الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
بيعة الرضوان
.
ما رتب الله سبحانه وتعالى على بيعة الرضوان من إثابة المؤمنين بالفتح القريب ومغانم كثيرة يأخذونها في خيبر، وكف أيدي الناس عنهم، وفتح مكة لهم بعد ذلك دون عناء قتال؛ إنما كان لما علم في قلوبهم من الإيمان الخالص له الصادق الكامل، فأثابهم كل ذلك الثواب بناءً عليه.
قال - تعالى -: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (1) .
وهنا نرى الإيمان الخالص لله إذا علمه - تعالى - في قلوب عباده أثابهم عليه فتحًا دون قتال ومغانم كثيرة، كم قاتلوا من قبل فلم يجدوا مثلها!
إن الله سبحانه وتعالى قد أثاب المؤمنين بكل تلك البشائر والفتوح، لا لجهادهم ولا لسعيهم إلى العمرة، وإنما لشيء علمه في قلوبهم، {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً} .. .
(1) الفتح: 18 - 19.
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله - تعالى -: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة"(1) .
إن هذه الآيات لتؤكد أن الإيمان الخالص لله هو شرط النصر والتمكين لجماعة المؤمنين، وأنه أعظم شروط نصر الله وتمكينه للمؤمنين، بل هو الشرط الرئيس والأساس، وأنه عند توافره وخلوصه وبلوغه درجة الكمال كدرجة البيعة على الموت في سبيل الله كما كان في بيعة الرضوان فإن الله قد يثيب عليه فتحًا ونصرًا وتأييدًا وتمكينًا، دون أن يطالب أو يكلف المؤمنين بالجهاد أو عناء النصر وتبعات تطلبه.
(1) تفسير ابن كثير (4 / 205) .
والآن وبعد أن تبين دور الفئة الموقنة في تحقيق نصر الله لطالوت ومن معه نرى كذلك دور الإيمان الخالص في بيعة الرضوان، وأن الفتح والمغانم وبشائر التمكين ما كانت إلا ثوابًا له، ونرى مدى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على توفير هذا العامل العظيم من عوامل النصر وتطلبه، ونرى كذلك شدة حرصه على نفي ما يوهن منه أو يضعفه في النفوس، أو يعكر صفاءه أو ينقص كماله، فلقد كان عليه الصلاة والسلام يحرص على أن يوفر من يتوافر فيهم الإيمان الخالص المجرد في صفوف جيشه، ويحرص على خروجهم معه، ويحض صحابته على معرفة قدرهم وأنهم سبب نصر الله لهم، فيقول صلى الله عليه وسلم:«أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» (1) . ويقول عليه الصلاة والسلام: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» (2) . وذلك أن الضعفاء إذا كانوا أهل صلاة ودعاء وإخلاص بحق أهل الإيمان الخالص لله السالم من الشوائب؛ لأنهم لضعفهم لا يتعلقون بسبب إلا بالخالق سبحانه وتعالى. وهذا هو عامل النصر الرئيس.
(1) سنن أبي داود، الجهاد، باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة (3 / 32) .
(2)
سنن النسائي. الجهاد، باب الاستنصار بالضعيف (6 / 45) .
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على إبعاد كل ما يشوب الإيمان في نفوس صحابته وأمرائهم وسراياهم، فلا يولي إمارة سرية أو ما فوقها من يعلم فيه حرصًا على الإمارة أو استشرافًا لها، وما ذاك إلا لكي لا يختل شرط النصر فينقص الإيمان وتتوجه النية إلى الشرف أكثر من توجهها لنصرة دين الله والإخلاص لإعلاء كلمته - سبحانه -. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله ولا أحدًا حرص عليه» (1) .
وبعد كل هذا يتبين لنا أن الوعد الذي قطع الله به على نفسه، وجعله حقًا عليه في قوله - تعالى -:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (2) أن المقصود بـ"المؤمنين" ليس مجرد التسمية لهم بالإيمان، أو ذكر جنسهم أنهم من أهل الإيمان، وإنما المقصود هنا المؤمنون الخُلَّص الذين حققوا الإيمان تحقيقًا، وجردوه لله تجريدًا؛ فهم الذين جعل الله لهم حقًا عليه أن ينصرهم، أما مجرد حصول الإيمان والتسمي به فلا يتناوله هذا الوعد، وليس المقصود في الآية.
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (4 / 207) .
(2)
الروم: 47.