الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(البقرة: 196) وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم الصيام والصدقة بما ذكرناه.
* * *
س 480: ما حكم من جامع وهو محرم بالحج جاهلاً تحريم الجماع
؟
الجواب: من المعلوم أن الجماع من محظورات الإحرام، قال الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) (البقرة: 197) والرفث والجماع ومقدماته، فالجماع أعظم محظورات الإحرام، إذا جامع الإنسان وهو محرم بالحج فإما أن يكون قبل التحلل الأول، أو بعد التحلل الأول، فإن كان قبل التحلل الأول ترتب على جماعه أمور:
أولاً: فساد النسك بحيث لا يجزئه عن نافلة ولا عن فريضة.
ثانياً: الإثم.
ثالثاً: وجوب المضي فيه، أي أنه مع فساده يستمر ويكمله ويبقى هذا النسك الفاسد كالنسك الصحيح في جميع أحكامه.
رابعاً: وجوب القضاء من العام القادم، سواء كان ذلك الحج فريضة أم نافلة، أما إذا كان فريضة فوجوب القضاء ظاهر لأن الحج الذي جامع فيه لم تبرأ به ذمته، وأما إذا كان نافلة فلأن نافلة الحج يجب المضى فيها لقوله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه)(البقرة: 196) وقد سمى الله تعالى التلبس بالحج فرضاً فقال: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج)(البقرة: 197) فلهذا
قلنا إنه يجب عليه قضاء هذا الحج الفاسد سواء كان فرضاً أم نفلاً.
الأمر الخامس مما يترتب عليه: أنه يذبح بدنه، كفارة عن فعله يوزعها على الفقراء، وإن ذبح عنها سبعاً من الغنم فلا بأس. هذا حكم الجماع قبل التحلل الأول.
أما إذا كان الجماع بعد التحلل الأول فإنه يترتب عليه الإثم وفساد الإحرام فقط، وعليه شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره، أو يصوم ثلاثة أيام، فيخير بين هذه الثلاثة، ويجدد الإحرام فيذهب إلى أدنى الحل ويحرم منه ليطوف طواف الإفاضة محرماً، هكذا قال فقهاؤنا.
فإن قيل: متى يحصل التحلل الأول؟
قلنا: التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق، أو التقصير، فإذا رمى الإنسان جمرة العقبة يوم العيد، وحلق أو قصر فقد حل التحلل الأول وحل من كل المحظورات إلا النساء، قالت عائشة - رضى الله عنها- ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (1) . وهذا الحديث دليل على أن الإحلال يليه الطواف بالبيت، وهو يقتضي أن يكون الحلق سابقاً على الإحلال كما قررناه آنفاً بأن التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد مع الحلق أو التقصير، فالجماع الذي قبل ذلك يترتب عليه الأمور الخمسة التي ذكرناها آنفاً،
(1) أخرجه البخاري: كتاب الحج/ باب الطيب عند الإحرام (1539) . ومسلم: كتاب الحج/ باب الطيب للمحرم عند الإحرام (1189) .
والذي بعد ذلك يترتب عليه ما ذكرناه من الإثم وفساد الإحرام دون النسك، ووجوب فدية، أو إطعام، أو صيام سواء في مكة أو في غيره، وسواء كان متتابعاً أو متفرقاً، وإذا كان هذا الإنسان داخلاً بمعنى أنه لا يدري أن هذا الشيء حرام فإنه لا شيء عليه سواء كان ذلك قبل التحلل الأول، أو بعده، لأن الله عز وجل يقول:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286) فقال الله قد فعلت، ويقول تعالى:(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: 5) .
فإن قيل: إذا كان هذا الرجل عالماً بأن الجماع حرام في حال الإحرام لكنه لم يظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور، ولو ظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور ما فعله فهل هذا عذر؟
فالجواب: أن هذا ليس بعذر؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلاً بالحكم لا يدري أن هذا الشيء حرام، وأما الجهل بما يترتب على الفعل فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلاً محسناً يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه لوجب عليه الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو قال أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له: هذا ليس بعذر فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنا، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يجب عليه ألزامه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع انه كان حين جماعه جاهلاً بما يجب عليه، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية وانتهك حرمات الله