المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 198] - التحرير والتنوير - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 143]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 149 إِلَى 150]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 151]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 152]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 155 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 159 إِلَى 160]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 164]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 165]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 166 إِلَى 167]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 172]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 173]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 174]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 175]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 176]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 181]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 182]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 183 الى 184]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 189]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 190]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 191]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 192]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 196]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 197]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 200 إِلَى 202]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 204 إِلَى 206]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 207]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 208 إِلَى 209]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 210]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 211]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 212]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 213]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 214]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 215]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 216]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 217]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 218]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 219]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 220]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 221]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 222]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 223]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 224]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 225]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 226 إِلَى 227]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 228]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 229]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 230]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 231]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 232]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 233]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 234]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 235]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 236 إِلَى 237]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 238]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 239]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 240]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 241]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 242]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 243 إِلَى 244]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 245]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 246]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 247]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 248]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 249 الى 251]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 252]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 198]

وَالتَّقْوَى مَصْدَرُ اتَّقَى إِذَا حَذِرَ شَيْئًا، وَأَصلهَا تقيي قَلَبُوا يَاءَهَا وَاوًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، فَالصِّفَةُ بِالْيَاءِ كامرأة تقيى كخزبى وَصَدْيَى، وَقَدْ أُطْلِقَتْ شَرْعًا عَلَى الْحَذَرِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَة: 2] .

[198]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 198]

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ.

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِمُنَاسَبَةِ النَّهْيِ عَنْ أَعْمَالٍ فِي الْحَجِّ تُنَافِي الْمَقْصِدَ مِنْهُ فَنَقَلَ الْكَلَامَ إِلَى إِبَاحَةِ مَا كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْهُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ التِّجَارَةُ بِبَيَانِ أَنَّهَا لَا تُنَافِي الْمَقْصِدَ الشَّرْعِيَّ إِبْطَالًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، إِذْ كَانُوا يَرَوْنَ التِّجَارَةَ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ حَرَامًا. فَالْفَضْلُ هُنَا هُوَ الْمَالُ، وَابْتِغَاءُ الْفَضْلِ التِّجَارَةُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: 20] . وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْ سُوقِ ذِي الْمَجَازِ إِلَى مَكَّةَ حَرُمَ عِنْدَهُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ قَالَ النَّابِغَةُ:

كَادَتْ تُسَاقِطُنِي رَحْلِي وَمِيثَرَتِي

بِذِي الْمَجَازِ وَلَمْ تُحْسِسْ بِهِ نَغَمَا (1)

مِنْ صَوْتِ حِرْمِيَّةٍ قَالَتْ وَقَدْ ظَعَنُوا

هَلْ فِي مُخِفِّيكُمُ مَنْ يَشْتَرِي أَدَمَا

قُلْتُ لَهَا وَهِيَ تَسْعَى تَحْتَ لَبَّتِهَا

لَا تَحْطِمَنَّكِ إِنَّ الْبَيْعَ قَدْ زَرِمَا

أَيِ انْقَطَعَ الْبَيْعُ وَحَرُمَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتْ عُكَاظُ وَمَجَنَّةُ، وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي موسم الْحَج) اهـ. أَيْ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِزِيَادَة فِي مواسم الْحَجِّ.

وَقَدْ كَانَتْ سُوقُ عُكَاظَ تَفْتَحُ مُسْتَهَلَّ ذِي الْقِعْدَةِ وَتَدُومُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَفِيهَا تُبَاعُ نَفَائِسُ السِّلَعِ وَتَتَفَاخَرُ الْقَبَائِلُ وَيَتَبَارَى الشُّعَرَاءُ، فَهِيَ أَعْظَمُ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ وَكَانَ مَوْقِعُهَا بَيْنَ نَخْلَةَ وَالطَّائِفِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْ عُكَاظَ إِلَى مَجَنَّةَ ثُمَّ إِلَى ذِي الْمَجَازِ، وَالْمَظْنُونُ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بَيْنَ هَاتَيْنِ السُّوقَيْنِ بَقِيَّةَ شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ لِأَنَّ النَّابِغَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِذِي الْمَجَازِ أَرْبَعَ لَيَالٍ وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ذِي الْمَجَازِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ يَذْكُرُ رَاحِلَتَهُ:

(1) الضمائر الثَّلَاثَة المستترة فِي الْأَفْعَال فِي هَذَا الْبَيْت عَائِدَة إِلَى الرَّاحِلَة الْمَذْكُورَة فِي أَبْيَات قبله.

ص: 237

بَاتَتْ ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ وَاحِدَةً

بِذِي الْمَجَازِ تُرَاعِي مَنْزِلًا زِيَمَا

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ هُنَالِكَ حَاجًّا فَقَالَ:

كَادَتْ تُسَاقِطُنِي رَحْلِي وَمِيثَرَتِي

فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ.

الْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [الْبَقَرَة: 197] الْآيَةَ، عُطِفَ الْأَمْرُ عَلَى النَّهْيِ، وَقَوْلُهُ:(إِذَا أَفَضْتُمْ) شَرْطٌ لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) .

وَالْإِفَاضَةُ هُنَا: الْخُرُوجُ بِسُرْعَةٍ وَأَصْلُهَا مِنْ فَاضَ الْمَاءُ إِذَا كَثُرَ عَلَى مَا يَحْوِيهِ فَبَرَزَ مِنْهُ وَسَالَ وَلذَلِك سموا إِحَالَة الْقِدَاحِ فِي الْمَيْسِرِ إِفَاضَةً وَالْمُجِيلَ مُفِيضًا، لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْقِدَاحَ مِنَ الرَّبَابَةِ بِقُوَّةٍ وَسُرْعَةٍ أَيْ بِدُونِ تَخَيُّرٍ وَلَا جَسٍّ لِيَنْظُرَ الْقَدَحَ الَّذِي يَخْرُجُ، وَسَمَّوُا الْخُرُوجَ مِنْ عَرَفَةَ إِفَاضَةً لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ فَتَكُونُ لِخُرُوجِهِمْ شِدَّةٌ، وَالْإِفَاضَةُ أُطْلِقَتْ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ وَالْخُرُوجِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ.

وَالْعَرَبُ كَانُوا يُسَمُّونَ الْخُرُوجَ مِنْ عَرَفَةَ الدَّفْعَ، وَيُسَمُّونَ الْخُرُوجَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِفَاضَةً، وَكِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ مَجَازٌ لِأَنَّ الدَّفْعَ هُوَ إِبْعَادُ الْجِسْمِ بِقُوَّةٍ، وَمِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الْإِفَاضَةِ عَلَى الْخَرُوجَيْنِ لِمَا فِي أَفَاضَ مِنْ قُرْبِ الْمُشَابَهَةِ مِنْ حَيْثُ مَعْنَى الْكَثْرَةِ دُونَ الشِّدَّةِ.

وَلِأَنَّ فِي تَجَنُّبِ دَفَعْتُمْ تَجَنُّبًا لِتَوَهُّمِ السَّامِعِينَ أَنَّ السَّيْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَفْعِ بَعْضِ النَّاسِ بَعْضًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِي دَفْعِهِمْ ضَوْضَاءَ وَجَلَبَةً وَسُرْعَةَ سَيْرٍ فَنَهَاهُمُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ

وَقَالَ: «لَيْسَ الْبِرُّ بِالْإِيضَاعِ فَإِذَا أَفَضْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» .

وَ (عَرَفَاتٌ) اسْمُ وَادٍ وَيُقَالُ: بَطْنٌ وَهُوَ مَسِيلٌ مُتَّسَعٌ تَنْحَدِرُ إِلَيْهِ مِيَاهُ جِبَالٍ تُحِيطُ بِهِ تُعْرَفُ بِجِبَالِ عَرَفَةَ بِالْإِفْرَادِ، وَقَدْ جُعِلَ عَرَفَاتٌ عَلَمًا عَلَى ذَلِكَ الْوَادِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ، وَيُقَالُ لَهُ: عَرَفَةُ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُ النَّاسِ يَوْمُ عَرَفَةَ مُوَلَّدٌ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ، وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: يُقَالُ عَرَفَاتٌ وَعَرَفَةُ، وَقَدْ جَاءَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثِ «يَوْمَ عَرَفَةَ» ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ: يَوْمُ عَرَفَاتٍ.

وَفِي وَسَطِ وَادِي عَرَفَةَ جُبَيْلٌ يَقِفُ عَلَيْهِ نَاسٌ مِمَّنْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ وَيَخْطُبُ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ بِالنَّاسِ يَوْمَ تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ الظُّهْرِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ

ص: 238

النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم رَاكِبًا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَبُنِيَ فِي أَعْلَى ذَلِكَ الْجُبَيْلِ عَلَمٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وقف فِيهِ النَّبِي عليه الصلاة والسلام فَيَقِفُ الْأَئِمَّةُ يَوْمَ عَرَفَةَ عِنْدَهُ.

وَلَا يُدْرَى وَجْهُ اشْتِقَاقٍ فِي تَسْمِيَةِ الْمَكَانِ عَرَفَاتٍ أَوْ عَرَفَةَ، وَلَا أَنَّهُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ أَوْ مُرْتَجَلٌ، وَالَّذِي اخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ عَلَمٌ مُرْتَجَلٌ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَحَدَ

الِاسْمَيْنِ أَصْلٌ وَالْآخَرَ طَارِئٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْأَصْلَ (عَرَفَاتٌ) مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الْقَدِيمَةِ وَأَنَّ عَرَفَةَ تَخْفِيفٌ جَرَى عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ (عَرَفَةَ) وَأَنَّ عَرَفَاتٍ إِشْبَاعٌ مِنْ لُغَةِ بَعْضِ الْقَبَائِلِ.

