الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السكن
مما لا يخفى علمه على أحد أن قريشًا قبل الإسلام وبعده كانوا يرسلون أبنائهم إلى البادية، وقد أرسلت أم النبي صلى الله عليه وسلم به إلى بادية بني سعد في خبر معلوم مشهور.
قال الغزالي رحمه الله: «وتنشئته الأولاد في البادية ليمرحوا في كنف الطبيعة، ويستمتعوا بجوها الطلق، وشعاعها المرسل، أدنى إلى تزكية الفطرة، وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف.
إنها تعاسة أن يعيش أولادنا في شقق ضيقة من بيوت متلاصقة كأنها علب أغلقت على من فيها، وحرمتهم لذة التنفس العميق، والهوء المنعش، ولا شك أن اضطراب الأعصاب الذي قارن الحضارة الحديثة يعود - فيما يعود إليه - إلى البعد عن الطبيعة والإغراق في التصنع، ونحن نقدر لأهل مكة اتجاههم إلى البادية لتكون عرصاتها الفساح مدارج طفولتهم، وكثير من علماء التربية يود لو تكون الطبيعة هي المهد الأول للطفل حتى تنشق مداركه مع حقائق الكون الذي وجد فيه، ويبدو أن هذا
حلم عسر التحقيق»
(1)
.
ومما يذكر أن الشقاء
(2)
اختار البادية، فقالت الصحة: وأنا معك، واختارت الرفاهية المدينة، فقال المرض: وأنا معك، كل ما تقدم لم تكن الحواضر كما هي عليه اليوم، ومع ذلك الذي ينبغي أن يُختار من المسكن أفضل ما يمكن من حيث موقعه وسعته وواجهاته وتصميمه. أما الموقع فقد تقدمت الإشارة إليه في الفقرة السابقة.
أما الواجهات فإن أفضلها ما دخلت عليه شمس الصباح الباكر وتخلله الهواء.
وأما السعة، فقد جاء في الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الهَنِيءُ»
(3)
.
ومن الأهمية بمكان أن يكون له فناء أو سطح، فإن ما لا يدرك جله لا يترك كله.
قال ابن القيم رحمه الله: «ومن تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده أفضل هدي يمكن حفظ الصحة به، فإن حفظها موقوف على حسن
(1)
فقه السيرة ص 63.
(2)
المراد: النصب والتعب.
(3)
صحيح ابن حبان برقم 4021.
تدبير المطعم والمشرب والملبس والمسكن والهواء والنوم واليقظة والحركة والسكون، والمنكح، والاستفراغ والاحتباس، فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسن والعادة كان أقرب إلى دوام الصحة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل
(1)
.
(1)
زاد المعاد (4/ 306).