الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
س59: هل ما يذكر من أن أكثر أهل النار النساء صحيح؟ ولماذا
؟
الجواب هذا صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهن وهو يخطب فيهن:((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) وقد أورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الإشكال الذي أورده السائل قلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير)) (1) فبين النبي صلى الله عليه وسلم، أسباب كثرتهن في النار، لأنهن يكثرن السب، واللعن، والشتم، ويكفرن العشير الذي هو الزوج فصرن بذلك أكثر أهل النار.
***
س60: ما توجيه فضيلتكم لمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل
؟
الجواب: هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه، لا بد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله تبارك وتعالى على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر، لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة، أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ويخشى أن تكون سبباً لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها ما دام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماماً حتى يصل فيها إلى
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (304) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب نقص الإيمان بنقص الطاعات
…
(79) .
اليقين، وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال -ولله الحمد- والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هو أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب ((كيف)) على جانب ((لم)) والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لم)) و ((كيف)) فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص.
كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب ((كيف)) غافلون عن تحقيق جواب ((لم)) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة، وجانب الإخلاص، وجانب التوحيد، لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف أن جانب التوحيد وجانب العقيدة لا يهتم بهما ليس من العامة فقط، ولكن حتى من بعض طلاب العلم، وهذا أمر له خطورته، كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً، لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء وماشبه ذلك العبارات، وفي الحقيقية أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على ((لم)) وعلى (كيف)) .
وخلاصة الجواب: أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة، ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده -جل وعلا- على بصيرة في أسماء الله وصفاته وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية، والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره. وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا أسماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) (1) . وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم، ومن أي مصدر يتلقاه، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانياً إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات، ليقوم بردها وبيانها مما أخذه من قبل من العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم كلام الصحابة رضي الله عنهم ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، خصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
***
س61: نأمل من فضيلتكم بيان مسألة القدر؟ وهل أصل الفعل مقدر والكيفية يخير فيها الإنسان؟ مثال ذلك إذا قدر الله-
(1) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً (71) . ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (1037) .
تعالى- للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني لا محالة لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، وكذلك المعصية إذا قدرها الله فإن الإنسان سيفعلها لا محالة، لكن ترك لعقه كيفية تنفيذها، وخلاصة هذا الرأي أن الإنسان مخير في الكيفية التي ينفذ بها ما قدر عليه فهل هذا صحيح؟
الجواب: هذه المسألة -أي مسألة القدر- محل جدل بين البشر من قديم الزمان، ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط. أما الطرفان:
فأحدهما: نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد. وقال: إنه مجبر على أفعاله، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختاراً من الدرج.
وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل تارك باختياره، فعمي عن قدر الله. وقال: إن العبد مستقل بأفعاله، ولا تعلق لقدر الله -تعالى- فيها.
وأما الوسط فأبصروا السببين، فنظروا إلى عموم قدر الله -تعالى- وإلى اختيار العبد، فقالوا: إن فعل العبد كائن بقدر الله -تعالى- وباختيار العبد، وأنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختاراً من الدرج، فالأول من فعله بغير اختياره، والثاني باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره، لا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه، وذلك لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها
وهو لا يعلم ما قدر الله عليه، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة، لم يثبت عليه حكم المخالفة ولا يعاقب عليها لثبوت عذره حينئذ. وإذا كان الإنسان يدرك أن هروبه من النار إلى موضع يأمن فيه منها يكون باختياره، وأن تقدمه إلى بيت جميل واسع طيب المسكن ليسكنه يكون باختياره أيضاً، مع إيمانه أن هروبه وتقدمه المذكورين واقعان بقضاء الله وقدره، وأن بقاءه لتدركه النار، وتأخره عن سكنى البيت يعد تفريطاً منه وإضاعة للفرصة يستحق اللوم عليه، فلماذا لا يدرك هذا بالنسبة لتفريطه بترك الأسباب المنجية له من نار الآخرة، الموجبة لدخوله الجنة؟!
وأما التمثيل بأن الله إذا قدر للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني هذا المسجد لا محالة، لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، فهذا تمثيل غير صحيح، لأنه يوحي بأن كيفية البناء يستقل بها العقل ولا تدخل في قد الله -تعالى- وأن أصل فكرة البناء يستقل بها القدر ولا مدخل للاختيار فيها. والحقيقة أن أصل فكرة البناء تدخل في اختيار العبد لأنه لم يجبر عليها، كما لا يجبر على فكرة إعادة بناء بيته الخاص أو ترميمه مثلاً، ولكن هذه الفكرة قد قدرها الله -تعالى- للعبد من حيث لا يشعر، لأنه لا يعلم بأن الله قدر شيئاً ما حتى يقع ذلك الشيء، إذ القدر سر مكتوم لا يعلم إلا باطلاع الله -تعالى- عليه بالوحي، أو بالوقوع الحسي. وكذلك كيفية البناء هي بقدر الله -تعالى- فإن الله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، ولا يمكن أن يختار العبد ما لم يرده أو يقدره، بل إذا اختار العبد شيئاً
وفعله علم يقيناً أن الله -تعالى- قد قضاه وقدره، فالعبد مختار بحسب الأسباب الحسية الظاهرة التي قدرها الله -تعالى- أسباباً لوقوع فعله، ولا يشعر العبد حين يفعل الفعل بأن أحداً أجبره عليه، لكنه إذا فعل ذلك بحسب الأسباب التي جعلها الله -تعالى- أسباباً، علمنا يقيناً بأن الله تعالى، قد قدرها جملة وتفصيلاً.
وهكذا نقول في التمثيل بفعل الإنسان المعصية حيث قلتم: إن الله قدر عليه فعل المعصية فهو سيفعلها لا محالة، ولكن ترك لعقله كيفية تنفيذها والسعي إليها.
فنقول فيه ما قلناه في بناء المسجد: إن تقدير الله -تعالى- عليه فعل المعصية لا ينافي اختياره لها، لأنه حين اختياره لها لا يعلم بما قدر الله -تعالى- عليه، فهو يقدم عليها مختاراً لا يشعر بأن أحداً يجبره، لكنه إذا أقدم وفعل علمنا أن الله قد قدر فعله لها، وكذلك كيفية تنفيذ المعصية والسعي إليها الواقعة باختيار العبد، لا تنافي قدر الله -تعالى- فالله -تعالى- قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً، وقدر أسبابها الموصلة إليها، ولا يشذ عن ذلك شيء من أفعاله، ولا من أفعال العباد الاختيارية منها والاضطرارية، كما قال الله -تعالى-:(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)(الحج: 70) وقال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام: 112) وقال: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ
وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 137) وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)(البقرة: من الآية253) .
وبعد فإن الجدير بالمرء ألا يبحث في نفسه ولا مع غيره في مثل هذه الأمور التي توجب له التشوش، وتوهم معارضة الشرع بالقدر، فإن ذلك ليس من دأب الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الناس على معرفة الحقائق وأقربهم من معين إرواء الغلة، وكشف الغمة، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)) . فقلنا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ (وفي رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) قال: ((لا اعملوا فكل ميسر)) (1) وفي رواية: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة. وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة)) (2) ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)(الليل5)) (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)(6)(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)(الليل: 7)(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى)(8)(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . (الليل: الآيات 5، 10) . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاتكال على الكتاب وترك العمل، لأنه لا سبيل إلى العلم به، وأمر بما
(1) أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً. ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) .
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر (1362) ، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (2647) .