المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 238] - التحرير والتنوير - جـ ٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 142]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 143]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 144]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 145]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 146]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 147]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 148]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 149 إِلَى 150]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 151]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 152]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 153 إِلَى 154]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 155 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 159 إِلَى 160]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 161 إِلَى 162]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 163]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 164]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 165]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 166 إِلَى 167]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 168 إِلَى 169]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 170]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 171]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 172]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 173]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 174]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 175]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 176]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 177]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 178]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 179]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 180]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 181]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 182]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 183 الى 184]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 185]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 186]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 187]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 188]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 189]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 190]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 191]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 192]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 193]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 194]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 195]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 196]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 197]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 198]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 199]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 200 إِلَى 202]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 203]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 204 إِلَى 206]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 207]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 208 إِلَى 209]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 210]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 211]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 212]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 213]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 214]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 215]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 216]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 217]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 218]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 219]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 220]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 221]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 222]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 223]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 224]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 225]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 226 إِلَى 227]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 228]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 229]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 230]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 231]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 232]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 233]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 234]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 235]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 236 إِلَى 237]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 238]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 239]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 240]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 241]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 242]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 243 إِلَى 244]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 245]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 246]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 247]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 248]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 249 الى 251]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 252]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 238]

فَأُمِرُوا فِي هَاتِهِ الْآيَةِ بِأَنْ يَتَعَاهَدُوا الْفَضْلَ وَلَا يَنْسَوْهُ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ يُبَاعِدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَيَضْمَحِلُّ مِنْهُمْ، وَمُوشِكٌ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى عَفْوِ غَيْرِهِ عَنْهُ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى، فَفِي تَعَاهُدِهِ عَوْنٌ كَبِيرٌ عَلَى الْإِلْفِ وَالتَّحَابُبِ، وَذَلِكَ سَبِيلٌ وَاضِحَةٌ إِلَى الِاتِّحَادِ وَالْمُؤَاخَاةِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَذَا الْوَصْفِ عِنْدَ حُلُولِ التَّجْرِبَةِ.

وَالنِّسْيَانُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِهْمَالِ وَقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [السَّجْدَة: 14] وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي كَلِمَةِ بَيْنَكُمْ، إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْعَفْوِ، إِذَا لَمْ يُنْسَ تَعَامُلُ النَّاسِ بِهِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تَعْلِيلٌ لِلتَّرْغِيبِ فِي عَدَمِ إِهْمَالِ الْفَضْلِ وَتَعْرِيضٌ بِأَنَّ فِي الْعَفْوِ مَرْضَاةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ يَرَى ذَلِكَ مِنَّا فَيُجَازِي عَلَيْهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [السطور: 48] .

[238]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 238]

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)

الِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ فِي آيِ الْقُرْآنِ لَا تَلْزَمُ لَهُ قُوَّةُ ارْتِبَاطٍ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كِتَابَ تَدْرِيسٍ يُرَتَّبُ بِالتَّبْوِيبِ وَتَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَكِنَّهُ كِتَابُ تَذْكِيرٍ وَمَوْعِظَةٍ فَهُوَ مَجْمُوعُ مَا نَزَلَ مِنَ الْوَحْيِ فِي هَدْيِ الْأُمَّةِ وَتَشْرِيعِهَا وَمَوْعِظَتِهَا وَتَعْلِيمِهَا، فقد يجمع بِهِ الشَّيْءُ لِلشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ ارْتِبَاطٍ وَتَفَرُّعِ مُنَاسَبَةٍ، وَرُبَّمَا كَفَى فِي ذَلِكَ نُزُولُ الْغَرَضِ الثَّانِي عَقِبَ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ، أَوْ تَكُونُ الْآيَةُ مَأْمُورًا بِإِلْحَاقِهَا بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ

إِحْدَى سُوَرِ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ، وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعَانِي، أَوْ فِي انْسِجَامِ نَظْمِ الْكَلَامِ، فَلَعَلَّ آيَةَ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ نَزَلَتْ عَقِبَ آيَاتِ تَشْرِيعِ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ غَفْلَةٍ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، أَوِ اسْتِشْعَارِ مَشَقَّةٍ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعُ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْعَدَدِ.

