الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب الصداق)
الرسالة الثالثة
في مشكلة غلاء المهور (1) .
من محمد بن إبراهيم إلى من يراه إخوانه المسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
فإن مشكلة غلاء المهور في زماننا هذا من أكبر المشاكل التي يجب الاعتناء بحلها، وذلك لما يترتب على غلاء المهور في زماننا هذا من أضرار كثيرة نختص منها بالذكر ما يأتي:
1-
قلة الزواج التي تفضي إلى كثرة الأيامى وانتشار الفساد.
2-
الإسراف والتبذير المنهي عنهما شرعاً.
3-
غش الولي لموليته بامتناعه من تزويجها بالكفؤ الصالح الذي ظن أنه لا يدفع له صداقاً كثيراً، رجاء أن يأتي من هو أكثر صداقاً ولو كان لا يرضى ديناً ولا خلقاً، ولا يرجى للمرأة الهناء عنده، وهذا مع كونه غشاً فيه العضل الذي يعتبر من تكرر منه فاسقاً ناقص الدين ساقط العدالة حتى يتوب، وفيه مخالفة حديث:(إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(2) .
فلهذا وجب أن نبين ما دلت عليه النصوص في هذا الأمر المهم، وما اشترطه العلماء لجواز إكثار المهر بدون كراهة، ثم نجيب عما يظنه البعض دليلاً لهذا العمل المنافي لمقصد الشرع وهو الآية
(1) وتقدمت الرسالة الأولى وهي الروضة الندية والثانية في إنكار الاحتفال بالمولد النبوي، وقد نشرت دار الإفتاء الرسائل الثلاثة عام 84هـ.
(2)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
الكريمة: (وإن أردتم استبدال زوج وأتيتم إحداهن قنطاراً)(1) وقضية عمر بن الخطاب مع القرشية. فنقول وبالله التوفيق.
عقد الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) فصلاً خاصاً لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصداق قال فيه: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها (كان صداق النبي لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا فذلك خمسمائة) . وقال عمر رضي الله عنه: (ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية) . قال الترمذي حديث حسن صحيح. اهـ. و (الأوقية) أربعون درهماً وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (تزوج ولو بخاتم من حديد) وفي سنن أبي داود من حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أعطى في صداق ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل) . وفي سنن الترمذي أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم - فأجازه) قال الترمذي، حديث صحيح وفي مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) وفي الصحيحين (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال: هل عندك شيء تصدقها إياه؟ قال ما عندي إلا إزاري هذا. فقال صلى الله عليه وسلم: إنك إن أعطيتها إزارك جلست
(1) سورة النساء - آية 20.
لا إزار لك، فالتمس شيئاً. فقال: ما أجد شيئاً. فالتمس ولو خاتماً من حديد. فالتزم فلم يجد شيئاً. فقال صلى الله عليه وسلم: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها. فقال: قد زوجتكها بما معك من القرآن) . قال ابن القيم فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهراً، وتحل بها الزوجة. وتضمنت أن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعره.
استحباب الاقتصار على صداق النبي صلى الله عليه وسلم لمن قدر على بذله
قال النووي في شرح حديث عائشة عند مسلم في صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه المتقدم ذكره: استدل بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم. وقال ابن قدامه في (المغنى) : لا تستحب الزيادة على هذا. أي على صداق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه، فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الاختبارات) : كلام الإمام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم، وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار، فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه.
إنكار زيادة الشخص على المقدار المناسب لحاله
ولو كان دون صداق النبي صلى الله عليه وسلم
روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت
امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً. قال قد نظرت إليها. قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أوراق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أوراق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض (1) هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال: فبعث بعثاً بعث ذلك الرجل فيهم) .
