المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8) : آية 75] - التحرير والتنوير - جـ ١٠

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 50 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 75]

- ‌9- سُورَةُ التَّوْبَةِ

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 14 الى 15]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : الْآيَات 75 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 92]

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8) : آية 75]

[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 74]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)

الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ

[الْأَنْفَال: 73]، وَجُمْلَةِ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا [الْأَنْفَال: 75] الْآيَةُ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَبَيَانِ جَزَائِهِمْ وَثَوَابِهِمْ، بَعْدَ بَيَانِ أَحْكَامِ وَلَايَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ:

أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الْأَنْفَال: 72] فَلَيْسَتْ هَذِهِ تَكْرِيرًا لِلْأُولَى، وَإِنْ تَشَابَهَتْ أَلْفَاظُهَا: فَالْأُولَى لِبَيَانِ وَلَايَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَهَذِهِ وَارِدَةٌ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالشَّهَادَةِ لَهُمْ بِصِدْقِ الْإِيمَانِ مَعَ وَعْدِهِمْ بِالْجَزَاءِ.

وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِمِثْلِ الْغَرَضِ الَّذِي جِيءَ بِهِ لِأَجْلِهِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الْأَنْفَال: 72] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهَذِهِ الصِّيغَةُ صِيغَةُ قَصْرٍ، أَيْ قَصْرِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُهَاجِرُوا، وَالْقَصْرُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِالْحَالِ فِي قَوْلِهِ: حَقًّا. فَقَوْلُهُ: حَقًّا حَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنُونَ وَهُوَ مَصْدَرٌ جُعِلَ مِنْ صِفَتِهِمْ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ حَاقُّونَ، أَيْ مُحَقِّقُونَ لِإِيمَانِهِمْ بِأَنْ عَضَّدُوهُ بِالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَلَيْسَ الْحَقُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلْبَاطِلِ، حَتَّى يَكُونَ إِيمَانُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُهَاجِرُوا بَاطِلًا، لِأَنَّ قَرِينَةَ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا [الْأَنْفَال: 72] مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ قَدْ أَثْبَتَ لَهُمُ الْإِيمَانَ، وَنَفَى عَنْهُمُ اسْتِحْقَاقَ وَلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَالرِّزْقُ الْكَرِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّفْعَ بِهِ ضُرٌّ وَلَا نَكَدٌ، فَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَا كَدَرَ فِيهِ.

[75]

[سُورَة الْأَنْفَال (8) : آيَة 75]

وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)

وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ.

بَعْدَ أَنْ مَنَعَ اللَّهُ وَلَايَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلَّذِينَ آمنُوا وَلم يهجروا بِالصَّرَاحَةِ، ابْتِدَاءً وَنَفَى عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا تَحْقِيقَ الْإِيمَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُثِيرًا فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ أَنْ يَتَسَاءَلُوا

ص: 89

هَلْ لِأُولَئِكَ تَمَكُّنٌ مِنْ تَدَارُكِ أَمْرِهِمْ بِرَأْبِ هَذِهِ الثُّلْمَةِ عَنْهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ بَابَ التَّدَارُكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ:

وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ.

فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيَانًا، وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ تَكُونَ مَفْصُولَةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ، وَلَكِنْ عُدِلَ عَنِ الْفَصْلِ إِلَى الْعَطْفِ تَغْلِيبًا لِمَقَامِ التَّقْسِيمِ الَّذِي اسْتَوْعَبَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ.

وَدُخُولُ الْفَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ لِتَضْمِينِ الْمَوْصُولِ مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَاءَ كَالْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا إِلَخْ، أَيْ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ حَالِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَمِنْ حَالِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا، فَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَبِذَلِكَ صَارَ فِعْلُ آمَنُوا تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ مِنْ هاجَرُوا وَجاهَدُوا لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ بَعْدُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: إِذَا حَصَلَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، لِيَكُونَ أَصْحَابُ هَذِهِ الصِّلَةِ قِسْمًا مُغَايِرًا لِلْأَقْسَامِ السَّابِقَةِ. فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ آمَنُوا مِنْ بَعْدِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْدُ لَا حَاجَةَ إِلَى بَيَانِ حُكْمِ الِاعْتِدَادِ بِإِيمَانِهِمْ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ: بَيَانُ أَنَّهُمْ إِنْ تَدَارَكُوا أَمْرَهُمْ بِأَنْ هَاجَرُوا قُبِلُوا وَصَارُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ بِنَاءُ بَعْدُ عَلَى الضَّمِّ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: مِنْ بَعْدِ مَا قُلْنَاهُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَإِلَّا صَارَ هَذَا الْكَلَامُ إِعَادَةً لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ، وَبِذَلِكَ تَسْقُطُ الِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَقْدِيرِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (بَعْدُ) .

وَفِي قَوْلِهِ: مَعَكُمْ إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ دُونَ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَقِرُّوا بِدَارِ الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي الْجِهَادِ مُدَّةً.

وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا، دُونَ الضَّمِيرِ، لِلِاعْتِنَاءِ بِالْخَبَرِ وَتَمْيِيزِهِمْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ.

وَ «مِنْ» فِي قَوْله: مِنْكُمْ تبعضية، وَيُعْتَبَرُ الضَّمِير الْمَجْرُور بِمن، جَمَاعَةُ الْمُهَاجِرِينَ أَيْ فَقَدْ صَارُوا مِنْكُمْ، أَيْ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ وَلَايَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ.

ص: 90

وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْلُهُ: فَأُولئِكَ مِنْكُمْ أَيْ مِثْلُكُمْ فِي النَّصْرِ وَالْمُوَالَاةِ، قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِي الْمَوَارِيثِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُهُ: فَأُولئِكَ مِنْكُمْ «يَعْنِي فِي الْمُوَالَاةِ وَالْمِيرَاثِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ، أَيِ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ فِي أَنَّ الْمُهَاجِرَ يَرِثُ الْأَنْصَارِيَّ وَالْعَكْسِ، وَهُوَ قَوْلُ فِرْقَةٍ. وَقَالُوا: إِنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ.

عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ فَلَا يَقْتَضِي اتِّحَادًا بَيْنَ الْمَعْطُوفَةِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ وُقُوعَ هَذِهِ الْآيَةِ بِإِثْرِ التَّقَاسِيمِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ لَهَا حَظًّا فِي إِتْمَامِ التَّقْسِيمِ، وَقَدْ جُعِلَتْ فِي

الْمَصَاحِفِ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا آيَةً وَاحِدَةً.

فَيَظْهَرُ أَنَّ التَّقَاسِيمَ السَّابِقَةَ لَمَّا أَثْبَتَتْ وَلَايَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَفَتْ وَلَايَةً مِنْ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ الْكَافِرِينَ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ وَبَيْنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا حَتَّى يُهَاجِرُوا، ثُمَّ عَادَتْ عَلَى الَّذِينَ يُهَاجِرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ تَقَاعُسِهِمْ عَنِ الْهِجْرَةِ بِالْبَقَاءِ فِي دَارِ الْكُفْرِ مُدَّةً، فَبَيَّنَتْ أَنَّهُمْ إِنْ تَدَارَكُوا أَمْرَهُمْ وَهَاجَرُوا يَدْخُلُونَ بِذَلِكَ فِي وَلَايَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ يَشْغَلُ السَّامِعِينَ عَنْ وَلَايَةِ ذَوِي أَرْحَامِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُذَكِّرُ بِأَنَّ وَلَايَةَ الْأَرْحَامِ قَائِمَةٌ وَأَنَّهَا مُرَجِّحَةٌ لِغَيْرِهَا مِنَ الْوَلَايَةِ فَمَوْقِعُهَا كَمَوْقِعِ الشُّرُوطِ، وَشَأْنُ الصِّفَاتِ وَالْغَايَاتِ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْجُمَلِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَاتُ قَبْلَهَا مِنَ الْوَلَايَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ مُقَيِّدَةً الْإِطْلَاقَ الَّذِي فِيهَا.

وَظَاهِرُ لَفْظِ الْأَرْحامِ جَمْعُ رَحِمٍ وَهُوَ مَقَرُّ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي اللُّغَةِ، فَجَعَلَ الْمُرَادَ مِنْ أُولِي الْأَرْحَامِ ذَوِي الْقَرَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْأُمُومَةِ، وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمُرَادَ مِنَ الْأَرْحَامِ الْعَصَابَاتِ دُونَ الْمَوْلُودِينَ بِالرَّحِمِ. قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ لَفْظَ الرَّحِمِ يُرَادُ بِهِ الْعَصَابَةُ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ فِي الدُّعَاءِ «وَصَلَتْكَ رَحِمٌ» ، وَكَقَوْلِ قَتِيلَةَ بِنْتِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ:

ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ

لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُمَزَّقُ

ص: 91

حَيْثُ عَبَّرَتْ عَنْ نَوْشِ بَنِي أَبِيهِ بِتَمْزِيقِ أَرْحَامٍ.

وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْلى هُوَ صِيغَةُ تَفْضِيلٍ أَنَّ الْوَلَايَةَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا تُعْتَبَرُ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّ الْولَايَة الشَّرْعِيَّة فأولوا الْأَرْحَامِ أَوْلَى بِالْوَلَايَةِ مِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَلَايَةٌ تَامَّةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي وَلَايَةِ النَّصْرِ فِي الدَّين إِذا لَمْ يَقُمْ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ تَرْكِ هِجْرَةٍ، فَالْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاءُ وَلَايَةَ الْإِيمَانِ، وَأُولُو الْأَرْحَامِ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاءُ وَلَايَةَ النَّسَبِ، وَلِوَلَايَةِ الْإِسْلَامِ حُقُوقٌ مُبَيَّنَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِوَلَايَةِ الْأَرْحَامِ حُقُوقٌ مُبَيَّنَةٌ أَيْضًا، بِحَيْثُ لَا تُزَاحِمُ إِحْدَى الْوَلَايَتَيْنِ الْأُخْرَى، وَالِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْبَيَانِ مُؤذن بِمَا لَو شائج الْأَرْحَامِ مِنَ الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ، فَلِذَلِكَ عُلِّقَتْ أَوْلَوِيَّةُ الْأَرْحَامِ بِأَنَّهَا كَائِنَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِهِ.

