الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة البحث
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبمعونته تدرك الغايات.
أما بعد فهذه خاتمة هذا البحث ألخص فيها أهم ما خرجت به في هذا البحث، وحققته في موضوعه:
1-
أن القرآن الكريم قد اشتمل على كل عوامل التمكين الأساسية اعتنى بها وأبانها، وأن فيه من الوقائع والتذكير والتنبيه والعبر والأمر والنهي وقصص الماضين ما يكوِّن منهجًا كاملًا شاملًا تسير عليه جماعة المؤمنين في أي زمان ومكان ومجتمع كانت.
2 -
من أعظم ثمرات هذا البحث هو الاستهداء بما في القرآن من عوامل النصر والتمكين في دعوات المرسلين في هذا العصر وفي كل عصر - استهداء يجعلنا نستفيد من كل دعوة لرسول، وكل عامل ذكره القرآن من عوامل نصرها وتمكينها حسب حالة تلك الدعوة وظروفها.
فحين تكون جماعة المؤمنين في حالة ضعف بالغ، وفي دولة متسلطة قاهرة لهذه الجماعة المؤمنة فإن هذه الحالة تشبه حالة المؤمنين مع نبي الله موسى في ظل دولة فرعون، وبالتالي فأحسن طريق للجماعة المؤمنة هو التزام العامل الذي نصر الله به موسى من الصبر وإقامة الصلاة والتزام الشرائع التعبدية فيما بينهم، وإخفاء التدين، ودوام الضراعة وعدم رد الأذى حتى يأذن الله بالنصر.
وحينما تكون جماعة المؤمنين في حالة إمكانية إبلاغ الدعوة ومجادلة القوم والصبر على الأذى لكن لا تستطيع الهجرة فهذه حالة مشابهة لحالة قوم هود وصالح ونوح وشعيب ولوط وبالتالي فعامل نصر الجماعة المؤمنة في هذه الحالة هو ذات العامل الذي نصر الله به المرسلين في هذه الحالة من العذاب والإهلاك للأقوام المكذبين، وإنجاء المؤمنين، حين قاموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة والبلاغ المبين.
أما في حالة ما إذا تمكنت الجماعة المؤمنة من الهجرة وإقامة الجهاد فإن هؤلاء الأقوام من المكذبين يكون إهلاكهم أو إسعادهم بأيدي المؤمنين - أي بالجهاد - كما وقع في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وبهذا الاستهداء يتكون لدينا منهج كامل من عوامل التمكين نستفيده من كل دعوات المرسلين، فالحالة التي لم تكن في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووقعت للمؤمنين في عهد موسى أو هود أو غيرهما من الأنبياء - فنحن ملزمون بالعامل الذي نصر الله المؤمنين فيها، لقوله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} وكما تقرره القواعد الأصولية: (شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ في شرعنا) وكما أوضحناه في المقدمة تمام الإيضاح.
3-
أن من أسباب اللوم والخلاف بين الجماعات الساعية لتمكين دعوة الحق هو الجهل والغفلة عما جاء في القرآن من عوامل التمكين أو لعدم الاعتناء باستخراج ذلك ومعرفته من القرآن.
4-
أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك دعوته هما أعظم دعوة وأمة مكن الله لها على طول وجودها حتى قيام الساعة.
5-
أن أعظم مرتبة للتمكين ستبلغها أمة محمد صلى الله عليه وسلم عند نزول عيسى ابن مريم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - إذ يسلم كل من في الأرض ويموت عليه السلام والحال على ذلك.
6-
أن الأمة مهما حلَّ بها من البلاء والنكبات والجمود والانحطاط فلن تنحط جميعها عن مرتبة وسطى من مراتب التمكين وهي "الظهور" وعدم الاكتراث بالمخالف، فهذه المرتبة من التمكين مضمونة للأمة لا يمكن أن تنعدم منها يومًا واحدًا على مدى السنين، بل تبقى طائفة منهم في شرق أو غرب تحافظ على عنوان المجد في تلك المرتبة.
7-
أن الملك جائز في شرعنا عند تعذر الخلافة، وأحيانًا بل غالبًا يكون أليق بحال الأمة من الخلافة، إذ يكون به قوام الناس كما قال عليه الصلاة والسلام:«قوام أمتي بشرارها» رواه أحمد عن ميمون بن سفيان وحسنه الألباني في صحيح الجامع ـ فالملوك الظلمة بهم قوام الأمة وتقويم اعوجاجات كثيرة، وإن كانوا في الواقع عوجة كبرى، فالملك جائز سائغ في شرعنا في جملته سواء كان الحاكم صالحًا أو معتديًا ظالمًا أو بين ذلك.
8-
أنه لا بد للناس من حكومة ظالمة كانت أو عادلة، فالظالمة رغم ظلمها تأمن بها السبل ويُهاب بها الأعداء من الدول الطامعة.
9-
أن الملوك الصالحين قلة في تاريخ الأمم جميعًا.
