المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الطواف بالقبور ودعاء أصحابها والنذر لهم - فتاوى مهمة لعموم الأمة

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌أَنْوَاع التَّوْحِيد

- ‌خَصَائِص الْفرْقَة النَّاجِية

- ‌سَبَب قُوَّة الْمُسلمين

- ‌أَنْوَاع الشّرك

- ‌شَاب يُقيم أَرْكَان الْإِسْلَام لكنه يرتكب بعض الْمعاصِي فَمَا حكمه

- ‌تَعْرِيف الْبِدْعَة

- ‌كرامات الْأَوْلِيَاء

- ‌الاحتفال بالمود النَّبَوِيّ بِدعَة محدثة فِي الدّين

- ‌حكم الْحلف بِغَيْر الله

- ‌حكم زِيَارَة الْقُبُور والتوسل بالأضرحة وَأخذ أَمْوَال للتوسل بهَا

- ‌حكم زِيَارَة قُبُور الْأَوْلِيَاء وَقِرَاءَة الْقُرْآن على الْقُبُور

- ‌حكم الطّواف بالقبور وَدُعَاء أَصْحَابهَا وَالنّذر لَهُم

- ‌التوسل وَأَحْكَامه

- ‌الذّبْح لغير الله شرك

- ‌حكم الإستغاثة بِغَيْر

- ‌حكم دُعَاء أَصْحَاب الْقُبُور

- ‌حكم التوسل بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الرَّد على شُبْهَة للقبوريين

- ‌حكم السّفر لزيارة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم تَعْلِيق الصُّور

- ‌حل السحر بِسحر مثله

- ‌الْوِقَايَة من الْعين

- ‌الرقى والتمائم

- ‌الرّقية الشَّرْعِيَّة والغير شَرْعِيَّة

- ‌مَا حكم مُوالَاة الْكفَّار

- ‌وجوب عَدَاوَة اليهو وَالْمُشْرِكين وَغَيرهم من الْكفَّار

- ‌مَا حكم الْإِقَامَة فِي بِلَاد الْكفَّار

- ‌حكم من يحكم بِغَيْر مَا أنزل الله

- ‌الِاسْتِهْزَاء بالملتزمين بأوامر الله وَرَسُوله

- ‌هَل يعْتَبر الشعة فِي حكم الْكَافرين

- ‌النّظر إِلَى الصُّور الْمُحرمَة

- ‌حكم زِيَارَة النِّسَاء للقبور

- ‌الْمَرْأَة والدعوة إِلَى الله

- ‌حكم تَحْدِيد النَّسْل الْعَزْل مَشْرُوط بِإِذن الزَّوْجَة

- ‌فسخ زواج من لَا يُصَلِّي

الفصل: ‌حكم الطواف بالقبور ودعاء أصحابها والنذر لهم

‌حكم الطّواف بالقبور وَدُعَاء أَصْحَابهَا وَالنّذر لَهُم

17 -

سُؤال فِي الْكثير من الْبِلَاد الإسلامية من يعبد الْقُبُور بِالطّوافِ حولهَا وَدُعَاء أَصْحَابهَا وينذر لَهُم وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْعِبَادَة نرجو من فَضِيلَة الشَّيْخ تَوْجِيه النَّصِيحَة لَهُم الْفَتْوَى هَذَا السُّؤَال سُؤال عَظِيم وَجَوَابه يحْتَاج إِلَى بسط بعون الله عز وجل فَنَقُول إِن أَصْحَاب الْقُبُور ينقسمون إِلَى قسمَيْنِ الْقسم الأول قسم توفّي على الْإِسْلَام ويثني النَّاس عَلَيْهِ خيرا فَهَذَا يُرْجَى لَهُ الْخَيْر وَلكنه مفتقر إِلَى إخوانه الْمُسلمين يدعونَ الله لَهُ بالمغفرة وَالرَّحْمَة وَهُوَ دَاخل فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رءوف رَحِيم (1) وَهُوَ بِنَفسِهِ لَا ينفع

