المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 148] - التحرير والتنوير - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 143]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 149 إِلَى 150]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 151]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 152]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 155 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 159 إِلَى 160]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 164]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 165]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 166 إِلَى 167]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 172]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 173]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 174]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 175]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 176]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 181]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 182]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 183 الى 184]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 189]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 190]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 191]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 192]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 196]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 197]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 200 إِلَى 202]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 204 إِلَى 206]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 207]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 208 إِلَى 209]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 210]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 211]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 212]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 213]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 214]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 215]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 216]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 217]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 218]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 219]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 220]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 221]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 222]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 223]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 224]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 225]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 226 إِلَى 227]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 228]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 229]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 230]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 231]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 232]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 233]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 234]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 235]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 236 إِلَى 237]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 238]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 239]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 240]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 241]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 242]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 243 إِلَى 244]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 245]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 246]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 247]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 248]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 249 الى 251]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 252]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 148]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 147]

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)

تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ [الْبَقَرَة: 146] ، عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا الْحَقُّ، وَحَذْفُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا جَرَى عَلَى مُتَابَعَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بَعْدَ جَرَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ بَعْدَ ذِكْرِ الدِّيَارِ «رَبْعٌ قَوَاءٌ» وَبَعْدَ ذِكْرِ الْمَمْدُوحِ «فَتًى» وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» . وَقَوْلُهُ: فَلا

تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

نَهَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشَّاكِّينَ فِي ذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْحَقُّ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: 2] وَقَوْلِهِمُ الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ هَذَا التَّعْرِيفُ لِجُزْئَيِ الْجُمْلَةِ الظَّاهِرِ وَالْمُقَدَّرِ يُفِيدُ قَصْرَ الْحَقِيقَةِ عَلَى الَّذِي يَكْتُمُونَهُ وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ أَيْ لَا مَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَإِظْهَارُ أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ.

وَالِامْتِرَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ الْمِرَاءِ وَهُوَ الشَّكُّ، وَالِافْتِعَالُ فِيهِ لَيْسَ لِلْمُطَاوَعَةِ وَمَصْدَرُ الْمِرْيَةِ لَا يُعْرِفُ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ بَلْ هُوَ دَائِمًا بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ.

وَالْمَقْصُودُ من خطاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ [الْبَقَرَة: 120]، وَقَوْلِهِ:

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ تَحْذِيرُ الْأُمَّةِ وَهَذِهِ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ تَحْذِيرٍ مُهِمٍّ لِيَكُونَ خِطَابُ النَّبِيءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلَاهُمْ بِكَرَامَتِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمَّةِ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ النَّجَاةِ بَابٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ رَبِّكَ وَقَوْلِهِ: فَلا تَكُونَنَّ خِطَابًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ كُلِّ من يصلح هَا الْخطاب.

[148]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 148]

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [الْبَقَرَة: 146] ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاعْتِرَاضِ، أَوْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [الْبَقَرَة: 145] مَعَ اعْتِبَارِ مَا اسْتُؤْنِفَ عَنْهُ مِنَ الْجُمَلِ، ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ لقّن الرَّسُول عليه الصلاة والسلام مَا يُجِيبُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ، وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ فَضِيلَةَ قِبْلَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَيْأَسَهُمْ مِنْ تَرَقُّبِ اعْتِرَافِ الْيَهُودِ بِصِحَّةِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، ذُيِّلَ ذَلِكَ

ص: 41

بِهَذَا التَّذْيِيلِ الْجَامِعِ لِمَعَانٍ سَامِيَةٍ، طَيًّا لِبِسَاطِ الْمُجَادَلَةِ مَعَ الْيَهُودِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمُخَاطَبَاتِ «دَعْ هَذَا» أَوْ «عُدْ عَنْ هَذَا» ، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ اتِّجَاهًا مِنَ الْفَهْمِ وَالْخَشْيَةِ عِنْدَ طَلَبِ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ. وَهَذَا الْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيِ اتْرُكُوا مُجَادَلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُهِمَّنَّكُمْ خِلَافُهُمْ فَإِنَّ خِلَافَ الْمُخَالِفِ لَا يُنَاكِدُ حَقَّ الْمُحِقِّ. وَفِيهِ صَرْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَهْتَمُّوا بِالْمَقَاصِدِ وَيَعْتَنُوا بِإِصْلَاحِ مُجْتَمَعِهِمْ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [الْبَقَرَة: 177] الْآيَةَ، وَلِذَلِكَ أعقبه بقوله: اسْتَبِقُوا

الْخَيْراتِ

، فَقَوله: يْنَ مَا تَكُونُوا

فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ. فَهَكَذَا تَرْتِيبُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَتَرْتِيبِ الْخُطَبِ بِذِكْرِ مُقَدِّمَةٍ وَمَقْصِدٍ وَبَيَانٍ لَهُ وَتَعْلِيلٍ وَتَذْيِيلٍ.

وَ (كُلِّ) اسْمٌ دَالٌّ عَلَى الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ، وَهُوَ مُبْهَمٌ يَتَعَيَّنُ بِمَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ فَإِذَا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ عُوِّضَ عَنْهُ تَنْوِينُ كُلٍّ وَهُوَ التَّنْوِينُ الْمُسَمَّى تَنْوِينُ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَهُوَ عِوَضٌ عَنْهُ.

وَحَذْفُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (كُلُّ) هُنَا لِدَلَالَةِ الْمُقَامِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُ هَذَا الْمَحْذُوفِ (أُمَّةٌ) لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْأُمَمِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا الْمُضَافُ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفُ يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مِنْ لَفْظِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: 285] أَوْ يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ دُونَ لَفْظٍ تَقَدَّمَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ [النِّسَاء: 33] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَمِنْهُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى تَخَالُفِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ فِي قِبْلَةِ الصَّلَاةِ، فَالتَّقْدِيرُ وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وِجْهَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [الْبَقَرَة: 116] .

وَالْوِجْهَةُ حَقِيقَتُهَا الْبُقْعَةُ الَّتِي يُتَوَجَّهُ إِلَيْهَا فَهِيَ وَزْنُ فِعْلَةِ مُؤَنَّثُ فِعْلٍ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ ذِبْحٍ، وَلِكَوْنِهَا اسْمَ مَكَانٍ لَمْ تُحْذَفِ الْوَاوُ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ عِنْدَ اقْتِرَانِ الِاسْمِ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ فِي مِثْلِهِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي فِعْلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.

وَتُسْتَعَارُ الْوِجْهَةُ لِمَا يَهْتَمُّ بِهِ الْمَرْءُ مِنَ الْأُمُورِ تَشْبِيهًا بِالْمَكَانِ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهِ تَشْبِيهَ مَعْقُول بمحسوس، ولفظجْهَةٌ

فِي الْآيَةِ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَالتَّعْبِيرُ بِهِ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ وَهُوَ مِنَ الْمَحَاسِنِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَة: 48] .

ص: 42

وَضَمِيرُ هوَ عَائِدٌ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ (كُلٍّ) الْمَحْذُوفِ.

وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِمُوَلِّيهَا مَحْذُوفٌ إِذِ التَّقْدِيرُ هُوَ مُوَلِّيهَا نَفْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [الْبَقَرَة: 142] وَالْمَعْنَى هُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهَا وملازم لَهَا.

وَقِرَاءَة الْجُمْهُورُ «مُوَلِّيهَا» بِيَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ «هُوَ مُوَلَّاهَا» بِأَلْفٍ بَعْدَ اللَّامِ

بِصِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ يُوَلِّيهِ إِيَّاهَا مُوَلٍّ وَهُوَ دِينُهُ وَنَظَرُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْوِجْهَةِ الْقِبْلَةُ فَاسْتَبِقُوا أَنْتُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ أُمَّةٍ قِبْلَةٌ فَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عَلَى قِبْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْزَمُوا قِبْلَتَكُمُ الَّتِي هِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّكُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ هَيْكَلُ قِبْلَةٍ فَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عَلَى قِبْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْزَمُوا قِبْلَتَكُمُ الَّتِي هِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّكُمْ عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ قَوْمٍ قِبْلَةٌ فَلَا يَضُرُّكُمْ خِلَافُهُمْ وَاتْرُكُوهُمْ وَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جِهَةٌ مِنَ الْكَعْبَةِ سَيَسْتَقْبِلُونَهَا. وَمَعَانِي الْقُرْآنِ تُحْمَلُ عَلَى أَجْمَعِ الْوُجُوهِ وأشملها.

وَقَوله: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

تَفْرِيعٌ لِلْأَمْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ لَمَّا تَعَدَّدَتِ الْمَقَاصِدُ.

فَالْمُنَافَسَةُ تَكُونُ فِي مُصَادَفَةِ الْحَقِّ.

وَالِاسْتِبَاقُ افْتِعَالٌ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّبْقُ وَحَقُّهُ التَّعْدِيَةُ بِاللَّامِ إِلَّا أَنَّهُ تُوُسِّعَ فِيهِ فَعُدِّيَ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَبَقَا الْبابَ [يُوسُف: 25] أَوْ عَلَى تَضْمِينِ اسْتَبِقُوا مَعْنَى اغْتَنِمُوا. فَالْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِبَاقِ هُنَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى مُصَادَفَةِ الْخَيْرِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ والخيرات جَمْعُ خَيْرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا قَالُوا سُرَادِقَاتٍ وَحَمَّامَاتٍ. وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْخَيْرِ مَحْمُودَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّوْبَةِ خشيَة هاذم اللَّذَّاتِ وَفَجْأَةِ الْفَوَاتِ قَالَ تَعَالَى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمرَان: 133] ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْوَاقِعَة: 10- 12] وَمِنْ ذَلِكَ فَضِيلَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [الْحَدِيد: 10] وَقَالَ مُوسَى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: 84] .

وَقَوله: يْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

جُمْلَةٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ وَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُعْطَفُ إِذْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى فَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرِ لِتَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ يَأْتِي بِهِمُ اللَّهُ لِلرَّفِيقِ الْحَسَنِ لِأَنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالنَّاسِ جَمِيعًا خَيْرِهِمْ وَشَرِّهِمْ

ص: 43