الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَفْعُولُ (انْبِذْ) مَحْذُوفٌ بِقَرِينَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ [الْأَنْفَال: 56] وَقَوْلِهِ: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً أَيِ انْبِذْ عَهْدَهُمْ.
وَعُدِّيَ «انْبِذْ» بِ (إِلَى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى ارْدُدْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وَقَدْ فُهِمَ مِنْ ذَلِك لَا يَسْتَمِرَّ عَلَى عَهْدِهِمْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي كَيْدِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يَخُونُهُمْ لأنّ أمره ينْبذ عَهده مَعَهم ليستلزم أَنَّهُ لَا يَخُونُهُمْ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ تَذْيِيلٌ لِمَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً إِلَخْ تَصْرِيحًا وَاسْتِلْزَامًا. وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُمْ، لِأَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِالْخِيَانَةِ فَلَا تَسْتَمِرَّ عَلَى عَهْدِهِمْ فَتَكُونَ مُعَاهِدًا لِمَنْ لَا يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ مِنَ الْخَائِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ
خَوَّاناً أَثِيماً
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [107] . وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ النَّحَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: «هَذَا مِنْ مُعْجِزِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ مِثْلُهُ عَلَى اخْتِصَارِهِ وَكَثْرَةِ مَعَانِيهِ» .
قُلْتُ: وَمَوْقِعُ (إِنَّ) فِيهِ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِرَدِّ عَهْدِهِمْ وَنَبْذِهِ إِلَيْهِمْ فَهِيَ مُغْنِيَةٌ غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ، وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهَذَا مِنْ نكت الإعجاز.
[59]
[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 59]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)
تَسْلِيَة النبيء صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا بَدَأَهُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ مِنَ الْخِيَانَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَتْ قُرَيْظَةُ، وَمَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أِبَيِّ سَلُولَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُلُولِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَجَوْا يَوْمَ بَدْرٍ، وَطَمْأَنَةٌ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ سَيُدَالُونَ مِنْهُمْ، وَيَأْتُونَ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، وَتَهْدِيدٌ لِلْعَدُوِّ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُمَكِّنُ مِنْهُمُ الْمُسْلِمِينَ.
وَالسَّبْقُ مُسْتَعَارٌ لِلنَّجَاةِ ممّن يطْلب، والتلفّت مِنْ سُلْطَتِهِ. شَبَّهَ الْمُتَخَلِّصَ مِنْ طَالِبِهِ بِالسَّابِقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [العنكبوت: 4] وَقَالَ بَعْضُ بَنِي فَقْعَسٍ:
كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ مَرَّةً
…
إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