ص: 81

أحدا إِذْ أَنه ميت جثة لَا يَسْتَطِيع أَن يدْفع عَن نَفسه الضّر وَلَا عَن غَيره وَلَا أَن يجلب لنَفسِهِ النَّفْع وَلَا لغيره فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى نفع إخوانه غير نَافِع لَهُم الْقسم الثَّانِي من أَصْحَاب الْقُبُور من أَفعاله تُؤدِّي إِلَى فسقه الْفسق الْمخْرج من الْملَّة كأولئك الَّذين يدعونَ أَنهم أَوْلِيَاء ويعلمون الْغَيْب ويشفون من الْمَرَض ويجلبون الْخَيْر والنفع بِأَسْبَاب غير مَعْلُومَة حسا وَلَا شرعا فَهَؤُلَاءِ الَّذين مَاتُوا على الْكفْر لَا يجوز الدُّعَاء لَهُم وَلَا التراحم عَلَيْهِم لقَوْل الله تَعَالَى مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى من بعد مَا تبين لَهُم أَنهم أَصْحَاب الْجَحِيم وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله تَبرأ مِنْهُ إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم (1) وهم لَا ينفعون أحدا وَلَا يضرونه وَلَا يجوز لأحد أَن يتَعَلَّق بهم وَإِن قدر أَن أحدا رأى كرامات لَهُم مثل أَن يتَرَاءَى لَهُ أَن فِي قُبُورهم نورا أَو أَنه يخرج مِنْهَا رَائِحَة طيبَة أَو مَا أشبه ذَلِك وهم معروفون بِأَنَّهُم مَاتُوا على

ص: 82

الْكفْر فَإِن هَذَا من خداع إِبْلِيس وغروره ليفتن هَؤُلَاءِ بأصحاب هَذِه الْقُبُور وإنني أحذر إخْوَانِي الْمُسلمين من أَن يتعلقوا بِأحد سوى الله عز وجل فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله وَلَا يُجيب دَعْوَة الْمُضْطَر إِلَّا الله وَلَا يكْشف السوء إِلَّا الله قَالَ تَعَالَى وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله ثمَّ إِذا مسكم الضّر فإليه تجأرون (1) ونصيحتي لَهُم أَيْضا أَن لَا يقلدوا فِي دينهم وَلَا يتبعوا أحدا إِلَّا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقَوْل الله تَعَالَى لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثيرا (2) وَلقَوْله تَعَالَى قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله (3) وَيجب على جَمِيع الْمُسلمين أَن يزنوا أَعمال من يَدعِي الْولَايَة بِمَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة فَإِن وَافق الْكتاب وَالسّنة فَإِنَّهُ

ص: 83

يُرْجَى أَن يكون من أَوْلِيَاء الله إِن خَالف الْكتاب وَالسّنة فَلَيْسَ من أَوْلِيَاء الله وَقد ذكر الله فِي كِتَابه ميزانا قسطا عدلا فِي معرفَة أَوْلِيَاء الله حَيْثُ قَالَ أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (1) فَمن كَانَ مُؤمنا تقيا كَانَ لله وليا وَمن لم يكن كَذَلِك فَلَيْسَ بولِي لله وَإِن كَانَ مَعَه بعض الْإِيمَان وَالتَّقوى كَانَ فِيهِ شَيْء من الْولَايَة وَمَعَ ذَلِك فإننا لَا نجزم لشخص بِعَيْنِه بِشَيْء ولكننا نقُول على سَبِيل الْعُمُوم كل من كَانَ مُؤمنا تقيا كَانَ لله وليا وليعلم أَن الله عز وجل قد يفتن الْإِنْسَان بِشَيْء من مثل هَذِه الْأُمُور فقد يتَعَلَّق الْإِنْسَان بالقبر فيدعو صَاحبه أَو يَأْخُذ من ترابه يتبرك بِهِ فَيحصل مَطْلُوبه وَيكون ذَلِك فتْنَة من الله عز وجل لهَذَا الرجل لأننا نعلم أَن هَذَا الْقَبْر لَا يُجيب الدُّعَاء وَأَن هَذَا التُّرَاب لَا يكون سَببا لزوَال ضَرَر أَو جلب نفع نعلم ذَلِك لقَوْل الله تَعَالَى وَمن أضلّ مِمَّن يدعوا من دون الله من لَا يستجيب لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وهم عَن دُعَائِهِمْ غافلون وَإِذا حشر النَّاس كَانُوا لَهُم أَعدَاء

