المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحجامة روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله - عناية الإسلام بصحة الإنسان

[أمين الشقاوي - عبد الرحيم بن حسين المالكي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالأدوية الإلهية

- ‌الفصل الأولما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء قبل وقوعه

- ‌الفصل الثانيما يحفظ به الصحة ويدفع به الداءبعد وقوعه من الأدوية الإلهية

- ‌الباب الثانيالأدوية المادية

- ‌الفصل الأولما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء قبل وقوعه

- ‌الغذاء من طعام وشراب وفيه

- ‌(ج) الكمية

- ‌الهواء

- ‌السكن

- ‌الملبس

- ‌المركب

- ‌الرياضة

- ‌النظافة

- ‌الفصل الثانيما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء بعد وقوعه

- ‌ قواعد ومسائل هامة:

- ‌الأولى: ما يتناوله الإنسان من طعام وشراب

- ‌الثانية: مراتب الدواء

- ‌الثالثة: الطبائع الأربع:

- ‌الرابعة: التشخيص:

- ‌الخامسة: الأدوية المفردة والمركبة:

- ‌السادسة: المناعة:

- ‌ومن أدوية الطب النبوي التي يحفظ بها الصحة، ويدفع بها الداء بعد وقوعه من الأدوية المادية

- ‌الحمية

- ‌العسل

- ‌القسط

- ‌الحبة السوداء

- ‌التلبينة

- ‌الحجامة

- ‌الكي

- ‌ماء زمزم

- ‌زيت الزيتون

- ‌أبوال الإبل وألبانها

- ‌الدواء بتمر عجوة المدينة للسحر وغيره

- ‌من فوائد التمر:

- ‌ما أنزله الله في الأرضمن ترابها ومياهها، وأشجارها وثمارها .. وغير ذلك مما خص اللَّه بعلمه من شاء من عباده

- ‌ألبان البقر

- ‌الماء

- ‌السَّنَا

- ‌الكمأة

- ‌الملح

- ‌الكباث

- ‌الصبر

- ‌اللَّدُّ

- ‌السَّعُوطُ

- ‌الحناء

- ‌ألية الكبش العربي لمن به عرق النساء

- ‌العلاج بالرماد

- ‌جناح الذباب

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌الحجامة روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله

‌الحجامة

روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةٍ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ»

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ» وردت في الحجامة أحاديث، من ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سُئل عن كسب الحجام؟ فقال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ أَهْلَهُ، فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، وَقَالَ:«إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ - أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ»

(2)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً

(3)

.

«وأما منافع الحجامة، فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم

(1)

برقم 5680

(2)

صحيح البخاري برقم 2102، وصحيح مسلم برقم 1577 واللفظ له.

(3)

صحيح البخاري برقم 5691، وصحيح مسلم برقم 1202.

ص: 125

من نواحي الجلد.

والتحقيق في أمرها وأمر الفصد، أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان والأمزجة، فالبلاد الحارة والأزمنة الحارة، والأمزجة الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج، الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير، فإن الدم ينضج ويرق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل، فتخرج الحجامة ما لا يخرجه الفصد؛ ولذلك كانت أنفع للصبيان من الفصد، ولمن لا يقوى على الفصد، وقد نص الفقهاء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد، وتستحب في وسط الشهر وبعد وسطه، وبالجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر؛ لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ، وفي آخره يكون قد سكن، وأما في وسطه وبعيده فيكون في نهاية التزيد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ»

(1)

: إشارة إلى أهل الحجاز، والبلاد الحارة، لأن دماءهم رقيقة، وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح الجسد، واجتماعها في نواحي الجلد، ولأن مسام أبدانهم واسعة، وقواهم متخلخلة، ففي الفصد لهم خطر، والحجامة تفرق اتصالي إرادي يتبعه استفراغ كُلي من العروق، وخاصة العروق التي لا تُفصد

(1)

جزء من حديث رواه الإمام أحمد (19/ 102) برقم (12046)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

ص: 126

كثيرًا، ولفصد كل واحد منها نفع خاص، ففصد الباسليق

(1)

: ينفع من حرارة الكبد والطحال والأورام الكائنة فيهما من الدم وينفع من أورام الرئة، وينفع من الشوصة

(2)

وذات الجنب وجميع الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك.