10-
قوله - تعالى -: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} المقصود هنا المؤمنون الخُلَّص المتجردون لله، أما أهل التسمي والتحلي والادعاء ومن شابت إيمانهم الشوائب فلا يتناولهم هذا الوعد في الآية وليس مضمونًا لهم وإن قاتلوا الكفار.
11-
أن سورة العصر قاعدة محكمة في التمكين وامتناع الخسران عن بني الإنسان، اشتملت على ست خصال لا تجتمع في طائفة فتلحقها خسارة أبدًا، وما لحق بأي طائفة من خسران أو هزيمة فتبفريط منها في خصلة من تلك الخصال وهي:
1.
الإيمان.
2.
العمل الصالح.
3.
الجماعة، لقوله:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} ..
4.
وجود مبدأ التواصي لقوله: وتواصو
…
وتواصوا
5.
التواصي بالحق وهو شرائع الدين.
6.
التواصي بالصبر.
12-
الجماعة هم مادة الدعوة ووسطها، ولا تمكين للدعوة ما لم تكن لها جماعة.
13-
تبليغ الدعوة واستقصاء مجالات النصح الصادق له دور في تمكين دعوة الحق وإهلاك أعدائها فقط دون غيره ولقد ذكر القرآن عدة أمم لم يجاهدوا ولم يفعلوا شيئًا تجاه الكفار إلا البلاغ والمداومة عليه حتى أهلك الله أعداءهم مثل أمة نوح المؤمنة وأمة صالح وهود عليهم الصلاة والسلام.
14-
أهمية تبليغ الدعوة المتواصل المتكرر إذ هو سبب في إعانة الداعين على البطالين المكذبين، فإن الله لم يذكر في كتابه أمة أهلكها حتى ذكر كيف سبق لهم الإنذار والنصح والبلاغ المستمر قبل ذلك حتى ذكر لنا القرآن نصائح مؤمنيهم بجوار نصائح أنبيائهم.
15-
الجهاد من أعظم عوامل التمكين وهو أعظمها على الإطلاق من حيث ما يترتب عليه من نتائج وآثار تمكينية للأمة.
16-
إعداد الجيش وتعبئته واستعراضه وتفقده وتنظيمه كل تلك الأمور أشار إليها القرآن في مملكة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام، وجعل تلك الخصائص من مزايا الدولة المؤمنة المُمَكَّن لها في الأرض والتي تسعى إلى نشر دعوة الحق وتمكينها جاهدة في كل أصقاع الأرض حتى لام وعاتب الهدهد ملكها حين لم يبلغ علمه دولة مشركة بالله تعيش في الأرض معه:{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} .
17-
الصناعة ذكرها القرآن وبين دورها في تمكين دعوة الحق من خلال سفينة نوح، وبناء سد ذي القرنين، وصناعة الدروع بيد داود عليه السلام، والثورة الصناعية في مملكة سليمان عليه السلام، وإنزال الحديد ليعلم الله من ينصره به، فالصناعة من أعظم مساندات الجهاد ونشر دعوة الحق وتمكينها، فالاهتمام بها مطلب قائم، وإجماع مجتمع مسلم على تركها إثم وعجر يلوم الله عليه.
18-
لم يشجع الإسلام حرفة كما شجع صناعة أدوات الحرب وآلاته فالسهم الواحد يدخل به ثلاثة نفر الجنة: «صانعه والممد به والرامي به» فما بالك بمن صنع رصاصة أو مسدسًا أو صاروخًا.
19-
ديمومة الضراعة إلى الله والالتجاء إليه في طريق السعي للتمكين عامل يجب الحرص عليه والعناية به أكثر من دراسة مخططات الأعداء وأساليب المواجهة.
20-
منع تطبيق شريعة الإسلام ليس ظلمًا للمسلمين أو حرمانًا للبشرية فحسب، بل يتعدى إلى الجناية على حشائش الأرض ومخزون الأمطار والسباع في الغابات، والطيور في الأعشاش وكل الدواب وحتى الجمادات، وذلك يتبين عند تمام إقامة الدين إذ يمكن الله للإنسان من معايش الأرض فتخرج الأرض بركتها، وتينع ثمرتها، ويسود الأمان، ويرعى الذئب الغنم ويحصل من التغيرات في السلوك والكائنات والمخلوقات ما لا يخطر ببال، وقد حصل ذلك مرارًا في تاريخ الإسلام حين أقامت دولة الإسلام الدين فضلًا عما تكون فيه الدولة بسبب إقامة الدين من العز والامتناع والسناء والتمكين الذي لا يدانيه سلطان في الأرض ألبتة.
تلك هي أبرز اللمحات الساطعة في غمرة هذا البحث، وأهم النتائج الماتعة النافعة من خلال دراسته، وأسأل الله ألَاّ يجعل حظنا التنظير والتفكير، وأن يجعل حظنا ونصيبنا من العمل بما علمنا الحظ الجليل الكبير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..