الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتبين لَهُ الْأَمر فَأرى أَنه يجب على أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن يتحدوا حَتَّى وَإِن اخْتلفُوا فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِيمَا تَقْتَضِيه النُّصُوص حسب أفهامهم فَإِن هَذَا أَمر فِيهِ سَعَة وَللَّه الْحَمد والمهم ائتلاف الْقُلُوب واتحاد الْكَلم وَلَا ريب أَن أَعدَاء الْمُسلمين يحبونَ من الْمُسلمين أَن يتفرقوا سَوَاء كَانُوا أَعدَاء يصرحون بالعداوة أَو أَعدَاء يتظاهرون بِالْولَايَةِ للْمُسلمين أَو لِلْإِسْلَامِ وهم لَيْسُوا كَذَلِك فَالْوَاجِب أَن نتميز بِهَذِهِ الميزة الَّتِي هِيَ ميزة للطائفة النَّاجِية وَهِي الإتفاق على كلمة وَاحِدَة الْمَجْمُوع الثمين 254
سَبَب قُوَّة الْمُسلمين
3 -
سُئِلَ الشَّيْخ يَدعِي بعض النَّاس أَن سَبَب تخلف الْمُسلمين هُوَ تمسكهم بدينهم وشبهتهم فِي ذَلِك أَن الغرب لما تخلوا عَن جَمِيع الديانَات وتحرروا مِنْهَا وصلوا إِلَى مَا وصلوا إِلَيْهِ من التَّقَدُّم الحضاري وَرُبمَا أيدوا وشبهتهم بِمَا عِنْد الغرب من الأمطار الْكَثِيرَة والزروع فَمَا رَأْي فضيلتكم
فَأجَاب بقوله هَذَا الْكَلَام لَا يصدر إِلَّا من ضَعِيف الْإِيمَان أومفقود الْإِيمَان جَاهِل بالتاريخ غير عَالم بِأَسْبَاب النَّصْر فالأمة الإسلامية لما كَانَت متمسكة بدينها فِي صدر الْإِسْلَام كَانَ لَهَا الْعِزَّة والتمكين وَالْقُوَّة والسيطرة فِي جَمِيع نواحي الْحَيَاة بل إِن بعض النَّاس يَقُول إِن الغرب لم يستفيدوا مَا استفادوه من الْعُلُوم إِلَّا مَا نقلوه عَن المسلمن فِي صدر الْإِسْلَام وَلَكِن الْأمة الإسلامية تخلفت كثيرا عَن دينهَا وابتدعت فِي دين الله مَا لَيْسَ مِنْهُ عقيدة وقولا وفعلا وَحصل بذلك التَّأَخُّر الْكَبِير والتخلف الْكَبِير وَنحن نعلم علم الْيَقِين ونشهد الله عز وجل إننا لَو رَجعْنَا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أسلافنا فِي ديننَا لكَانَتْ لنا الْعِزَّة والكرامة والظهور على جَمِيع النَّاس وَلِهَذَا لما حدث أَبُو سُفْيَان هِرقل ملك الرّوم وَالروم فِي ذَلِك الْوَقْت تعْتَبر دولة عظمى بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابه قَالَ إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَا تَحت قدمي هَاتين وَلما خرج أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه من عِنْد هِرقل قَالَ لقد أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه لَيَخَافهُ ملك
بني الْأَصْفَر وَأما مَا حصل فِي الدول الغربية الْكَافِرَة الملحدة من التَّقَدُّم فِي الصناعات وَغَيرهَا فَإِن ديننَا لَا يمْنَع مِنْهُ لَو أننا التفتنا إِلَيْهِ لَكِن مَعَ الأسف ضيعنا هَذَا وَهَذَا ضيعنا ديننَا وضيعنا دُنْيَانَا وَإِلَّا فَإِن الدّين الإسلامي لَا يُعَارض هَذَا التَّقَدُّم بل قَالَ الله تَعَالَى وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ (1) وَقَالَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي جعل لكم الأَرْض ذلولا فامشوا فِي مناكبها وكلوا من رزقه (2) وَقَالَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا (3) وَقَالَ تَعَالَى وَفِي الأَرْض قطع متجاورات (4) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الَّتِي تعلن إعلانا ظَاهرا للْإنْسَان أَن يكْتَسب وَيعْمل وَينْتَفع لَكِن لَا على حِسَاب الدّين فَهَذِهِ الْأُمَم الْكَافِرَة هِيَ كَافِرَة
