الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ»
، عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا اتَّهَمَهَا بِأَنَّهَا تُرِيدُ بِإِحْدَاثِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْحُكْمِ إِظْهَارَ الْوَهَنِ فِي الْحُكْمِ وَالْإِعْلَانِ بِتَكْذِيبِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَلَعَلَّهَا إِذَا طُلِبَ مِنْهَا الْعَقْدُ أَنْ تَمْتَنِعَ فَيُصْبِحَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِيمَا يَقَعُ صَحِيحًا وَفَاسِدًا شَرْعًا مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ اسْتِكْمَالِ شُرُوطِهِ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ، فَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا وَلِذَلِكَ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ الْمُدْلِيَ بِالْأَمْوَالِ لِلْحُكَّامِ لِيَأْكُلَ أَمْوَالَ النَّاسِ عَالِمٌ لَا مَحَالَةَ بِصُنْعِهِ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ تَشْنِيعُ الْأَمْرِ وَتَفْظِيعُهُ إِعْلَانًا بِأَنَّ أَكْلَ الْمَالِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ مِنَ الَّذِينَ أَكَلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ عَنْ عِلْمٍ وَعَمْدٍ فَجُرْمُهُ أَشَدُّ.
[189]
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 189]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ شَرَائِعِ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إِلَى إِصْلَاحِ النِّظَامِ، دَعَا إِلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنَ السُّؤَالِ، فَقَدْ رَوَى الْوَاحِدِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ أَحَدَ الْيَهُودِ سَأَلَ أَنْصَارِيًّا عَنْ الْأَهِلَّةِ وَأَحْوَالِهَا فِي الدِّقَّةِ إِلَى أَنْ تَصِيرَ بَدْرًا ثُمَّ تَتَنَاقَصُ حَتَّى تَخْتَفِيَ فَسَأَلَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ نُزُولَهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ نُزُولِ آيَاتِ فَرْضِ الصِّيَامِ بِبِضْعِ سِنِينَ لِأَنَّ آيَةَ: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها مُتَّصِلَةٌ بِهَا. وَسَيَأْتِي أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ عَامِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. فَمُنَاسَبَةُ وَضْعِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ تَوْقِيتُ الصِّيَامِ بِحُلُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَكَانَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ ذِكْرُ الْمَوَاقِيتِ لِإِقَامَةِ نِظَامِ الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَمِنْ كَمَالِ النِّظَامِ ضَبْطُ الْأَوْقَاتِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا نَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ شُرِعَ الْحَجُّ أَيْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.
وَابْتُدِئَتِ الْآيَة ب يَسْئَلُونَكَ لِأَنَّ هُنَالِكَ سُؤَالًا وَاقِعًا عَنْ أَمْرِ الْأَهِلَّةِ. وَجَمِيعُ الْآيَاتِ الَّتِي افتتحت ب يَسْئَلُونَكَ هِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِأَحْكَامٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا فَيَكُونُ مَوْقِعُهَا فِي الْقُرْآنِ مَعَ آيَاتٍ تُنَاسِبُهَا نَزَلَتْ فِي وَقْتِهَا أَوْ قُرِنَتْ بِهَا. وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَا: مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَمْتَلِئَ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَقِفْ لِهَذَا السَّبَبِ عَلَى إِسْنَادٍ.
وَجَمَعَ الضَّمِيرَ فِي قَوْله: يَسْئَلُونَكَ مَعَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ رَجُلَانِ- نَظَرًا
لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ يَهُمُّ جَمِيعَ السَّامِعِينَ أَثْنَاءَ تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ مِنْ تَمَامِ ضَبْطِ النِّظَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ قَدْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ وَاسْتَشْرَفَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لِمَعْرِفَتِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ سَأَلَ بِالْقَوْلِ وَمَنْ سَأَلَ فِي نَفْسَهُ.
وَذَكَرَ فَوَائِدَ خَلْقِ الْأَهِلَّةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْحَجِّ وَقْتًا مِنَ الْأَشْهُرِ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَ وَذَلِكَ تَمْهِيدًا لِإِبْطَالِ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ النَّسِيءِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ.