قال النووي في شرح صحيح مسلم: معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج. واستدل النووي بهذا الحديث على أن استجاب كون الصداق خمسمائة درهم إنما هو في حق من يحتمل ذلك ولا يجحف به. وقال أبو المحاسن يوسف أبي موسى الحنفي في (المعتصر من المختصر من مشكل الآثار) : الحق أن الإنكار على من زاد على المقدار الذي يناسب حاله وحالها لأنه من الإسراف المذموم، لا عن مطلق الزيادة فإنها مباحة.
وقال القرطي: هو إنكار بالنسبة إلى هذا الرجل فإنه كان فقيراً في تلك الحالة، وأدخل نفسه في مشقة تعرض للسؤال بسببها، ولهذا قال (ما عندنا نعطيك) ثم إنه صلى الله عليه وسلم لكرم أخلاقه جبر إنكسار قلبه بقوله (ولكن عسى أن نبعثك في بعث -أي سرية للغزو- فتصيب منه. فبعثه) نقل هذا عن القرطبي صاحب (فتح الملهم) . قلت: ومن أحاديث الباب ما رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم في المستدرك عن أبي حدرد الأسلمي (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ويستعينه في مهر امرأة، قال كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم. قال
(1) عرض بضم العين وإسكان الراء جانب، كما في شرح النووي.
(لو كنتم تعرفون من بطحان ما زدتم) قال الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) : رجال أحمد رجال الصحيح: وقال المناوي في (فيض القدير) قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي.
ما يشترط لجواز إكثار المهر بدون كراهة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الاختيارات) : لو قيل إنه يكره جعل الصداق ديناً سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال أو كان مؤجلاً لكان متجهاً، لحديث الواهبة، قال: والصداق المقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك لم يكره، إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك، فأما إذا كان عاجزاً عن ذلك كره، بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة. فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره هذا كله، لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة. وقال أبو بكر بن العربي في (أحكام القرآن) : وقد تباهى الناس في الصدقات حتى بلغ صداق امرأة ألف ألف، وهذا قل أن يوجد من حلال. وتقدم قول ابن قدامة في (المغنى) : لا تستحب الزيادة على هذا. أي على صداق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة.
ومن هذه النقود يستفاد أن لجواز الإكثار بدون كراهة من الشروط ما يلي:
1-
أن لا يكون الصداق كله ديناً.
2-
أن لا يقصد الشخص بالإكثار المباهاة.
3-
القدرة واليسار.
4-
أن لا يكون الطريق التي يتوصل بها إلى الصداق محرمة.
أن لا يكون الصادق كله من الحلال.
الجواب عن قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} (1) .
أما قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} فغاية ما تدل عليه هذه الآية جواز دفع القادر على القنطار لا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه، بدليل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي حدرد الأسلمي إمهاره مائتين، وعلى الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أوراق صنيعه، لكون ذلك لا يناسب حالهما، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي المبينة لكتاب الله عز وجل. هذا جوابنا لمن يرى دلالة الآية على جواز المغالاة في الصداق.
أما من لا يرى ذلك فقد سلكوا في الآية (مسلكين) :
أحدهما: ما ذكره أبو حيان في البحر المحي
حيث قال: قال قوم: لا تدل على ذلك أي على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، كما أنه قيل وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم (من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاه بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاه وإنما إنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر، وقد قال صلى الله عليه وسلمم:
(كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة) .
ثانيهما: ما نقله أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال: لا دلالة فيها على المغالاة، لأن قوله تعالى:(وآتيتم) لا يدل
(1) سورة النساء، آية 20.
على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وسلم:(من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين) .
هذا ما ذكروه. وبه يتبين أن لا مبرر في الآية لتكليف العاجز ما لا يقدر عليه، ولا لعضل النساء والتضحية بكرامتهن في سبيل الوصول إلى الأغراض الشخصية.