من الأَصْل دينهَا الَّذِي كَانَت تدعيه بَاطِل فَهُوَ وإلحادها على حد سَوَاء لَا فرق فَالله سبحانه وتعالى يَقُول وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ (1) وَإِن كَانَ أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَهُم بعض المزايا الَّتِي يخالفون غَيرهم فِيهَا لَكِن بِالنِّسْبَةِ للآخرة هم وَغَيرهم سَوَاء وَلِهَذَا أقسم النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه لَا يسمع بِهِ من هَذِه الْأمة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثمَّ لَا يتبع مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار فهم من الأَصْل كافرون سَوَاء انتسبوا إِلَى الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة أم لم ينتسبوا إِلَيْهَا وَأما مَا يحصل لَهُم من الأمطار وَغَيرهَا فهم يصابون بِهَذَا ابتلاء من الله تَعَالَى وامتحانا وتعجل لَهُم طيبهاتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَا قَالَ النَّبِي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الْخطاب وَقد رَآهُ قد أثر فِي جنبه حَصِير فَبكى عمر فَقَالَ يَا رَسُول الله فَارس وَالروم يعيشون فِيمَا يعيشون فِيهِ من النَّعيم وَأَنت على هَذِه الْحَالة فَقَالَ يَا عمر هَؤُلَاءِ قوم عجلت لَهُم طَيِّبَاتهمْ فِي حياتهم الدُّنْيَا أما ترْضى أَن تكون لَهُم
الدُّنْيَا وَلنَا الْآخِرَة ثمَّ إِنَّهُم يَأْتِيهم من الْقَحْط والبلايا والزلازل والعواصف المدمرة مَا هُوَ مَعْلُوم وينشر دَائِما فِي الإذاعات وَفِي الصُّحُف وَفِي غَيرهَا وَلَكِن من وَقع السُّؤَال عَنهُ أعمى أعمى الله بصيرته فَلم يعرف الْوَاقِع وَلم يعرف حَقِيقَة الْأَمر ونصيحتي لَهُ أَن يَتُوب إِلَى الله عز وجل عَن هَذِه التصورات قبل أَن يفاجئه الْمَوْت وَأَن يرجع إِلَى ربه وَأَن يعلم أَنه لَا عزة لنا وَلَا كَرَامَة وَلَا ظُهُور وَلَا سيادة إِلَّا إِذا رَجعْنَا إِلَى دين الْإِسْلَام رُجُوعا حَقِيقِيًّا يصدقهُ القَوْل وَالْفِعْل وَأَن يعلم أَن مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْكفَّار بَاطِل لَيْسَ بِحَق وَأَن مأواهم النَّار كَمَا أخبر الله بذلك فِي كِتَابه وعَلى لِسَان رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَأَن هَذَا الْإِمْدَاد الَّذِي أمدهم الله بِهِ من النعم مَا هُوَ إِلَّا ابتلاء وامتحان وتعجيل طَيّبَات حَتَّى إِذا هَلَكُوا وفارقوا هَذَا النَّعيم إِلَى الْجَحِيم ازدادت عَلَيْهِم الْحَسْرَة والألم والحزن وَهَذَا من حِكْمَة الله عز وجل بتنعيم هَؤُلَاءِ على أَنهم كَمَا قلت لم يسلمُوا من الكوارث الَّتِي تصيبهم من الزلازل والقحط والعواصف والفيضانات وَغَيرهَا فأسأل الله لهَذَا السَّائِل الْهِدَايَة