المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالأدوية الإلهية

- ‌الفصل الأولما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء قبل وقوعه

- ‌الفصل الثانيما يحفظ به الصحة ويدفع به الداءبعد وقوعه من الأدوية الإلهية

- ‌الباب الثانيالأدوية المادية

- ‌الفصل الأولما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء قبل وقوعه

- ‌الغذاء من طعام وشراب وفيه

- ‌(ج) الكمية

- ‌الهواء

- ‌السكن

- ‌الملبس

- ‌المركب

- ‌الرياضة

- ‌النظافة

- ‌الفصل الثانيما يحفظ به الصحة ويدفع به الداء بعد وقوعه

- ‌ قواعد ومسائل هامة:

- ‌الأولى: ما يتناوله الإنسان من طعام وشراب

- ‌الثانية: مراتب الدواء

- ‌الثالثة: الطبائع الأربع:

- ‌الرابعة: التشخيص:

- ‌الخامسة: الأدوية المفردة والمركبة:

- ‌السادسة: المناعة:

- ‌ومن أدوية الطب النبوي التي يحفظ بها الصحة، ويدفع بها الداء بعد وقوعه من الأدوية المادية

- ‌الحمية

- ‌العسل

- ‌القسط

- ‌الحبة السوداء

- ‌التلبينة

- ‌الحجامة

- ‌الكي

- ‌ماء زمزم

- ‌زيت الزيتون

- ‌أبوال الإبل وألبانها

- ‌الدواء بتمر عجوة المدينة للسحر وغيره

- ‌من فوائد التمر:

- ‌ما أنزله الله في الأرضمن ترابها ومياهها، وأشجارها وثمارها .. وغير ذلك مما خص اللَّه بعلمه من شاء من عباده

- ‌ألبان البقر

- ‌الماء

- ‌السَّنَا

- ‌الكمأة

- ‌الملح

- ‌الكباث

- ‌الصبر

- ‌اللَّدُّ

- ‌السَّعُوطُ

- ‌الحناء

- ‌ألية الكبش العربي لمن به عرق النساء

- ‌العلاج بالرماد

- ‌جناح الذباب

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الغذاء من طعام وشراب وفيه

‌الغذاء من طعام وشراب وفيه

اختيار أجود وأحسن الأطعمة والأشربة، واعلم أنه قبل ما يُدعى الحضارة الحديثة كانت الأطعمة والأشربة طبيعية أو على المصطلح الحديث عضوية

(1)

، ومع ذلك فقد كانت متفاوتة في الجودة والحسن بحسب اختلاف المكان والزمان والنوع .. وغير ذلك مما يعرفه أهل الاختصاص، وقد أشار تعالى إلى جودة الزيت بسبب المكان الذي توجد فيه شجرته، وأن الشمس تصيبها غدوة وعشيًّا، قال تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)} [النور: 35]. أما اليوم فقد أصيبت الأطعمة والأشربة بما نقص من جودتها أو أفقدها ذلك، بل قلب بعضها إلى أدواء ضارة، وذلك بسبب أفعال الناس،

(1)

العضوي: هو السليم من الأسمدة الكيميائية والعلاجات السمية ويسمد بالأشياء الطبيعية، وللجهات المانحة للشهادات العضوية سواء في المنتجات الزراعية أو الحيوانية شروط قوية جدًّا ولا تعطى الشهادة إلا بعد الفحص والتدقيق. ومن أراد المزيد من التفاصيل الاطلاع على الرابط:

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC 5345585/

ص: 49

إما لعدم خوفهم من اللَّه، واستحلالهم للغش، وإيثار الدنيا، أو بسبب الجهل وهو القليل، وإن مما أصيبت به الأطعمة والأشربة ما يسمى التعديل الوراثي

(1)

، واستعمال الكيماويات، إضافة إلى المواد الحافظة والمحسنة للطعوم والألوان.

وإدخال ما لا يحل في جميع الشرائع السماوية، كالميتات ونحوها من الخبائث، أو ما يستحله أقوام ويسوق على آخرين لا يستحلونه ويستخبثونه، تصريحًا باسمه أحيانًا كالخنزير وإخفائه تحت مسميات أو رموز أكثر الأحيان.

ومن ذلك ما أدخل عليها أثناء التصنيع كهدرجة الزيوت وتحلية المياه التي لا يتقيد مصنعوها بالشروط الصحية.

ومنها ما أدخل على تغذية المأكول من البهائم والطيور وغير ذلك كثير، وصدق اللَّه إذ يقول:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم: 41].

وإن مما يُبشر به ما انتشر في الآونة الأخيرة مما يوصف بالأغذية العضوية، وكذلك توجه بعض الجهات المسئولة إلى مراقبة المنتجات وفحصها قبل دخولها الأسواق، روى الإمام

(1)

هو تعديل الجينات ليكون الإنتاج أكثر ومقاوم للأمراض، إلا أن هذا التعديل قد يضر بصحة الإنسان ولذلك فإن بعض الشركات إذا أرادت تسويق منتجاتها كتبت عليها خالٍ من التعديل الوراثي.