أما ما روى أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق، حدثني محمد ابن عبد الرحمن، عن مجاهد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائه درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرمة لم تسبقوه إليها، فلا أعرفن ما زاد الرجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت الله يقول: (وآتيتم إحداهن قنطاراً) الآية. فقال: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
فالجواب عن هذه القضية أن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل. يدل على تقييد ذلك بالقدرة واليسار كما تقدمت الأدلة عليه، مع أن زيادة اعتراض المرأة على عمر بن الخطاب في الحديث لها طرق لا تخلو من مقال.
(أولها) طريقة أبي يعلى المتقدمة، وفيها مجالد بن سعيد قال البخاري في التاريخ الصغير كان ابن مهدي لا يروي عنه. اهـ. وفي الميزان قال ابن معين وغيره: لا يحتج به. وقال أحمد: يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس، ليس بشيء وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكر الأسج: أنه شيعي، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال البخاري: كان يحي بن سعيد يضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال الفلاس سمعت يحي بن سعيد يقول: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل. اهـ. ومن هنا يظهر إشكال جزم بعض أهل العلم بجودة إسناد هذه الرواية.
الثانية: رواية ابن المنذر من طريق قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة: ليس ذاك لك يا عمر، إن الله يقول:{وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب} قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود (فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئاً) فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصته. وفي إسناد هذه الرواية قيس بن الربيع قال البخاري في التاريخ الصغير: حدثني عمرو بن علي، قال: كان يحي
وعبد الرحمن حدثنا عنه ثم تركه. حدثنا علي، قال: وكان وكيع يضعف قيساً. قال أبو داود أيضاً: أتى قيس من ابنه، وكان ابنه يأخذ أحاديث الناس فيدخلها في فرج كتاب قيس ولا يعرف الشيخ ذلك وذكره البخاري في الضعفاء أيضاً. وقال النسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين: قيس بن الربيع متروك الحديث كوفي.
الثالثة: رواية الزبير بن بكار، حدثني عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي القصة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. قال: فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس ما ذاك لك. قال: ولم؟ قالت: إن الله تعالى قال: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} الآية. فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ. وهذه الرواية أعلها الحافظ بن كثير في تفسيره بالانقطاع.
الرابعة: رواية اسحاق من طريق عطاء الخراساني عن عمر هذا الحديث بزيادة، ثم إن عمر خطب أم كلثوم بنت علي وأصدقها بأربعين ألفاً. فهذه الرواية أعلها الحافظ بن حجر العسقلاني في تخريج أحاديث الكشاف بالانقطاع.
هذا وعند البيهقي من طريق حميد عن بكر ما يعارض هذه الروايات بلفظ: قال عمر بن الخطاب: لقد خرجت وأنا أريد أن انهي عن كثرة مهور النساء حتى قرأت هذه الآية: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} ففي هذه الرواية لو صحت دلالة على أن عمر
هو الذي فهم من الآية جواز الكثرة، لكنها مرسلة كما في سنن البيهقي. كما أن عبد الرزاق في مصنفه رواية تعارض رواية اعتراض المرأة بالآية وقبول عمر كلامها، فقد روى عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع، قال: قال عمر بن الخطاب لا تغالوا في مهور النساء، فلو كان تقوى الله كان أولاكم به بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نكح ولا أنكح إلا على اثنتي عشرة أوقية. قال نافع: فكان عمر يقول: مهور النساء لا يزدن على أربع مائة درهم، إلا فيما تراضوا عليه فيما دون ذلك، قال نافع: فكان عمر يقول: مهور النساء لا يزدن على أربع مائة درهم، إلا فيما تراضوا عليه فيما دون ذلك قال نافع وزوج رجل من لده ابنة له على ستمائة درهم. قال: ولو علم بذلك نكله. قال: وكان إذا نهى عن الشيء قال لأهله إني قد نهيت عن كذا وكذا، والناس ينظرون إليكم كما ينظر الحدا إلى اللحم فإياكم وإياه. هذا لفظ عبد الرزاق، فذكر نافع في هذه الرواية أن عمر بن الخطاب لو اطلع على تزوج ولد ابنته بستمائة درهم لنكله مما يشكك في قضية المرأة. ولما ذكرنا تركها أصحاب السنن الأربعة كثير من أئمة الحديث الذين رووا نهي عمر عن المغالاة بالصداق، واقتصروا على استدلال عمر بصداق النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية بعضهم بدل اعتراض المرأة زيادة: وإن الرجل ليغلي بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول: كلفت لكم علق القربة.