وفصد الأكحل

(3)

: ينفع من الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويًّا، وكذلك إذا كان الدم قد فسد في جميع البدن.

وفصد القيفال

(4)

: ينفع من العلل العارضة في الرأس والرقبة من كثرة الدم أو فساده.

وفصد الودجين: ينفع من وجع الطحال، والربو، والبهر، ووجع الجبين.

والحجامة على الكاهل

(5)

: تنفع من وجع المنكب والحلق.

والحجامة على الأخدعين: تنفع من أمراض الرأس، وأجزائه، كالوجه، والأسنان، والأذنين، والعينين، والأنف، والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده، أو عنهما جميعًا. قال أنس رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحتجم في

(1)

الباسليق: هو وريد في الإباض يمتد في العضد على أنسية العضلة ذات الرأسين.

(2)

الشوصة: وجع في البطن بسبب ريح تأخذ الإنسان تجول مرة هنا ومرة هناك.

(3)

الأكحل: وريد في وسط الذراع يفصد أو يُحقن، وهو عرق الحياة، وسمي نهر البدن.

(4)

القيفال: عرق في الذراع.

(5)

الكاهل: ما بين الكتفين، وهو مقدم الظهر.

ص: 127

الأخدعين

(1)

والكاهل»

(2)

(3)

.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ، وَبَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَكَانَ يَحْجُمُهُ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ، وَكَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ، فَشَفَعَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ، فَجُعِلَ مُدًّا

(4)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: احْتَجَمَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي رَأْسِه وَهُوَ مُحْرِمٌ، مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ، بِمَاءٍ يُقَالُ له: لَحْيُ جَمَلٍ

(5)

.

وروى أبو داود في سننه من حديث جابر رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَى وركِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ

(6)

.

وقد وردت أحاديث في تحديد الأوقات التي تستعمل فيها الحجامة:

(1)

الأخدعان: عرقان في جانبي العنق يحتجم منه.

(2)

أخرجه الترمذي في سننه برقم 2052؛ وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن الترمذي (2/ 204) برقم 1671.

(3)

زاد المعاد (4/ 49 - 51) باختصار وتصرف.

(4)

(5/ 127) برقم 2979، وقال محققوه: حديث صحيح.

(5)

صحيح البخاري برقم 5700، وصحيح مسلم برقم 1203.

(6)

سنن أبي داود برقم 3863، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (2/ 732) برقم 3272. والوثء: وجع يصيب العضو من غير كسر، وثئت اليد والرجل، أي أصابها وجع دون الكسر، فهو موثوءة.

ص: 128

ففي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ

(1)

.

قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري معلقًا على حديث: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ»

(2)

.

«وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه - يعني البخاري- فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج، ولا تقيد بوقت دون وقت؛ لأنه ذكر الاحتجام ليلاً، وذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارًا، وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة، وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما، ولا عقب شبع ولا جوع.

ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة في تحديد الأيام التي يستعمل فيها الحجامة، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند ابن ماجه رفعه أثناء حديثه، وفيه: «

فاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا، وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ»

(3)

. أخرجه

(1)

برقم 3861، وحسنه الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة (2/ 2191) برقم 622.

(2)

صحيح البخاري برقم 1939.

(3)

برقم 3487.

ص: 129

من طريقين ضعيفين، وله طريق ثالثة ضعيفة أيضًا عند الدارقطني في «الأفراد» ، وأخرجه بسند جيد عند ابن عمر موقوفًا، ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة، وإن كان الحديث لم يثبت، وحكى أن رجلاً احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث.

وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَرْقَأُ»

(1)

.

ثم قال: ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء، قال حنبل بن إسحاق: كان أحمد يحتجم في أي وقت هاج به الدم، وأي ساعة كانت، وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره.

قال الموفق البغدادي: «وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه»

(2)

. أ. هـ

وقال ابن القيم رحمه الله: «واختيار هذه الأوقات للحجامة

(1)

برقم 3862.

(2)

فتح الباري (10/ 149 - 150).

ص: 130

فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط، والتحرز من الأذى، وحفظًا للصحة، وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها»

(1)

.

(1)

زاد المعاد (4/ 55).

ص: 131