وَإِذَا أَبَيْتَ أَلَّا تَطْلُبَ الِارْتِبَاطَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمَّا طَالَ تِبْيَانُ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ: ابْتِدَاءً من قَوْله: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ [الْبَقَرَة: 215]، جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرْتَبِطَةً بِالتَّذْيِيلِ الَّذِي ذُيِّلَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [الْبَقَرَة: 237] فَإِنَّ اللَّهَ دَعَانَا إِلَى خُلُقٍ حُمَيْدٍ، وَهُوَ الْعَفْوُ عَنِ الْحُقُوقِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْخُلُقُ قَدْ يَعْسُرُ عَلَى النَّفْسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ مَا تُحِبُّهُ مِنَ الْمَلَائِمِ، مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ كَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ، وَكَانَ فِي طِبَاعِ الْأَنْفُسِ الشُّحُّ، عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى دَوَاءَ

ص: 465

هَذَا الدَّاءِ بِدَوَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا دُنْيَوِيٌّ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، الْمُذَكِّرُ بِأَنَّ الْعَفْوَ يُقَرِّبُ إِلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُصَيِّرُ الْعَدُوَّ صَدِيقًا وَإِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ فَيُوشِكُ أَنْ تَقْتَرِفَ ذَنْبًا فَيُعْفَى عَنْكَ، إِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْفَضْلَ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصْبحُوا لَا يتنازلون عَنِ الْحَقِّ.

الدَّوَاءُ الثَّانِي أُخْرَوِيٌّ رُوحَانِيٌّ: وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَلَمَّا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى التَّقْوَى وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، حَثَّ اللَّهُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: لَمَّا طَالَ تَعَاقُبُ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ تَشْرِيعَاتٍ تَغْلُبُ فِيهَا الْحُظُوظُ الدُّنْيَوِيَّةُ لِلْمُكَلَّفِينَ، عُقِبَّتْ تِلْكَ التَّشْرِيعَاتُ بِتَشْرِيعٍ تَغْلِبُ فِيهِ الْحُظُوظُ الْأُخْرَوِيَّةُ، لِكَيْ لَا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِدِرَاسَةِ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ التَّشْرِيعِ عَنْ دِرَاسَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ:«أُمِرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي تَضَاعِيفِ أَحْكَامِ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ، لِئَلَّا يُلْهِيَهُمُ الِاشْتِغَالُ بِشَأْنِهِمْ عَنْهَا» .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «لَمَّا ذَكَرَ حُقُوقَ النَّاسِ دَلَّهُمْ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ» وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ فِي الْعِنَايَةِ بِالصَّلَوَاتِ أَدَاءَ حَقِّ الشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَجَّهَ إِلَيْنَا مِنْ عِنَايَتِهِ بِأُمُورِنَا الَّتِي بِهَا قِوَامُ نِظَامِنَا وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 239] أَيْ مِنْ قَوَانِينِ الْمُعَامَلَاتِ النِّظَامِيَّةِ.

وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ تَكُونُ جُمْلَةُ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ مُعْتَرِضَةً وَمَوْقِعُهَا وَمَعْنَاهَا مِثْلُ مَوْقِعِ قَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [الْبَقَرَة: 45] بَيْنَ جُمْلَةِ يَا

بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي

[الْبَقَرَة: 40] . وَبَيْنَ جُمْلَةِ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْبَقَرَة: 122] وَكَمَوْقِعِ جُمْلَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الْبَقَرَة:

153] بَيْنَ جُمْلَةِ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [الْبَقَرَة: 150] الْآيَةَ وَبَيْنَ جُمْلَةِ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ [الْبَقَرَة: 154] الْآيَةَ.

وحافِظُوا صِيغَةُ مُفَاعَلَةٍ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوْقَاتِهَا مِنْ أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْهَا وَالْمُحَافَظَةُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ عَظِيمٌ يُخْشَى التَّفْرِيطُ فِيهِ.

ص: 466

وَالْمُرَادُ: الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ. «وأل» فِي الصَّلَوَاتِ لِلْعَهْدِ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ الْمُتَكَرِّرَةُ لِأَنَّهَا الَّتِي تُطْلَبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا.

وَالصَّلاةِ الْوُسْطى لَا شَكَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُعَرَّفَةً بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَمَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا وُسْطَى، فَسَمعَهَا الْمُسلمُونَ وقرأوها، فَإِمَّا عَرَفُوا الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمُ الِاحْتِمَالُ بَعْدَهُ فَاخْتَلَفُوا، وَإِمَّا شَغَلَتْهُمُ الْعِنَايَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ تَعْيِينِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَازِمِينَ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، فَلَمَّا تَذَاكَرُوهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَنَبَعَ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ شَدِيدٌ أَنْهَيْتُ الْأَقْوَالَ فِيهِ إِلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ قَوْلًا، بِالتَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ، وَقَدْ سَلَكُوا لِلْكَشْفِ عَنْهَا مَسَالِكَ مَرْجِعُهَا إِلَى أَخْذِ ذَلِكَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْوُسْطَى، أَوْ مِنِ الْوِصَايَةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.