وقد نص أبو بكر بن العربي في (أحكام القرآن) على أن الرواية المشهورة عن عمر هي التي لم تتعرض لقضية المرأة.
يضاف إلى هذا كله أن الحديث عند أصحاب السنن الذين تركوا زيادة اعتراض المرأة من طريق أبي الجعفاء هرم بن نسيب،
وهو وإن كان قد وثقه بعض الحفاظ فقد قال أبو أحمد الحاكم ليس حديثه بالقائم، وقال البخاري: في حديثه نظر. وبهذا تعقب المنذري في مختصر السنن سكوت أبي داود عنه. وعبارة البخاري في (التاريخ الصغير) قال: سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين فثبت عن ابي الجعفاء، عن عمر في الصداق قال هشام عن ابن سيرين: حدثنا أبو الجعفاء، وقال بعضهم عن ابن سيرين عن أبي الجعفاء عن أبيه في حديثه نظر. هذا نص البخاري في تاريخه الصغير. وللحديث بلفظ أصحاب السنن عند أبي نعيم في (الحلية) إسناد آخر فإنه رواه في ترجمة شريح من طريق القاسم بن مالك، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي عن شريح، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكره، وهذا الاسناد قال أبو نعيم فيه: غريب من حديث الشعبي عن شريح والمشهور من حديث ابن سيرين عن أبي الجعفاء عن عمر تفرد به القاسم بن مالك المزني، عن أشعث.
والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسحبه وسلم.
(إنتهت الرسالة الثالثة)
اتفقت قبائل على تخفيض المهور وطلب الموافقة عليها
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة
رئيس مجلس الوزراء
…
وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
فقد جرى الاطلاع على أوراق المكاتبة المشفوعة الواردة إلينا من رئاسة مجلس الوزراء برقم 20648 وتاريخ 8-3-1380هـ
بشأن مشكلة غلاء المهور، وما أرفق بها من القرارات الموقعة من كل من: قبيلة بني ساهر، البضاضة، عليان، والسقيفة قبيلة خشعم، قبيلة آل عامر، قبيلة الشفيف. قبيلة تمران الحارثية المتضمنة اتفاق القبائل المذكورة على تخفيض المهور وتحديدها بموجب ما قرره عقلاؤهم وأعيانهم، وتصديق قاضيهم وأميرهم ومشائخ قبائلهم.
وبتأمل ما ذكر وتتبع أوراق المكاتبة وجدت خطتهم التي انتهجوها خطة وجيهة، ولا محذور فيها، والشرع يحث عليها ويرشد إليها، لأن غلاء المهور وفدح ما يدفعه الزوج وقت العرس في الصداق وما يتبعه شيء كثير يعجز عنه فقراء الحال وكثير من المتوسطين ويفضي إلى قلة الزواج، لأنه يكلف الرجال ما لا طاقة لهم به. وقلة الزواج تفضي إلى كثرة الأيامى وانتشار الفساد، وربما كان الضرر في هذا على النساء أكثر، مع العلم أن الصداق لا تقدير له في الشرع بحد محدود لا يزاد فيه ولا ينقص وإنما ترك تقديره للناس حسبما يتعارفون عليه في كل زمان ومكان لتفاوتهم في الغنى والفقر والجمال وضده والبكارة والثيوبة فيكون صداق كل إنسان على حسب حاله وحال المرأة التي يريد أن يتزوجها، مع الإرشاد إلى التخفيف والتيسير وعدم المغالاة فيه ولهذا فإننا نؤيد ما انتهجه أعيان القبائل المذكورة في الجملة لما يأتي:
أولاً: أن تخفيف المهر أمر مأمور به شرعاً باتفاق العلماء سلفاً وخلفاً، ولم يخالف فيه أحد من أهل العلم، فهو الأصل والأكمل بلا شك.
