الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 57]
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [التَّوْبَة: 56] .
وَالْمَلْجَأُ: مَكَانُ اللَّجَإِ، وَهُوَ الْإِيوَاءُ وَالِاعْتِصَامُ.
وَالْمَغَارَاتُ: جَمْعُ مَغَارَةٍ، وَهِيَ الْغَارُ الْمُتِّسِعُ الَّذِي يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الْوُلُوجَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ اشْتُقَّ لَهَا الْمَفْعَلُ: الدَّالُّ عَلَى مَكَانِ الْفِعْلِ، مِنْ غَارَ الشَّيْءُ إِذَا دَخَلَ فِي الْأَرْضِ.
وَالْمُدَّخَلُ مُفْتَعَلٌ اسْمُ مَكَانٍ لِلِادِّخَالِ الَّذِي هُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الدُّخُولِ. قُلِبَتْ تَاءُ الِافْتِعَالِ دَالًا لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الدَّالِ، كَمَا أُبْدِلَتْ فِي ادَّانَ، وَبِذَلِكَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ أَوْ مُدَّخَلًا- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ- اسْمُ مَكَانٍ مِنْ دَخَلَ.
وَمَعْنَى لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لَانْصَرَفُوا إِلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ وَأَصْلُ وَلَّى أَعْرَضَ وَلَمَّا كَانَ الْإِعْرَاضُ يَقْتَضِي جِهَتَيْنِ: جِهَةً يَنْصَرِفُ عَنْهَا، وَجِهَةً يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا، كَانَتْ تَعْدِيَتُهُ بِأَحَدِ الْحَرْفَيْنِ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ.
وَالْجُمُوحُ: حَقِيقَتُهُ النُّفُورُ، وَاسْتُعْمِلَ هُنَا تَمْثِيلًا لِلسُّرْعَةِ مَعَ الْخَوْفِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لِخَوْفِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ لَوْ وَجَدُوا مَكَانًا مِمَّا يَخْتَفِي فِيهِ الْمُخْتَفِي فَلَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ لَقَصَدُوهُ مُسْرِعِينَ خَشْيَةَ أَنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ إِلَى الْغَزْو.
[58]
[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 58]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
عُرِفَ الْمُنَافِقُونَ بِالشُّحِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [الْأَحْزَاب: 19]- وَقَالَ- أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الْأَحْزَاب: 19] وَمِنْ شُحِّهِمْ أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا رَأَوْهَا تُوَزَّعُ
عَلَى غَيْرِهِمْ طَعَنُوا فِي إِعْطَائِهَا بِمَطَاعِنَ يُلْقُونَهَا فِي أَحَادِيثِهِمْ، وَيُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَغَارُونَ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَيَشْمَئِزُّونَ مِنْ صَرْفِهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يَرُومُونَ بِذَلِكَ أَنْ تُقْصَرَ عَلَيْهِمْ.
رُوِيَ أَنَّ أَبَا الْجَوَّاظِ، مِنَ الْمُنَافِقِينَ، طَعَنَ فِي أَنْ أَعْطَى النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ بَعْضَ ضُعَفَاءِ الْأَعْرَابِ رِعَاءِ الْغَنَمِ، إِعَانَةً لَهُمْ، وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا بِالْعَدْلِ أَنْ يَضَعَ صَدَقَاتِكُمْ فِي رِعَاءِ الْغَنَمِ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُقَسِّمَهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ شَافَهَ بِذَلِكَ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيِّ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم:
اعْدِلْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ ذَهَبٍ جَاءَ مِنَ الْيَمَنِ سَنَةَ تِسْعٍ، فَلَعَلَّ السَّبَبَ تَكَرَّرَ، وَقَدْ كَانَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ.
واللّمز الْقَدْحُ وَالتَّعْيِيبُ، مُضَارِعُهُ مِنْ بَابِ يَضْرِبُ، وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَمِنْ بَابِ يَنْصُرُ، وَبِهِ قَرَأَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ.
وَأُدْخِلَتْ فِي عَلَى الصَّدَقاتِ، وَإِنَّمَا اللَّمْزُ فِي تَوْزِيعِهَا لَا فِي ذَوَاتِهَا: لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ، فَهَذَا مِنْ إِسْنَادِ الْحُكْمِ إِلَى الْأَعْيَانِ وَالْمُرَادُ أَحْوَالُهَا.
ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا يَحْتَمِلُ: أَنَّ الْمُرَادَ ظَاهِرُ الضَّمِيرِ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَذْكُورِ، أَيْ إِنْ أُعْطِيَ اللَّامِزُونَ، أَيْ أَنَّ الطَّاعِنِينَ يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ بِوَجْهِ هَدِيَّةٍ وَإِعَانَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بُلُوغِهِمُ الْغَايَةَ فِي الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ مِنْهُمْ أَيْ: فَإِنْ أُعْطِيَ الْمُنَافِقُونَ رَضِيَ اللَّامِزُونَ، وَإِنْ أُعْطِيَ غَيْرُهُمْ سَخِطُوا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرُومُونَ أَنْ لَا تُقَسَّمَ الصَّدَقَاتُ إِلَّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَلِذَلِكَ كَرِهَ أَبُو الْجَوَّاظِ أَنْ يُعْطَى الْأَعْرَابُ مِنَ الصَّدَقَاتِ.
وَلَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلِّقُ رَضُوا، لِأَنَّ الْمُرَادَ صَارُوا رَاضِينَ، أَيْ عَنْكَ.
وَدَلَّتْ إِذا الْفُجَائِيَّةُ عَلَى أَنَّ سخطهم أَمر يفاجىء الْعَاقِلَ حِينَ يَشْهَدُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَظِنَّةِ سَخَطٍ، وَشَأْنُ الْأُمُورِ الْمُفَاجِئَةِ أَنْ تَكُونَ غَرِيبَةً فِي بَابهَا.