ص: 84

وَكَانُوا بعبادتهم كَافِرين (1) وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين يدعوم من دون الله لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون أموات غير أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون (2) والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة تدل على أَن كل من دعِي من دون الله فَلَنْ يستجيب الدُّعَاء وَلنْ ينفع الدَّاعِي وَلَكِن قد يحصل الْمَطْلُوب الْمَدْعُو بِهِ عِنْد دُعَاء غير الله فتْنَة وامتحانا ونقول إِنَّه حصل هَذَا الشَّيْء عِنْد الدُّعَاء أَي عِنْد دُعَاء هَذَا الَّذِي دعِي من دون الله لَا بدعائه وَفرق بَين حُصُول الشَّيْء بالشَّيْء وَبَين حُصُول الشَّيْء عِنْد الشَّيْء فإننا نعلم علم الْيَقِين أَن دُعَاء غير الله لَيْسَ سَببا لجلب النَّفْع أَو دفع الضَّرَر بِالْآيَاتِ الْكَثِيرَة الَّتِي ذكرهَا الله عز وجل فِي كِتَابه وَلَكِن قد يحصل الشَّيْء عِنْد هَذَا الدُّعَاء فتْنَة وامتحانا وَالله تَعَالَى قد يَبْتَلِي الْإِنْسَان بِأَسْبَاب الْمعْصِيَة ليعلم سبحانه وتعالى من كَانَ عبدا لله وَمن كَانَ عبدا لهواه أَلا ترى إِلَى أَصْحَاب السبت من الْيَهُود حَيْثُ حرم الله

ص: 85

عَلَيْهِم أَن يصطادوا الْحيتَان فِي يَوْم السبت فَابْتَلَاهُمْ الله عز وجل فَكَانَت الْحيتَان تَأتي يَوْم السبت بِكَثْرَة عَظِيمَة وَفِي غير يَوْم السبت تختفي فطال عَلَيْهِم الأمد وَقَالُوا كَيفَ نحرم أَنْفُسنَا هَذِه الْحيتَان ثمَّ فَكروا وقدروا ونظروا فَقَالُوا نجْعَل شبكة ونضعها يَوْم الْجُمُعَة ونأخذ الْحيتَان مِنْهَا يَوْم الْأَحَد فأقدموا على هَذَا الْفِعْل الَّذِي هُوَ حِيلَة على محارم الله فقلبهم الله قردة خَاسِئِينَ قَالَ الله تَعَالَى وسئلهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر إِذْ يعدون فِي السبت إِذْ تأتيهم حيتانهم يَوْم سبتهم شرعا ويم لَا يسبتون لَا تأتيهم كَذَلِك نبلوهم بِمَا كَانُوا يفسقون (1) وَقَالَ عز وجل وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا مِنْكُم فِي السبت فَقُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ فجعلناها نكالا لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا وموعظة لِلْمُتقين (2) فَانْظُر يسر الله لَهُم هَذِه الْحيتَان فِي الْيَوْم الَّذِي منعُوا من صيدها فِيهِ وَلَكنهُمْ وَالْعِيَاذ بِاللَّه لم يصبروا فَقَامُوا بِهَذِهِ الْحِيلَة على محارم الله

ص: 86

ثمَّ انْظُر إِلَى مَا حصل لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ ابْتَلَاهُم الله تَعَالَى وهم محرمين بالصيود الْمُحرمَة على الْمحرم فَكَانَت فِي متناول أَيْديهم وَلَكنهُمْ رضي الله عنهم لم يجرؤا على شَيْء مِنْهَا قَالَ الله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم (1) كَانَت الصيود العادية الطائرة فِي متناول أَيْديهم يمسكون الصَّيْد العادي بِالْيَدِ وينالون الصَّيْد الطَّائِر بِالرِّمَاحِ فيسهل عَلَيْهِم جدا وَلَكنهُمْ رضي الله عنهم خَافُوا الله عز وجل فَلم يقدموا على أَخذ شَيْء من الصيود وَهَكَذَا يحب على الْمَرْء إِذا هيئت لَهُ أَسبَاب الْفِعْل الْمحرم أَن يَتَّقِي الله عز وجل وَأَن لَا يقدم على فعل هَذَا الْمحرم وَأَن يعلم أَن تيسير أَسبَابه من بَاب الإبتلاء والإمتحان فليحجم وليصبر فَإِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين فتاوي الشَّيْخ ابْن عثيمين 1220

ص: 87