ثانياً: أنه هو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وتقريره، فمن ما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم ما رواه أحمد عن عائشة مرفوعاً (إن أعظم النكاح بركة أيسره مثونة) وفي لفظ (أخف النساء صداقاً أعظمهن بركة) وفي لفظ (خير الصداق أيسره) وروى أحمد وأبو داود عن جابر مرفوعاً (لو أن رجلاً أعطى امرأة صداق ملأ يديه طعاماً كانت له حلالاً) . ومما ثبت بفعله عليه الصلاة والسلام ما رواه أبو سلمة، قال: سألت عائشة كيف كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشاً) والنش نصف أوقيه فتلك خمسمائة درهم) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي ومن ما ثبت بقريره عليه الصلاة والسلام (أنه أجاز زواج امرأة من بني فزارة على صداق نعلين) رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن أبي هريرة قال (كان صداقنا إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواق وطبق بيديه. وذلك أربعمائة درهم. رواه النسائي.
ثالثاً: أن المغالاة في المهور مع كونها خلاف السنة فيها محذور شرعي وهو الإسراف والتبذير، وهذا منهي عنه شرعاً، بل ورد الإنكار على من زاد في المهر صريحاً وهذا منهي عنه شرعاً، بل ورد الإنكار على من زاد في المهر صريحاً في حديث أبي هريرة عند مسلم، قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار على أربع أواق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الحائط، ما عندنا نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه) .
رابعاً: أن المغالاة في المهور كثيراً ما تكون حائلاً دون كثير من الرجال والنساء عن الزواج المبكر، لعجز الزوج في الغالب على تحصيل المهر إلا بجد ومشقة، وربما تدين ديوناً يعجز عن وفائها.
خامساً: أن ولي المرأة إذا جعل هدفه كثرة الصداق وقع في محذورين شرعيين: أحدهما أنه يمنع من تزوج موليته الكفؤ الصالح الذي يظن أنه لا يدفع له صداقاً كثيراً رجاء أن يأتي من هو أكثر منه صداقاً ولو لم يكن مثله في الصلاح، وفي هذا غش لموليته، وعضل لها من تزويجها بكفئها، والعضل محرم، وإذا تكرر من الولي اعتبر فاسقاً به، وتنقص به ديانته وتسقط عدالته حتى يتوب منه. والمحذور الثاني ما تضمنه حديث (إذا جاءكم من ترغبون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم بلفظ: إذا أتاكم.. الخ.
داخل في عموم قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى) سورة المائدة - آية 2. والله يحفظكم.
(ص-ف 1757 في 2/12/1380هـ)
تخفيض المهور وتحديدها ومجازاة من يزيد عليها أو يسرف في الولائم
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض
…
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
بناء على البحث الشفهي الذي جرى بيننا وبين الشيخ عبد الله ابن خميس حول موضوع المهور، وأمر سموكم بإرفاق صورة مما صدر منا
…
نرفق لسموكم صورة من الفتوى في هذا الشأن، ونسأل الله أن يرفق سموكم إلى ما فيه الخير والصلاح، والله يحفظكم. والسلام.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف3388-1 في 20-10-1388هـ)
(صورة الفتوى)
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب والحكمة، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله. ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله. وقد أكمل به الدين، وأتم به النعمة، ودرج على سبيله خلفاؤه الراشدون ومن تبعهم بإحسان، وأمر عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم وهم العلماء والأمراء، كما أوجب سبحانه على أولي الأمر النصح لرعايتهم، والاهتمام بشئون من ولاهم الله أمرهم وحملهم على ما يصلحهم ويضمن مصالحهم في شئون دينهم ودنياهم، وأخذهم بحكم الله ورسوله، فيلزمونهم بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، كما أوجب عليهم أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول -أي إلى كتاب الله، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم.
