المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 225] - التحرير والتنوير - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 143]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 149 إِلَى 150]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 151]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 152]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 155 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 159 إِلَى 160]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 164]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 165]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 166 إِلَى 167]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 172]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 173]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 174]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 175]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 176]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 181]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 182]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 183 الى 184]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 189]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 190]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 191]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 192]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 196]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 197]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 200 إِلَى 202]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 204 إِلَى 206]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 207]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 208 إِلَى 209]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 210]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 211]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 212]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 213]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 214]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 215]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 216]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 217]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 218]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 219]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 220]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 221]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 222]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 223]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 224]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 225]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 226 إِلَى 227]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 228]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 229]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 230]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 231]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 232]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 233]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 234]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 235]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 236 إِلَى 237]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 238]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 239]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 240]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 241]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 242]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 243 إِلَى 244]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 245]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 246]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 247]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 248]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 249 الى 251]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 252]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 225]

مُرْضِيَانِ لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا حَصَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْصُلِ الْآخَرُ. وَاللَّهُ يَأْمُرُنَا أَنْ نُقَدِّمَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْمُرْضِيَيْنِ لَهُ، وَهُوَ مَا فِيهِ تَعْظِيمُهُ بِطَلَبِ إِرْضَائِهِ، مَعَ نَفْعِ خَلْقِهِ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ، دُونَ الْأَمْرِ الَّذِي فِيهِ إِرْضَاؤُهُ بِتَعْظِيمِ اسْمِهِ فَقَطْ، إِذْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَعْظِيمَ اسْمِهِ قَدْ حَصَلَ عِنْدَ تَحَرُّجِ الْحَالِفِ مِنَ الْحِنْثِ، فَبَرُّ الْيَمِينِ أَدَبٌ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِتْيَانُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَرْضَاةٌ لِلَّهِ فَأَمَرَ اللَّهُ بِتَقْدِيمِ مَرْضَاتِهِ عَلَى الْأَدَبِ مَعَ اسْمِهِ، كَمَا قِيلَ: الِامْتِثَالُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَدَبِ. وَقد

قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»

، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمَّا أَقْسَمَ أَيُّوبُ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ جِلْدَةٍ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا مِنْ مِائَةِ عَصًا فَيَضْرِبَهَا بِهِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَقْصِدِ أَيُّوبَ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَرْضَ اللَّهُ مِنْ أَيُّوبَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ بِالتَّحَلُّلِ مُحَافَظَةً عَلَى حِرْصِ أَيُّوبَ عَلَى الْبِرِّ فِي يَمِينِهِ، وَكَرَاهَتِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ مِنْهُ مُعْتَادُهُ فِي تَعْظِيمِ اسْمِ رَبِّهِ، فَهَذَا وَجْهٌ مِنَ التَّحِلَّةِ، أَفْتَى اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ. وَلَعَلَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فَهِيَ مِنْ يُسْرِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتِهِ، فَقَدْ كَفَانَا اللَّهُ ذَلِكَ إِذْ شَرَعَ لَنَا تَحِلَّةَ الْيَمِينِ بِالْكَفَّارَةِ وَلِذَلِكَ صَارَ لَا يُجْزِئُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَفْعَلَ الْحَالِفُ مِثْلَ مَا فعل أَيُّوب.

[225]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 225]

لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ الْآيَةَ السَّابِقَةَ لَمَّا أَفَادَتِ النَّهْيَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالْحَلِفِ إِفَادَةً صَرِيحَةً أَوِ الْتِزَامِيَّةً، كَانَتْ نُفُوسُ السَّامِعِينَ بِحَيْثُ يَهْجِسُ بِهَا التَّفَكُّرُ وَالتَّطَلُّعُ إِلَى حُكْمِ الْيَمِينِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْأَلْسُنِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ لَا سِيِّمَا إِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [الْبَقَرَة: 224] نَهْيًا عَنِ الْحَلِفِ.

وَالْمُؤَاخَذَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْأَخْذِ بِمَعْنَى الْعَدِّ وَالْمُحَاسَبَةِ، يُقَالُ أَخَذَهُ بِكَذَا أَيْ عَدَّهُ عَلَيْهِ

لِيُعَاتِبَهُ أَوْ يُعَاقِبَهُ، قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

لَا تَأْخُذْنِي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ

أُذْنِبْ وَإِنْ كَثُرَتْ فِيَّ الْأَقَاوِيلُ

فَالْمُفَاعَلَةُ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَخْذِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ حُصُولُ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

ص: 380

وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْيَمِينِ هِيَ الْإِلْزَامُ بِالْوَفَاءِ بِهَا وَعَدَمُ الْحِنْثِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَأْثَمَ إِذَا وَقَعَ الْحِنْثُ، إِلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي كَفَّارَتِهِ، كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْعُقُودِ.

وَاللَّغْوُ مَصْدَرُ لَغَا إِذَا قَالَ كلَاما خطئا، يُقَالُ: لَغَا يَلْغُو لَغوا كسعا، وَلَغَا يَلْغَى لَغْيًا كَسَعَى. وَلُغَةُ الْقُرْآنِ بِالْوَاوِ. وَفِي «اللِّسَانِ» :«أَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا قَوْلُهُمْ أَسَوْتُهُ أَسْوًا وَأَسًى أَصْلَحْتُهُ» وَفِي الْكَوَاشِي: «وَلَغَا يَلْغُو لَغْوًا قَالَ بَاطِلًا» ، وَيُطْلَقُ اللَّغْوُ أَيْضًا عَلَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ، الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ الْخَطَأُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ. وَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْأَسَاسِ» وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَجَازًا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّفْسِيرِ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَتَبِعَهُ مُتَابِعُوهُ.

وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُرَادُ بِهَا الْمُلَابَسَةُ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، صِفَةُ اللَّغْوِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَدَّرَهُ الْكَوَاشِيُّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى جَعْلِ اللَّغْوِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ:

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَلْغُوَا لَغْوًا مُلَابِسًا لِلْأَيْمَانِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ بِالْأَيْمَانِ الصَّادِرَةِ صُدُورَ اللَّغْوِ، أَيْ غَيْرِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْقَوْلِ. فَإِذَا جَعَلْتَ اللَّغْوَ اسْمًا بِمَعْنَى الْكَلَامِ السَّاقِطِ الْخَاطِئِ، لَمْ تَصِحَّ ظَرْفِيَّتُهُ فِي الْأَيْمَانِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، فَالظَّرْفِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُؤَاخِذُكُمْ، وَالْمَعْنَى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ فِي أَيْمَانِكُمْ بِاللَّغْوِ، أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْمَانِكُمْ بِالْيَمِينِ اللَّغْوِ.

وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْيَمِينُ الْقَسَمُ وَالْحَلِفُ، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَعْضِ صِفَاتِهِ، أَو بعض شؤونه الْعُلْيَا أَوْ شَعَائِرِهِ. فَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَبِرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَبِالْهَدْيِ، وَبِمَنَاسِكِ الْحَجِّ. وَالْقَسَمُ عِنْدَهُمْ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ الثَّلَاثَةِ: الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ، وَرُبَّمَا ذَكَرُوا لَفْظَ حَلَفْتُ أَوْ أَقْسَمْتُ، وَرُبَّمَا حَلَفُوا بِدِمَاءِ الْبُدْنِ، وَرُبَّمَا قَالُوا وَالدِّمَاءِ، وَقَدْ يُدْخِلُونَ لَامًا عَلَى عَمْرِ اللَّهِ، يُقَالُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: عَمَرَكَ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ. فَهَذَا الْحَلِفُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ فِعْلٍ، أَوْ بَرَاءَةٌ مِنْ حَقٍّ. وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِأَشْيَاءَ عَزِيزَةٍ عِنْدَهُمْ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْخَبَرِ أَوِ الِالْتِزَامِ، كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرُكَ وَلَعَمْرِي، وَيَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ، وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ. وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ أَنَّ بَعْضَ الْقَسَمِ يُقْسِمُونَ بِهِ عَلَى الْتِزَامِ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمُقْسِمُ لِيُلْجِئَ نَفْسَهُ إِلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْدَمَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَسَمِ النَّذْرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُظْهِرَ عَزْمَهُ عَلَى