ص: 50

أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسْتَقَى لَهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا

(1)

(2)

.

قال ابن عبد البر: وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ مِنْ بِيرِ السُّقْيَا، ثم ذكر أنه من هذا المعنى قول أنس وهو في البخاري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَأْتِي بَيْرُحَاءَ وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَوَصَفَهُ بِالطَّيِّبِ.

(3)

(4)

وروى البخاري في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ

(5)

وَإِلَّا كَرَعْنَا»

(6)

.

قال المهلب: «في الحديث أنه لا بأس بشرب الماء البارد في اليوم الحار، وهو من جملة النعم التي امتن اللَّه بها على عباده»

(7)

.

(1)

بيوت السقيا: قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان، وفي النهاية (2/ 382): هي منزل بين مكة والمدينة.

(2)

(41/ 223) برقم 24693، وقال محققوه: إسناده جيد، وحسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (10/ 74) وقال: في قصة أبي الهيثم بن التيهان أن امرأته قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء يسأل عن أبي الهيثم: ذهب يستعذب لنا من الماء؛ وهو في مسلم.

(3)

برقم 5611.

(4)

التمهيد (1/ 203).

(5)

الشنة هي القربة القديمة.

(6)

برقم 5613.

(7)

فتح الباري (10/ 78).

ص: 51

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الشراب أطيب؟ قال: «الْحُلْوُ الْبَارِدُ»

(1)

.

والأولى لمن كان حريصًا على صحة بدنه وعقله ألا يدخل بدنه ولا يغذيه إلا بالطعام والشراب السالم من الآفات السابق ذكرها، أو على أقل الأحوال أن يكون اختياره لأفضل الموجود، وإن كلفه ذلك بدنيًّا أو ماليًّا، ومع حسن التدبير والاقتصاد تحصل الموازنة إن شاء اللَّه.

تنبيه:

قلنا آنفًا: إن صحة البدن لها حظ كبير في سلامة الغذاء، وذلك أن للأطعمة والأشربة تأثيرًا على العقول، وذلك أمر معلوم يذكره الأطباء والحكماء.

قال ابن القيم رحمه الله: «كل من ألف ضربًا من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى»

(2)

.

الكيفية: والمقصود أن لتناول الطعام والشراب كيفيات ينبغي التزامها قدر الطاقة، وأخرى ينبغي تجنبها كذلك، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر شرب الماء قاعدًا، فقد روى

(1)

(5/ 233) برقم 3129، وقال محققوه: حسن لغيره.

(2)

مدارج السالكين (1/ 403).

ص: 52

مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ»

(1)

.

قال القرطبي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: «ويمكن أن يقال: إن القيء وإن لم يقل أحد بأنه واجب عليه، فلا يبعد أن يكون مأمورًا به على جهة التطبب، وهو يؤيد قول من قال: إن النهي عن ذلك مخافة مرض أو ضرر، فإن القيء استفراغ مما يخاف ضرره»

(2)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ»

(3)

.

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا ويقول: «إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَمْرَأُ، وَأَبْرَأُ»

(4)

.

الشراب في لسان الشارع وحملة الشرع هو: الماء، ومعنى تنفسه في الشراب: إبانته القدح عن فيه، وتنفسه خارجه، ثم يعود إلى الشراب، كما جاء مصرحًا به في الحديث الآخر، قال صلى الله عليه وسلم:

(1)

برقم 2026.

(2)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 286).

(3)

صحيح البخاري برقم 153، وصحيح مسلم برقم 267.

(4)

برقم 2028.

ص: 53

«إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفّسْ فِي الإِنَاءِ، فِإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الإِنَاءَ

»

(1)

.

وفي هذا الشرب حكم جمة، وفوائد مهمة، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على مجامعها بقوله:«إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَمْرَأُ، وَأَبْرَأُ» ، فأروى: أشد ريًّا وأبلغه وأنفعه، وأبرأ: أفعل من البرء وهو الشفاء، أي يبرئ من شدة العطش ودائه، لتردده على المعدة الملتهبة دفعات، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت الثانية عنه.

وقوله: «وَأَمْرَأُ» هو أفعل من مرئ الطعام والشراب في بدنه، إذا دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع، ومنه {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء: 4]. هنيئًا في عاقبته، مريئًا في مذاقه، وقيل: معناه أنه أسرع انحدارًا عن المريء لسهولته وخفته عليه، بخلاف الكثير فإنه لا يسهل على المريء انحداره.

ومن آفات الشرب نهلة واحدة: أنه يخاف منه الشرق، بأن ينسد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه، فيغص به، فإذا تنفس رويدًا ثم شرب أمن ذلك

(2)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه 3427، وأبو يعلى 6677، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه، وصحح إسناده الحاكم (4/ 139)، والبوصيري في المصباح (4/ 47)، وحسنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 386، وفي الباب عن أبي قتادة وأبي سعيد وابن عباس وسهل بن سعد رضي الله عنهم.

(2)

زاد المعاد (4/ 321 - 331)، ومن أراد التوسع فليرجع إليه.