وَذِكْرُ (عَرَفَاتٍ) بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ رُكْنُ الْحَجِّ

وَقَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةُ»

. سُمِّيَ الْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ الَّذِي هُوَ عَلَى زِنَةِ الْجَمْعِ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ فَعَامَلُوهُ مُعَامَلَةَ الْجَمْعِ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ وَلَمْ يَمْنَعُوهُ الصَّرْفَ مَعَ وُجُودِ الْعَلَمِيَّةِ. وَجَمْعُ الْمُؤَنَّثِ لَا يُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْجَمْعَ يُزِيلُ مَا فِي الْمُفْرِدِ مِنَ الْعِلْمِيَّةِ إِذِ الْجَمْعُ بِتَقْدِيرِ مُسَمَّيَاتٍ بِكَذَا، فَمَا جُمِعَ إِلَّا بَعْدَ قَصْدِ تَنْكِيرِهِ، فَالتَّأْنِيثُ الَّذِي يَمْنَعُ الصَّرْفَ مَعَ الْعِلْمِيَّةِ أَوِ الْوَصْفِيَّةِ هُوَ التَّأْنِيثُ بِالْهَاءِ.

وَذِكْرُ الْإِفَاضَةِ مِنْ (عَرَفَاتٍ) يَقْتَضِي سَبْقَ الْوُقُوفِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا إِفَاضَةَ إِلَّا بَعْدَ الْحُلُولِ بِهَا، وَذِكْرُ (عَرَفَاتٍ) بِاسْمِهِ تَنْوِيهٌ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِهِ رُكْنٌ فَلَمْ يُذَكَرْ مِنَ الْمَنَاسِكِ بِاسْمِهِ غَيْرُ عَرَفَةَ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا مِنَ الْأَرْكَانِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيُؤْخَذُ رُكْنُ الْإِحْرَامِ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [الْبَقَرَة:

197] ، وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.

وَ (مِنِ) ابْتِدَائِيَّةٌ.

وَالْمَعْنَى فَإِذَا أَفَضْتُمْ خَارِجِينَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ.

وَالتَّصْرِيحُ بَاسِمِ (عَرَفَاتٍ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلرَّدِّ عَلَى قُرَيْشٍ إِذْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُونَ فِي (جَمْعٍ) وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ لِأَنَّهُمْ حُمْسٌ، فَيَرَوْنَ أَنَّ الْوُقُوفَ لَا يَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَلَمَّا كَانَتْ مُزْدَلِفَةُ مِنَ الْحَرَمِ كَانُوا يَقِفُونَ بِهَا وَلَا يَرْضَوْنَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّ عَرَفَةَ مِنَ الْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى الْمُزْدَلِفَةَ فِي الْإِفَاضَةِ الثَّانِيَةِ بِاسْمِهَا وَقَالَ:

مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ

ص: 239

لِأَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُفِيضُ مِنْهُ النَّاسُ بَعْدَ إِفَاضَةِ عَرَفَاتٍ، فَذَلِكَ حِوَالَةٌ عَلَى مَا يَعْلَمُونَهُ.

وَ (الْمَشْعَرُ) اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الشُّعُورِ أَيِ الْعِلْمِ، أَوْ مِنَ الشِّعَارِ أَيِ الْعَلَامَةِ، لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ فِيهِ عَلَامَةٌ كَالْمَنَارِ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَعَلَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ آخِرَ الْمَسَاءِ فَيُدْرِكُهُمْ غُبْسُ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَهُمْ جَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ فَخَشُوا أَنْ يَضِلُّوا الطَّرِيقَ فَيَضِيقُ عَلَيْهِمُ الْوَقْتُ.

وصف الْمَشْعَرَ بِوَصْفِ (الْحَرَامِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ.

وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ (الْمُزْدَلِفَةُ) ، سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهَا ازْدَلَفَتْ مِنْ مِنًى أَيِ اقْتَرَبَتْ لِأَنَّهُمْ يَبِيتُونَ بِهَا قَاصِدِينَ التَّصْبِيحَ فِي مِنًى. وَيُقَالُ لِلْمُزْدَلِفَةِ أَيْضًا (جَمْعٌ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْحَجِيجِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْوُقُوفِ بِهَا، الْحُمْسُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

فَبَاتَ بِجَمْعٍ ثُمَّ رَاحَ إِلَى مِنًى

فَأَصْبَحَ رَادًّا يَبْتَغِي الْمَزْجَ بِالسَّحْلِ (1)

فَمَنْ قَالَ: إِنَّ تَسْمِيَتَهَا جَمْعًا لِأَنَّهَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ فَقَدْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ اسْمًا مِنْ عَهْدِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ.