فِعْلٍ لَا مَحَالَةَ مِنْهُ، وَلَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، أَكَّدَهُ بِالْقَسَمِ، قَالَ بِلِعَاءُ بْنُ قَيْسٍ:

ص: 381

وَفَارِسٍ فِي غِمَارِ الْمَوْتِ مُنْغَمِسٍ

إِذَا تَأَلَّى عَلَى مَكْرُوهَةٍ صَدَقَا

(أَيْ إِذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يُقَاتِلَ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَاعِبِ وَالْأَضْرَارِ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْحَرْبُ كَرِيهَةً) فَصَارَ نُطْقُهُمْ بِالْيَمِينِ مُؤذنًا بالغرم، وَكَثُرَ ذَلِكَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ فِي أَغْرَاضِ التَّأْكِيدِ وَنَحْوِهِ، حَتَّى صَارَ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اللِّسَانِ كَمَا تَجْرِي الْكَلِمَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ الْحَلِفِ، وَصَارَتْ كَثْرَتُهُ فِي الْكَلَامِ لَا تَنْحَصِرُ، فَكَثُرَ التَّحَرُّجُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ كُثَيِّرٌ:

قَلِيلُ الْأَلَايِي حَافِظٌ لِيَمِينِهِ

وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الأليّة برّت

فأشبهه جَرَيَانُ الْحَلِفِ عَلَى اللِّسَانِ اللَّغْوَ مِنَ الْكَلَامِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ اللَّغْوَ هُوَ الْيَمِينُ الَّتِي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ، لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا الْحَلِفَ، وَلَكِنَّهَا جَرَتْ مَجْرَى التَّأْكِيدِ أَوِ التَّنْبِيهِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ. وَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ كَلَامًا عَجَبًا، وَغَيْرُ هَذَا لَيْسَ بِلَغْوٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ، رَوَاهُ عَنْهَا فِي «الْمُوَطَّأ» و «الصّحاح» ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُجَّةُ لَهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ اللَّغْوَ قَسِيمًا لِلَّتِي كَسَبَهَا الْقَلْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِلَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا الْحَالِفُ الْيَمِينَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما [الْمَائِدَة: 89] فَمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ هُوَ مَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ لِأَنَّ مَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ مُبَيَّنٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مُجمل بِما عَقَّدْتُمُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ اللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَا قَصْدَ فِيهَا إِلَى الْحَلِفِ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ دُونَ قَصْدٍ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ نَفْيُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْإِثْمِ وَبِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ يَعُمُّ، فَالْيَمِينُ الَّتِي لَا قَصْدَ فِيهَا لَا إِثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَغَيْرُهَا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِلْخُرُوجِ مِنِ الْإِثْمِ بِدَلِيلِ آيَةِ الْمَائِدَةِ إِذْ فَسَّرَ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [الْمَائِدَة: 89] فَيَكُونُ فِي الْغَمُوسِ، وَفِي يَمِينِ التَّعْلِيقِ، وَفِي الْيَمِينِ عَلَى الظَّنِّ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ، الْكَفَّارَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: «لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُ ظَنِّهِ» قَالَ فِي «الْمُوَطَّأِ» : «وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ فِي غَيْرِ «الْمُوَطَّأِ» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ قَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ. وَوَجْهُهُ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى كَسْبِ الْقَلْبِ فِي الْيَمِينِ، وَلَا تَكُونُ