وَالسُّؤَالُ: طَلَبَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ بَذْلَ شَيْءٍ أَوْ إِخْبَارًا بِخَبَرٍ، فَإِذَا كَانَ طَلَبَ بَذْلٍ عُدِّيَ فِعْلُ السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ طَلَبَ إِخْبَارٍ عُدِّيَ الْفِعْلُ بِحَرْفِ «عَنْ» أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ آيَاتٌ مفتتحة ب يَسْئَلُونَكَ وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ غَيْرُ بعيد بَعْضهَا عَن بَعْضٍ، جَاءَ بَعْضُهَا غَيْرَ مَعْطُوفٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَبَعْضُهَا مَعْطُوفًا بِهِ وَهِيَ الثَّلَاثُ الْأَوَاخِرُ مِنْهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُفْتَتَحَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَبْيِينِ تَجَرُّدِهَا عَنِ الْعَاطِفِ لِأَنَّهَا فِي اسْتِئْنَافِ أَحْكَامٍ لَا مُقَارَنَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَضْمُونِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا فَكَانَتْ جَدِيرَةً بِالْفَصْلِ دُونَ عَطْفٍ، وَلَا يَتَطَلَّبُ لَهَا سِوَى الْمُنَاسَبَةِ لِمَوَاقِعِهَا. وَأَمَّا الْجُمَلُ الثَّلَاثُ الْأَوَاخِرُ الْمُفْتَتَحَةُ بِالْعَاطِفِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَحْكَامٍ لَهَا مَزِيدُ اتِّصَالٍ بِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا فَكَانَ السُّؤَالُ الْمَحْكِيُّ فِيهَا مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَنْشَأَ عَنِ الَّتِي قبلهَا فَكَانَت حَقِيقَة بِالْوَصْلِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ كَمَا سَيَتَّضِحُ فِي مَوَاقِعِهَا.
وَالسُّؤَالُ عَنِ الْأَهِلَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَوَاتِهَا إِذِ الذَّوَاتُ لَا يُسْأَلُ إِلَّا عَنْ أَحْوَالِهَا، فَيُعْلَمُ هُنَا تَقْدِيرٌ وَحَذْفٌ أَيْ عَنْ أَحْوَالِ الْأَهِلَّةِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ السُّؤَالِ وَاقِعًا بِهَا غَيْرَ مَفْرُوضٍ فَهُوَ يَحْتَمِلُ السُّؤَالَ عَنِ الْحِكْمَةِ وَيَحْتَمِلُ السُّؤَالَ عَنِ السَّبَبِ، فَإِنْ كَانَ عَنِ الْحِكْمَةِ فَالْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ جَارٍ عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ، وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ مِنَ السُّؤَالِ حِينَئِذٍ اسْتِثْبَاتُ كَوْنِ الْمُرَادِ الشَّرْعِيِّ مِنْهَا مُوَافِقًا لِمَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ كَوْنَهَا مَوَاقِيتَ لَيْسَ مِمَّا يَخْفَى حَتَّى يُسْأَلَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُتَعَارَفٌ لَهُمْ، فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ سُؤَالِهِمْ إِنْ كَانَ وَاقِعًا هُوَ تَحَقُّقُ الْمُوَافَقَةِ لِلْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ.
وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنِ السَّبَبِ فَالْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ
غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلسُّؤَالِ، فَيَكُونُ إِخْرَاجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِصَرْفِ السَّائِلِ إِلَى غَيْرِ مَا يَتَطَلَّبُ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا صُرِفَ إِلَيْهِ هُوَ الْمُهِمُّ لَهُ، لِأَنَّهُمْ فِي مَبْدَأِ تَشْرِيعٍ جَدِيدٍ وَالْمَسْئُولُ هُوَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام وَكَانَ الْمُهِمُّ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ فِي صَلَاحِ دُنْيَاهُمْ
وَأُخْرَاهُمْ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْأَهِلَّةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا آجَالُ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالْعِدَّةِ، وَلِذَلِكَ صَرَفَهُمْ عَن بَيَان مسؤولهم إِلَى بَيَانِ فَائِدَةٍ أُخْرَى، لَا سِيَّمَا وَالرَّسُول لم يَجِيء مُبَيِّنًا لِعِلَلِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، وَالسَّائِلُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ أُصُولِ مَعْرِفَةِ الْهَيْئَةِ مَا يُهَيِّئُهُمْ إِلَى فَهْمِ مَا أَرَادُوا عِلْمَهُ بِمُجَرَّدِ الْبَيَانِ اللَّفْظِيِّ بَلْ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَعْلِيمَهُمْ مُقَدِّمَاتٍ لِذَلِكَ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَرَّضَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ لِبَيَانِهِ لَبَيَّنَ أَشْيَاءَ مِنْ حَقَائِقِ الْعِلْمِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ وَلَا تَقْبَلُهَا عُقُولُهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَلَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى طَعْنِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِتَكْذِيبِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى التَّكْذِيبِ فِيمَا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى ظَوَاهِرِهِ كَقَوْلِهِمْ:
هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ: 7، 8] وَقَوْلِهِمْ: مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: 7] وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ تَخْرِيجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ. أَنْشُدُهُ فِي «الْمِفْتَاحِ» وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى قَائِلِهِ وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِ.
أَتَتْ تَشْتَكِي مِنِّي مُزَاوَلَةَ الْقِرَى
…
وَقَدْ رَأَتِ الْأَضْيَافُ يَنْحَوْنَ مَنْزِلِي
فَقُلْتُ لَهَا لَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهَا
…
هُمُ الضَّيْفُ جِدِّي فِي قِرَاهِمْ وَعِجِّلِي
وَإِلَى هَذَا نَحَا صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُظَنُّ بِهِمُ السُّؤَالُ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ الْأَهِلَّةِ لِظُهُورِهَا، وَعَلَى أَنَّ الْوَارِدَ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ وَثَعْلَبَةَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا سَأَلَا عَنِ السَّبَبِ إِذْ قَالَا: مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا إِلَخْ.
وَالْأَهِلَّةُ: جَمْعُ هِلَالٍ وَهُوَ الْقَمَرُ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِهِ الشَّمْسَ كُلَّ شَهْرٍ قَمَرِيٍّ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، قِيلَ وَالثَّالِثَةُ، وَمَنْ قَالَ إِلَى سبع فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمجَاز، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْهِلَالَ، وَيُطْلَقُ الْهِلَالُ عَلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ فِي قَدْرِ الْهِلَالِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْهُ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِذَلِكَ، وَإِنَّ هَلَّ وَأَهَلَّ بِمَعْنَى رَفَعَ صَوْتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 173] .
وَقَوْلُهُ: مَواقِيتُ لِلنَّاسِ أَيْ مَوَاقِيتُ لِمَا يُوَقَّتُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَيْ لِفَائِدَةِ النَّاسِ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ لِأَعْمَالِ النَّاسِ، وَلَمْ تُذْكَرِ الْأَعْمَالُ الْمُوَقَّتَةُ بِالْأَهِلَّةِ لِيَشْمَلَ الْكَلَامُ كُلَّ عَمَلٍ مُحْتَاجٍ إِلَى التَّوْقِيتِ، وَعَطَفَ الْحَجَّ عَلَى النَّاسِ مَعَ اعْتِبَار الْمُضَاف الْمَحْذُوفِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَاحْتِيَاجُ الْحَجِّ لِلتَّوْقِيتِ ضَرُورِيٌّ إِذْ