وَتُسَمَّى الْمُزْدَلِفَةُ أَيْضًا (قُزَحَ) - بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَزَايٍ مَفْتُوحَةٍ مَمْنُوعًا مِنَ الصَّرْفِ-، بِاسْمِ قَرْنِ جَبَلٍ بَيْنَ جِبَالٍ مِنْ طَرَفِ مُزْدَلِفَةَ وَيُقَالُ لَهُ: الْمِيقَدَةُ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ النِّيرَانَ، وَهُوَ مَوْقِفُ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَوْقِفُ الْإِمَامِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى قُزَحَ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَصْبَحَ بِجَمْعٍ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْمَبِيتَ سُنَّةٌ وَأَمَّا النُّزُولُ حِصَّةً فَوَاجِبٌ. وَذَهَبَ عَلْقَمَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ رُكْنٌ مِنَ الْحَجِّ فَمَنْ فَاتَهُ بَطَلَ حَجُّهُ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ.

(1) من أَبْيَات يصف فِيهَا رجلا فِي الْحَج طلب أَن يَشْتَرِي عسلا من منى والراد الطَّالِب، والمزج من أَسمَاء الْعَسَل، والسحل النَّقْد وَأطْلقهُ فِي الْبَيْت على الدَّرَاهِم المنقودة من الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ.

ص: 240

وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يُجِيزَهُمْ أَحَدُ (بَنِي صُوفَةَ) وَهُمْ بَنُو الْغَوْثِ بْنِ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرٍ وَكَانَتْ أُمُّهُ جُرْهُمِيَّةً، لُقِّبَ الْغَوْثُ بِصُوفَةَ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ لَا تَلِدُ فَنَذَرَتْ إِنْ هِيَ وَلَدَتْ ذَكَرًا أَنْ تَجْعَلَهُ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ فَوَلَدَتِ الْغَوْثَ وَكَانُوا يَجْعَلُونَ صُوفَةً يَرْبُطُونَ بِهَا شَعْرَ رَأْسِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَنْذُرُونَهُ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَتُسَمَّى الرَّبِيطَ، فَكَانَ الْغَوْثُ يَلِي أَمْرَ الْكَعْبَةِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمَ فَلَمَّا غَلَبَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ عَلَى الْكَعْبَةِ جَعَلَ الْإِجَازَةَ لِلْغَوْثِ ثُمَّ بَقِيَتْ فِي بَنِيهِ حَتَّى انْقَرَضُوا، وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي جَعَلَ أَبْنَاءَ الْغَوْثِ لِإِجَازَةِ الْحَاجِّ هُمْ مُلُوكُ كِنْدَةَ، فَكَانَ الَّذِي يُجِيزُ بِهِمْ مِنْ عَرَفَة يَقُول:

لَا همّ إِنِّي تَابِعٌ تِبَاعَهْ

إِنْ كَانَ إِثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهْ

لِأَنَّ قُضَاعَةَ كَانَتْ تُحِلُّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَلَمَّا انْقَرَضَ أَبْنَاءُ صُوفَةَ صَارَتِ الْإِجَازَةُ لِبَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاءَةَ بْنِ تَمِيمٍ وَرِثُوهَا بِالْقُعْدُدِ فَكَانَتْ فِي آلِ صَفْوَانَ مِنْهُمْ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بَيْدِ كِرِبِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ أَوْسُ بْنُ مَغْرَاءَ:

لَا يَبْرَحُ النَّاسُ مَا حَجُّوا مُعَرَّفَهُمْ

حَتَّى يُقَالَ أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا

وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ.

الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي أَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُنَا غَيْرُ الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ فَيَكُونُ هَذَا أَمْرًا بِالذِّكْرِ عَلَى الْعُمُومِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِذِكْرٍ خَاصٍّ فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ الْخَاصِّ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُوَ قَوْلَهُ: كَما هَداكُمْ فَمَوْقِعُهَا مَوْقِعُ التَّذْيِيلِ. وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَلَّا تُعْطَفَ بَلْ تُفْصَلُ وَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَعُطِفَتْ بِالْوَاوِ بِاعْتِبَارِ مُغَايَرَتِهَا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ تَعْلِيلِ الذِّكْرِ وَبَيَانِ سَبَبِهِ وَهِيَ مُغَايَرَةٌ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهَا تُصَحِّحُ الْعَطْفَ كَمَا فِي قَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ الشَّيْبَانِيِّ:

أَيَا ابْنَ زَيَّابَةَ إِنْ تَلْقَنِي

لَا تَلْقَنِي فِي النِّعَمِ الْعَازِبِ

وَتَلْقَنِي يَشْتَدُّ بِي أَجْرَدٌ

مُسْتَقْدِمُ الْبَرَكَةِ كَالرَّاكِب

ص: 241