ص: 382

الْمُؤَاخَذَةُ

إِلَّا عَلَى الْحِنْثِ لَا أَصْلِ الْقَسَمِ إِذْ لَا مُؤَاخَذَةَ لِأَجْلِ مُجَرَّدِ الْحَلِفِ لَا سِيَّمَا مَعَ الْبَرِّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ كَسْبَهُ الْحِنْثَ أَيْ تَعَمُّدَهُ الْحِنْثَ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْمُؤَاخَذَةُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ أُجْمِلَتْ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ، وَبُيِّنَتْ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ بِالْكَفَّارَةِ، فَالْحَالِفُ عَلَى ظَنٍّ يَظْهَرُ بَعْدُ خِلَافُهُ لَا تَعَمُّدَ عِنْدَهُ لِلْحِنْثِ، فَهُوَ اللَّغْوُ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهِ، أَيْ لَا كَفَّارَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَهُوَ كَاذِبٌ، فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ قَسَمٌ لَيْسَ بِلَغْوٍ، لِأَنَّ اللَّغَوِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ بَعْدَ اعْتِقَادِ الصِّدْقِ، وَالْقَائِلُ:«لَا وَاللَّهِ» كَاذِبًا، لَمْ يَتَبَيَّنْ حِنْثُهُ لَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، بَلْ هُوَ غَافِلٌ عَنْ كَوْنِهِ حَالِفًا، فَإِذَا انْتَبَهَ لِلْحَلِفِ وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، لِأَنَّهُ حَلِفَهَا حِينَ حَلِفَهَا وَهُوَ حَانِثٌ.

وَإِنَّمَا جَعَلْنَا تَفْسِيرَ (مَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) كَسْبَ الْقَلْبِ لِلْحِنْثِ، لِأَنَّ مَسَاقَ الْآيَةِ فِي الْحِنْثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ [الْبَقَرَة: 224] ، إِمَّا إِذْنٌ فِي الْحِنْثِ، أَوْ نَهْيٌ عَنِ الْحَلِفِ خَشْيَةَ الْحِنْثِ، عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بَيَانٌ وَتَعْلِيلٌ لِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْبَيَانِ حُكْمُ الْمُبَيَّنِ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: اللَّغْوُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْكَذِبُ، فَتَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ بِلَا قَصْدٍ كَالَّتِي تَجْرِي عَلَى الْأَلْسُنِ فِي لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ كَانَ بِقَصْدٍ مَعَ اعْتِقَادِ الصِّدْقِ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: اللَّغْوُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَلَا إِثْمَ. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّغْوَ هُنَا، مُقَابِلًا لِمَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، وَنَفَى الْمُؤَاخَذَةَ عَنِ اللَّغْوِ وَأَثْبَتَهَا لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ لَا مَحَالَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَا عَلَى أَصْلِ الْحَلِفِ، فَاللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَا حَنِثَ فِيهَا وَلَمْ يَرَ بَيْنَ آيَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَةِ الْمَائِدَةِ تَعَارُضًا حَتَّى يَحْمِلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بَلْ قَالَ: إِنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ جَعَلَتِ اللَّغْوَ مُقَابِلًا لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ، وَأَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ لِمَا كَسَبَهُ الْقَلْبُ أَيْ عَزَمَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْمُؤَاخَذَةُ مُطْلَقَةٌ تَنْصَرِفُ إِلَى أَكْمَلِ أَفْرَادِهَا، وَهِيَ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مَا كَسَبَتْهُ الْقُلُوبُ، أُرِيدَ بِهِ الْغَمُوسُ وَجَعَلَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ اللَّغْوَ مُقَابِلًا لِلْأَيْمَانِ الْمَعْقُودَةِ.

وَالْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ: الرَّبْطُ، وَهُوَ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَقَدْ أَضَافَهُ إِلَى الْأَيْمَانِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا الْيَمِينُ الَّتِي فِيهَا تَعْلِيقٌ، وَقَدْ فَسَّرَ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ [الْمَائِدَة: 89] إِلَخْ، فَظَهَرَ مِنَ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّغْوَ مَا قَابَلَ الْغَمُوسَ، وَالْمُنْعَقِدَةَ، وَهُوَ نَوْعَانِ لَا مَحَالَةَ، وَظَهَرَ حُكْمُ الْغَمُوسِ، وَهِي الْحلف بتعمد الْكَذِبِ، فَهُوَ الْإِثْمُ، وَحُكْمُ الْمُنْعَقِدَةِ أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ، فَوَافَقَ مَالِكًا فِي الْغَمُوسِ وَخَالَفَهُ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ اللَّغْوِ، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِهِ.

ص: 383