لَوْ لَمْ يُوَقَّتْ لَجَاءَ النَّاسُ لِلْحَجِّ مُتَخَالِفِينَ فَلَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي أَسْفَارِهِمْ وَحُلُولِهِمْ بِمَكَّةَ وَأَسْوَاقِهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ مُوَقَّتَةً بِالْأَهِلَّةِ، وَبِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ تَوْقِيتَهُ بِالْهِلَالِ تَكْمِيلِيٌّ لَهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُورَةٌ عَلَى الذَّاتِ فَلَوْ جَاءَ بِهَا الْمُنْفَرِدُ لَحَصَلَ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ وَلَكِنْ شُرِعَ فِيهِ تَوْحِيدُ الْوَقْتِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّ الصَّعْبَ يَخِفُّ بِالِاجْتِمَاعِ وَلِيَكُونَ حَالُهُمْ فِي تِلْكَ الْمدَّة متماثلا فَلَا يَشُقُّ أَحَدٌ عَلَى آخَرَ فِي اخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَالْمِيقَاتُ جَاءَ بِوَزْنِ اسْمِ الْآلَةِ مِنْ وَقَّتَ وَسَمَّى الْعَرَبُ بِهِ الْوَقْتَ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا مُشْتَقًّا مِنَ الشُّهْرَةِ، لِأَنَّ الَّذِي يَرَى هِلَالَ الشَّهْرِ يُشْهِرُهُ لَدَى النَّاسِ. وَسَمَّى الْعَرَبُ الْوَقْتَ الْمُعَيَّنَ مِيقَاتًا كَأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ الْوَقْتُ عَيْنُهُ. وَقِيلَ:
الْمِيقَاتُ أَخَصُّ مِنَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ قُدِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ، قُلْتُ: فَعَلَيْهِ يَكُونُ صَوْغُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْآلَةِ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمُعَيَّنَ يَكُونُ وَسِيلَةً لِتَحْدِيدِ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ آلَةٌ لِلضَّبْطِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا وَقْتَ لَهَا فَلَا تَكُونُ لِلْأَهِلَّةِ فَائِدَةٌ فِي فِعْلِهَا.
وَمَجِيءُ ذِكْرِ الْحَجِّ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَطِيعُونَ الْحَج حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْنَعُونَهُمْ- إِشَارَةً إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ ثَابِتٌ وَلَكِنَّ الْمُشْرِكِينَ حَالُوا دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَدُونَهُ (1) . وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 97] وَعِنْدَ قَوْلِهِ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [الْبَقَرَة: 197] فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
(1) فِيهِ نظر إِذْ الْأَظْهر أَن هَذِه الْآيَة نزلت بعد فرض الْحَج كَمَا قدمنَا قَرِيبا.
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
معطوفة على يَسْئَلُونَكَ وَلَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ هِيَ مَواقِيتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَأَلُوا عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ مَقُولًا لِلْمُجِيبِ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كَانَ مُوَالِيًا أَوْ مُقَارِنًا لِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّ مَضْمُونَ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ كَانَ مُثَارَ تَرَدُّدٍ وَإِشْكَالٍ عَلَيْهِمْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، فَكَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ مِنْ بِلَادِهِمْ
جَعَلُوا مِنْ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ أَلَّا يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ بَيْتَهُ مِنْ بَابِهِ أَوْ لَا يَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ الْمُحْرِمُونَ إِذَا أَرَادُوا أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ تَسَنَّمُوا عَلَى ظُهُورِ الْبُيُوتِ أَوِ اتَّخَذُوا نَقْبًا فِي ظُهُورِ الْبُيُوتِ إِنْ كَانُوا مَنْ أَهْلِ الْمَدَرِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْخيام دخلُوا من خَلْفَ الْخَيْمَةِ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ يَدِينُونَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْحُمْسُ فَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ هَذَا، وَالْحُمْسُ جَمْعُ أَحْمَسَ وَالْأَحْمَسُ الْمُتَشَدِّدُ بِأَمْرِ الدِّينِ لَا يُخَالِفُهُ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ وَثَقِيفٌ وَجُشْمٌ وَبَنُو نَصْرِ ابْن مُعَاوِيَةَ وَمُدْلِجٌ وَعَدْوَانُ وَعَضَلٌ وَبَنُو الْحَارِثِ بن عبد مَنَاة، وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَكُلُّهُمْ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ وَحَرَّمَهَا مَا عَدَا بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَإِنَّهُمْ تَحَمَّسُوا لِأَنَّ أُمَّهُمْ قُرَشِيَّةٌ.