وَكِتَابُ اللَّهِ قَضَاؤُهُ وَشَرْعُهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، إِمَّا بَاقٍ عَلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ هُوَ بِمَعْنَى

الْمَفْعُولِ، أَيْ مَكْتُوبَةٌ كَقَوْلِ الرَّاعِي:

كَانَ كِتَابُهَا مَفْعُولَا (1) وَجَعْلُ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةِ كَائِنَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ كِنَايَةٌ عَن عدم تَعْبِيره، الأنّهم كَانُوا إِذَا أَرَادُوا تَوْكِيدَ عَهْدٍ كَتَبُوهُ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:

حَذَرَ الْجَوْرِ والتّطاخي وَهل ين

قض مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ

فَتَقْيِيدُ أَوْلَوِيَّةِ أُولِي الْأَرْحَامِ بِأَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فِطْرِيٌّ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَأَثْبَتَهُ بِمَا وَضَعَ فِي النَّاسِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى قَرَابَاتِهِمْ، كَمَا

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ أَخَذَتْ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ»

الْحَدِيثَ. فَلَمَّا كَانَتْ وَلَايَةُ الْأَرْحَامِ أَمْرًا مُقَرَّرًا فِي الْفِطْرَةِ، وَلَمْ تَكُنْ وَلَايَةُ الدِّينِ مَعْرُوفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ وَلَايَةَ الدِّينِ لَا تُبْطِلُ وَلَايَةَ الرَّحِمِ إِلَّا إِذَا تَعَارَضَتَا، لِأَنَّ أَوَاصِرَ الْعَقِيدَةِ وَالرَّأْيِ أَقْوَى مِنْ أَوَاصِرِ الْجَسَدِ، فَلَا يُغَيِّرُهُ مَا وَرَدَ هُنَا مِنْ أَحْكَامِ وَلَايَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ الْأَصْلِيِّ لِوَلَايَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَانُوا مُقَدَّمِينَ عَلَى أَهْلِ الْوَلَايَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الْوَلَايَةُ، وَيَنْتَفِي التَّفْضِيلُ بِانْتِفَاءِ أَصْلِهَا، فَلَا وَلَايَةَ لِأُولِي الْأَرْحَامِ إِذَا كَانُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ.

(1) أول الْبَيْت.

حَتَّى إِذا قرت عجاجة فتْنَة

عمياء كَانَ كتابها مَفْعُولا

ص: 92

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ وَلَايَةَ الْأَرْحَامِ هُنَا هَلْ تَشْمَلُ وَلَايَةَ الْمِيرَاثِ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ فِي الْمَوَارِيثِ أَيْ فَهِيَ وَلَايَةُ النَّصْرِ وَحُسْنُ الصُّحْبَة، أَي فنقصر عَلَى مَوْرِدِهَا وَلَمْ يَرَهَا مُسَاوِيَةً لِلْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ إِذْ لَيْسَتْ صِيغَتُهَا صِيغَةَ عُمُومٍ، لِأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ قَوْلُهُ: أَوْلى بِبَعْضٍ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ تَشْمَلُ وَلَايَةَ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الْوَلَايَةُ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، فَبَطَلَ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

بِقَوْلِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»

فَيَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ عِنْدَهُمْ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءِ الْكُوفَةِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُقَيِّدَةً لِإِطْلَاقِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ كُلِّهِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ غُمُوضًا جَعَلَهَا مَرَامِيَ لِمُخْتَلَفِ الْأَفْهَامِ وَالْأَقْوَالِ. وَأَيًّا مَا كَانَتْ فَقَدْ

جَاءَ بَعْدَهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا أَغْنَى عَنْ زِيَادَةِ الْبَسْطِ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ هُوَ مُؤْذِنٌ بِالتَّعْلِيلِ لِتَقْرِيرِ أَوْلَوِيَّةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِيمَا فِيهِ اعْتِدَادٌ بِالْوَلَايَةِ، أَيْ إِنَّمَا اعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةُ فِي الْوَلَايَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لِآصِرَةِ الرَّحِمِ حَقًّا فِي الْوَلَايَةِ هُوَ ثَابِتٌ مَا لَمْ يُمَانِعْهُ مَانِعٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ، لِأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَهَذَا الْحُكْمُ مِمَّا عَلِمَ، اللَّهُ أَنَّ إِثْبَاتَهُ رِفْقٌ ورأفة بالأمّة.

ص: 93