الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: ضرورة استصحاب الصبر
إن دعوات الحق ما قامت ولن تقوم إلا باستصحاب الصبر، ولقد ذكر القرآن الكريم في قصص المؤمنين كيف صبروا، وأمر المؤمنين كذلك بالصبر والمصابرة.
قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) .
وبين سبحانه وتعالى أن دعوات الحق السابقة واجهت الأعباء والمكائد والزلازل بالصبر وكانوا يسألون الله أن يفرغه عليهم إفراغًا عند مواجهة عقبات الدعوة واشتداد البلاء والكرب بهم، فهذا نبي الله موسى يرشد بني إسرائيل إلى استصحاب الصبر حتى يأتي الفرج.
(1) آل عمران: 200.
قال - تعالى - في تلقي موسى وبني إسرائيل إيذاء فرعون بالصبر حتى كان الفرج: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (1) .
(1) الأعراف: 127 - 129.
ولقد أرشد سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى استقبال البلوى واللأواء بالاستعانة بالصبر عليها، فقال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (1) .
بل بين سبحانه وتعالى أن أولياءه المؤمنين كانوا يصبرون ويصطبرون بل ويدعون الله ويطلبونه أن يصب عليهم الصبر صبًا حتى يفيض عليهم ويغمرهم وهو الإفراغ (2)، فيكونون بهذا الحال قد استعدوا للشدائد والكروب بأبلغ أنواع الصبر. قال - تعالى - في شأن الملأ من بني إسرائيل ومؤمنيهم الذين ثبتوا مع طالوت وهم في بروزهم لأهوال المعركة مع جالوت وجنده الكافرين:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3) .
(1) البقرة: 153 - 155.
(2)
راجع فتح القدير للشوكاني (2 / 235) .
(3)
البقرة: 250.
ولهذا استحب بعض أهل العلم أن تكون هذه اللهجة من الدعاء لهجة جنود الإيمان حين يلقون أعداءهم (1)، وأن تكون هذه العبارة من الدعاء ذكرهم الكثير الذي أمرهم الله به في قوله - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) .
وكذلك طلب إفراغ الصبر من الله، كان طلب سحرة فرعون من الله، حين آمنوا وأوعدهم فرعون بكل نكال وعذاب شديد، فأجابوا بقولهم:{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (3) .
(1) انظر فتح القدير للشوكاني (2 / 315) .
(2)
الأنفال: 45.
(3)
الأعراف: 126.