ص: 54

ومثله النفخ في الطعام والشراب، روى أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه

(1)

.

قال ابن حجر رحمه الله: «وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدة أحاديث، وكذا النهي عن التنفس في الإناء؛ لأنه ربما حصل له تغير من النفس، إما لكون المتنفس كان متغير الفم بمأكول مثلاً، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس»

(2)

. أ. هـ

قال ابن العربي: «هو من مكارم الأخلاق»

(3)

.

أما التسمية في أول الطعام والحمد في آخره، فأمرهما معلوم، وفائدتهما محققة.

روى الترمذي في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّه، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّله فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهَ فِي أَوَّله وَآخِره»

(4)

.

وروى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ

(1)

برقم 3728، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (2/ 710) برقم 3171.

(2)

فتح الباري (10/ 94).

(3)

المصدر السابق.

(4)

برقم 1858، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 55

عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»

(1)

.

ومن ذلك ألا يؤكل الطعام حارًّا، وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها: أنها كانت إذا ثردت

(2)

غطته شيئًا حتى يذهب فوره ثم تقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ»

(3)

(4)

.

ومن ذلك تجنب الأخلاط، وقد ذكر الأطباء أن الذين يتناولون الأطعمة والأشربة المفردة كأهل البوادي قديمًا أصح أبدانًا ممن يتناولون الأطعمة والأشربة المركبة من أهل الحاضرة، لا سيما وأن كثيراً من الناس بل أكثرهم لا علم عندهم بطبائع الأشياء الأربع، وهي الحرارة ويقابلها البرودة، والرطوبة ويقابلها اليبوسة.

«وفي الصحيحين من حديث عبداللَّه بن جعفر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالقِثَّاءِ

(5)

، فالرطب حار والقثاء بارد، وفي كل منهما إصلاح للآخر، وإزالة لأكثر ضرره، ومقاومة كل كيفية بضدها، ودفع سورتها بالأخرى، وهذا أصل العلاج كله وهو أصل في حفظ الصحة، بل علم

(1)

برقم 2734.

(2)

الثريد: طعام معروف عند العرب.

(3)

أي حرارته.

(4)

(44/ 521) برقم 26958، وقال محققوه: حديث حسن.

(5)

صحيح البخاري برقم 5447، وصحيح مسلم برقم 2043.

ص: 56

الطب كله يستفاد من هذا.

وبالجملة فدفع ضرر البارد بالحار، والحار بالبارد، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وتعديل أحدهما بالآخر من أبلغ أنواع العلاجات، وحفظ الصحة، ونظير هذا ما تقدم من أمره بالسنا والسنوت، وهو العسل الذي فيه شيء من السمن يصلح به السنا ويعدله، فصلوات اللَّّه وسلامه على من بعث بحماية القلوب والأبدان، وبمصالح الدنيا والآخرة»

(1)

.

ومما يلحق بذلك مراعاة التناسب بين الأغذية والأبدان، فما يناسب هذا لا يناسب ذلك، وما يصلح للصحيح لا يصلح للمريض، وما ينتفع به الشاب لا ينتفع به الشيخ الكبير، بل قد يضره وكذلك المرأة والرجل وغيرهم.

روى أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها قال: «سمنوني بكل شيء فلم أسمن، فسمنوني بالقثاء والرطب فسمنت»

(2)

.

وفي الحديث قاعدة من قواعد الطب، وهي مراعاة التناسب، فقد استعملوا ما يعلمونه مما يؤدي إلى الغرض المطلوب، فلم يكن يناسبها إلا ما ذكر.

روى ابن ماجه في سننه من حديث أم المنذر بنت قيس رضي الله عنها

(1)

زاد المعاد لابن القيم رحمه الله (4/ 142 - 143) بتصرف.

(2)

برقم 3903، وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/ 123).

ص: 57

قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَعَلِيٌّ نَاقِهٌ مِنْ مَرَضٍ، وَلَنَا دَوَالِي

(1)

مُعَلَّقَةٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْهَا. فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَهْ. يَا عَلِيُّ! إِنَّكَ نَاقِهٌ» ، قَالَتْ: فَصَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ سِلْقاً وَشَعِيراً

(2)

، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ:«مِنْ هَذَا فَأَصِبْ. فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لَكَ»

(3)

.

«واعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه أحسن التدبير

ففي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره، ولما وضع بين يديه السلق والشعير أمره أن يصيب منه، فإنه من أنفع الأغذية للناقه، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه، ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يُخاف منه.

قال زيد بن أسلم: حمى عمر مريضًا له حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى. وبالجملة فالحمية من أنفع الأدوية قبل

(1)

الدوالي: أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنها لم تتمكن بعد من قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن. زاد المعاد (4/ 148).

(2)

قال في المعجم الوسيط: سلق، سلقا عدا وَصَاح وَرفع صَوتَهُ، واللَّحم الْخَضر بِالماءِ الْحَارِّ وَفِيه أغلاه دون أَن يضيف إِلَيْهِ شَيْء من دهن وأفاويه، ص 444.

(3)

برقم 3442، وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 343)، والألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 58.

ص: 58