وَمَعْنَى نَفْيِ الْبِرِّ عَنْ هَذَا نَفْيٌ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا أَوْ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِأَنَّهُ غُلُوٌّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ وَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَى أَفْعَالٍ رَاجِعَةٍ إِلَى تَرْكِ التَّرَفُّهِ عَنِ الْبَدَنِ كَتَرْكِ الْمَخِيطِ وَتَرْكِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصِدُ مِنْ تَشْرِيعِهِ إِعْنَاتَ النَّاسِ بَلْ إِظْهَارَ التَّجَرُّدِ وَتَرْكَ التَّرَفُّهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنِ الْحُمْسُ يَفْعَلُونَ، ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَالنَّفْيُ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَ الْبِرُّ نَفْيُ جِنْسِ الْبِرِّ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [الْبَقَرَة: 177] وَالْقَرِينَةُ هُنَا هِيَ قَوْلُهُ: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَلَمْ يَقُلْ هُنَالِكَ: وَاسْتَقْبِلُوا أَيَّةَ جِهَةٍ شِئْتُمْ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَتَيْنِ إِظْهَارُ الْبِرِّ الْعَظِيمِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ فِي الْآيَتَيْنِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا نَفَى عَنْهُ الْبِرَّ، وَهَذَا هُوَ مَنَاطُ الشَّبَهِ وَالِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.
رَوَى الْوَاحِدِيُّ فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم أَهَّلَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا وَأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْصَارِ، قِيلَ: اسْمُهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ: رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتٍ.
كَانَ دَخَلَ ذَلِكَ الْبَيْتَ مِنْ بَابِهِ اقْتِدَاءً برَسُول الله فقاله لَهُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: لِمْ دَخَلْتَ وَأَنْتَ قَدْ أَحْرَمْتَ؟ فَقَالَ لَهُ الْأَنْصَارِيُّ: دَخَلْتَ أَنْتَ فَدَخَلْتُ بِدُخُولِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي أَحْمَسُ فَقَالَ لَهُ الْأَنْصَارِيُّ: وَأَنَا دِينِي دينك رضيت بهداك فَنَزَلَتِ الْآيَةُ
، فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الرَّسُولَ نَهَى غَيْرَ الْحُمْسِ عَنْ تَرْكِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي إِبْطَالِهِ،
وَفِي «تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ عَطِيَّةَ» عَنِ السُّدِّيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَابًا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَكَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَوَقَفَ الرَّجُلُ وَقَالَ: إِنِّي أَحْمَسُ فَقَالَ لَهُ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام: وَأَنَا أَحْمَسُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ
، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيءَ أَعْلَنَ إِبْطَالَ دُخُولِ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا.
وَأَنَّ الْحُمْسَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَدْخُلُونَ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَأَقُولُ: الصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ مِنْ بَابه فكأنّه عبّر بِذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَرِوَايَةُ السُّدِّيِّ وَهْمٌ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَ بِذَلِكَ وَلَا يُظَنُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يُنَافِيهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الْبَقَرَة: 177] .
واتَّقى فِعْلٌ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّقْوَى الشَّرْعِيَّةِ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ.
وَجَرُّ بِأَنْ تَأْتُوا بِالْبَاءِ الزَّائِدَةِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ بِلَيْسَ، وَمُقْتَضَى تَأْكِيدِ النَّفْيِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا الْمَنْفِيَّ مِنَ الْبِرِّ ظَنًّا قَوِيًّا فَلِذَلِكَ كَانَ مُقْتَضَى حَالِهِمْ أَنْ يُؤَكَّدَ نَفْيُ هَذَا الظَّنِّ.
وَقَوْلُهُ: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَيْسَ الْبِرُّ عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْإِنْشَاءِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ الْبِرُّ فِي مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ كَعَطْفِ أَمْرٍ عَلَى نَهْيٍ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي سَنَةَ خَمْسٍ حِينَ أَزْمَعَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم الْخُرُوجَ إِلَى الْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَوَى أَنْ يَحُجَّ