وإن من الأشياء التي تمادى الناس فيها حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهي مسألة (التغالي في المهور) والإسراف في الألبسة والولائم ونحو ذلك، وقد تضجر علماء الناس وعقلاؤهم من هذا لما سببه من المفاسد الكثيرة التي منها تأيم كثير من النساء بسبب عجز كثير من الرجال عن تكاليف الزواج، ونجم عن ذلك مفاسد كثيرة متعددة. وبدافع الغيرة الدينية والسعي وراء الصالح العام رأى ولاة الأمور وقادة الناس من رجال الدولة وعلماء المسلمين وإحصان فروجهم تدعو إلى وضع حد لهذا الأمر الذي تباهى فيه الناس حتى خرجوا فيه عن الحد المألوف المرغب فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مستوى لا يستطيع الكثير من الناس معه إعفاف فروجهم، وبناء على ذلك جرت اجتماعات
وكتابات من طلبة العلم وغيرهم للنظر في هذا الموضوع ولم يبق إلا إصدار فتوى يتمشى الناس على ضوئها، ويحملهم ولاة الأمر على العمل بها، فاستعنت بالله وبحثت الموضوع من جميع أطرافه وتحرر ما يلي:
1-
أن تخفيف الصداق وعدم تكليف الزوج بما يشق عليه مأمور به شرعاً باتفاق العلماء سلفاً وخلفاً وهو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الإمام الموفق بن قدامه في (المغنى) استحباب عدم المغالاة في الصداق والأحاديث الواردة في ذلك، منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة) رواه أبو حفص بإسناده، ومنها ما رواه أبو العجفاء قال: قال عمر رضي الله عنه: ألا لا تغلو صداق النساء: فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشر أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقه امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه، حتى يقول كلفت لكم عرق القربة. أخرجه النسائي وأبو داود مختصراً ثم قال الموفق: ولا تستحب الزيادة على هذا -يعني صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة.
وعقد الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) فصلاً خاصاً بفضائه صلى الله عليه وسلم في الصداق قال فيه: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان صداق
النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ فذلك خمسمائة) وقال عمر رضي الله عنه ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. انتهى.
وفي سنن أبي داود من حديث جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعطي في صداق ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل) وفي الترمذي (أن امرأة من فزارة من تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت نعم. فأجازه) قال الترمذي: حديث صحيح. وفي الصحيحين (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد وهبت نفسي لك، فقامت طويلاً، فقال رجل: يا رسول الله قد وهبت نفسي لك، فقامت طويلاً، فقال رجل: يا رسول الله زوجتنيها إن لم تكن، إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك إن أعطيتها إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً. قال: فالتمس ولو خاتماً من حديد. فالتمس ولم يجد شيئاً. قال: فالتمس ولو خاتماً من حديد. فالتمس ولم يجد شيئاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة سماها، فقال صلى الله عليه وسلم: زوجتكما بما معك من القرآن، ثم قال ابن القيم: فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهراً. وتحل بها الزوجة. وتضمنت أن المغالاة في المهر مكروهة
في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره. إلى أن قال: ومن ادعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنها منسوخة أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل، والأصل يردها. وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين سعيد بن المسيب ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد، بل عد ذلك من مناقبه وفضائله، وقد تزوج عبد الرحمن ابن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال النووي رحمه الله في (ِشرح مسلم) على حديث عائشة في صداق النبي صلى الله عليه وسلم: استدل بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم. انتهى. وخمسمائة الدرهم نصف مثقال وخمس مثقال، فعشرة الدراهم سبعة مثاقيل، وهي تساوي من الريالات مائة وأربعين ريالاً تقريباً.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية كما في (الاختيارات) : كلام الإمام أحمد أن يكون الصداق أربعمائة درهم، وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار، فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه. اهـ.
