما يبحث عنها في علم البلاغة، ويسميها البلاغيون" مستتبعات التراكيب" وهي خواص النظم التي يرتفع بها شأن الكلام.
وإذا كان للقرآن باعتباره ألفاظا لغوية دلالة أصلية، وأخرى تابعة (هي مظهر بلاغته، وملاك إعجازه)؛ فإن ترجمته بالنظر إلى المعنى الثانوي غير ميسورة، قال الزمخشري في" الكشاف":" إنّ في كلام العرب- خصوصا القرآن- من لطائف المعاني ما لا يستقل بأدائه لسان".
أما الذي يمكن نقله إلى لغة أخرى؛ فهو المعنى الأصلي، حيث لا تقصر اللغات الأجنبية عن تأديتها. هذا ما قرره الشاطبي في مسألة ترجمة القرآن.
ويعلق الأستاذ الجليل الشيخ محمد الخضر حسين- رحمه الله على ما قاله الشاطبي بقوله:" وترجمة المعاني الأصلية وحدها، وتسميتها" ترجمة للقرآن"، يوهم أن المترجم أخذ معاني القرآن من أطرافها، ونقلها إلى اللغة الأجنبية، كما يقال في ترجمة غيره: ترجمة طبق الأصل.
(1) انظر: الموافقات، 2/ 66، 68 بتصرف، وسبل الاستنباط، ص 417، 418.