فَأَمَّا الَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِالِاسْتِدْلَالِ بِوَصْفِ الْوُسْطَى: فَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ جَعْلَ الْوَصْفِ مِنَ الْوَسَطِ بِمَعْنَى الْخِيَارِ وَالْفَضْلِ، فَرَجَعَ إِلَى تَتَبُّعِ مَا وَرَدَ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى بَعْضٍ، مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاء: 78] وَحَدِيثِ عَائِشَةَ:

«أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ» .

وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ جَعْلَ الْوَصْفِ مِنَ الْوَسَطِ: وَهُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ جَانِبَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنَ الْعَدَدِ فَذَهَبَ يَتَطَلَّبُ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَلَمَّا كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ صَالِحَةً لِأَنْ تُعْتَبَرَ وَاقِعَةً بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارِيٌّ، ذَهَبُوا يُعَيِّنُونَ الْمَبْدَأَ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَبْدَأَ ابْتِدَاءَ النَّهَارِ، فَجَعَلَ مَبْدَأَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقُضِيَ بِأَنَّ الْوُسْطَى الْعَصْرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَبْدَأَ الظَّهْرَ، لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ

فُرِضَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ فِي «الْمُوَطَّأِ» ، فَجَعَلَ الْوُسْطَى: الْمَغْرِبَ.

وَأما الَّذين تعلقوا بِدَلِيلِ الْوِصَايَةِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ، فَذَهَبُوا يَتَطَلَّبُونَ أَشَقَّ صَلَاةٍ عَلَى النَّاس تكْثر المثبطات عَنْهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الظُّهْرُ لِأَنَّهَا أَشَقُّ صَلَاةٍ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ، كَانُوا أَهْلَ شُغْلٍ، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمُ الظُّهْرُ وَهُمْ قَدْ أَتْعَبَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، وَرُبَّمَا كَانُوا فِي إِكْمَالِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْعِشَاءُ لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

هِيَ الْعَصْرُ لِأَنَّهَا وَقْتُ شُغْلٍ وَعَمَلٍ وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الصُّبْحُ لِأَنَّهَا وَقْتُ نَوْمٍ فِي الصَّيْفِ، وَوَقْتُ تَطَلُّبِ الدِّفْءِ فِي الشِّتَاءِ.

ص: 467

وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْخِلَافِ: مَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَذَلِكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهَا الصُّبْحُ، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، لِأَنَّ الشَّائِعَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَنُسِبَ إِلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَالْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَحُجَّتُهُمْ مَا

رُوِيَ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مِنْ شِدَّةِ الشُّغْلِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ:

«شَغَلُونَا- أَيِ الْمُشْرِكُونَ- عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، أَضْرَمَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا» .

وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلُهُمَا لِمَا فِي «الْمُوَطَّأ» و «الصَّحِيحَيْنِ» أَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَمَرَتَا كَاتِبَيْ مُصْحَفَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَا قَوْلَهُ تَعَالَى: حَافَظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وَأَسْنَدَتْ عَائِشَةُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تُسْنِدْهُ حَفْصَةُ، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرَ، بِحُكْمِ عَطْفِهَا عَلَى الْوُسْطَى تَعَيَّنَ كَوْنُهَا الصُّبْحَ، هَذَا مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَسَالِكِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَأَفْضَلِيَّةُ الصُّبْحِ ثَابِتَةٌ بِالْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى مُخَصِّصًا لَهَا بِالذِّكْرِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاء: 78] وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةَ النَّهَارِ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَتَوَسُّطُهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ

ظَاهِرٌ، لِأَنَّ وَقْتَهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ نَهَارِيَّتَانِ، وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ لَيْلِيَّتَانِ، وَالصُّبْحُ وَقْتٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الشَّرْعَ عَامَلَ نَافِلَتَهُ مُعَامَلَةَ نَوَافِلِ النَّهَارِ فَشَرَعَ فِيهَا الْإِسْرَارَ، وَفَرِيضَتَهُ مُعَامَلَةَ فَرَائِضِ اللَّيْلِ فَشَرَعَ فِيهَا الْجَهْرَ.

وَمن جِهَة الْوِصَايَة بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، هِيَ أَجْدَرُ الصَّلَوَاتِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَكْثُرُ الْمُثَبِّطَاتُ عَنْهَا، بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ وَالْعُصُورِ وَالْأُمَمِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَقَدْ تَشُقُّ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْأُخْرَى عَلَى طَائِفَةٍ دُونَ أُخْرَى، بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَقَالِيمِ وَالْفُصُولِ.

ص: 468