2-
إن الزوج إذا تكلف من الصداق ما لا يقدر عليه ولا يتناسب مع حاله استحق الإنكار عليه، لأنه فعل شيئاً مكروهاً ولو كان ذلك الصداق دون صداق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت امرأة
من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً. قال: قد نظرت إليها. قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال: فبعث بعثاً بعث ذلك الرجل فيهم. قال النووي في شرحه لهذا الحديث. معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج. وقال أبو المحاسن الحنفي في (ألمعتصر)، من المختصر من مشكل الآثار: الحق أن الإنكار على ما زاد على المقدار الذي يناسب حاله وحالها، لأنه من الإسراف المذموم، لا عن مطلق الزيادة فإنها مباحة. اهـ. وروى أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم في المستدرك عن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة قال: كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم. قال: لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم. قال في (مجمع الزوائد) : رجال أحمد رجال الصحيح. اهـ.
3-
مما لا شك فيه أن الزواج أمر مشروع مرغوب فيه، وفي غالب الحالات يصل إلى حد الوجوب، وأغلب الناس لا يتمكن من الوصول إلى هذا الأمر المشروع الواجب أو المستحب مع وجود هذه المغالاة في المهور. ومن المعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومن هذا يؤخذ مشروعية إرشاد الناس وردعهم عن التمادي في هذا الأمر الذي يحول دون المرء ودون فعل ما أوجبه الله عليه، لا سيما والأمر بتقليل المهر لا يتضمن مفسدة، بل هو
مصلحة محضة للزوج والزوجة، بل هو أمر للشارع مرغب فيه كما تقدم.
4-
أن امتناع ولي الأمر من تزويجها بالكفء إذا خطبها ورضيت به إذا لم يدفع ذلك الصداق الكثير الذي يفرضه من اجل أطماعه الشخصية أو لقصد الإسراف والمباهاة أمر لا يسوغ شرعاً بل هو من باب العضل المنهي عنه الذي يفسق به فاعله إذا تكرر، وتنتقل بسببه الولاية إلى غيره، وحالة عضل الأولياء كلهم لولي الأمر أن يتدخل ويتولى التزويج بنفسه.
5-
أن كثرة المهور والمغالاة فيها عائق قوي للكثير من التزوج ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء، والوسائل لها حكم الغايات والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة فعل المحرمات لكفى.
6-
ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (أعلام الموقعين) فصلاً في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، وذكر في هذا الفصل أن أساس الشريعة ومبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وأنها عدل كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
ولا يخفى ما سببته المغالاة في المهور من المفاسد، فكم من حرة
مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها إيما بدون زوج ولا ذرية وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فجرت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن، وكم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران، فخسره أهله، وفسد اتجاهه، وبل خسرته أمته ووطنه، وخسر دنياه وآخرته.
7-
أن كثرة الصداق وإن كان فيها شيء من المصلحة للمرأة وأوليائها فإنما يترتب على ذلك من المفاسد يربو على تلك المصلحة إن وجدت، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
8-
أن الواجب على ولاة الأمور الاهتمام بأمر رعيتهم ودفع الشعر عنهم، ولا سيما في أمور الدين. وحيث عرفنا مما تقدم ما يترتب على المغالاة في المهور من الشرور فإن الواجب على ولاة الأمور التدخل في هذا الموضوع ووضع حد لهذا السرف والمباهاة اللذين سببا عضل النساء وظلمهن وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه.
9-
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (كتاب الحسبة) في بحث التسعير أنه إذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب. وحمل الناس على تخفيف المهور والحالة ما تقدم من هذا الباب لأن المقصود به العدل والخير للرعية.
10-
أما قول الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} فغاية
ما يدل عليه جواز دفع القادر للقنطار لا تكليف العاجز عنه به ومنع الرجل موليته من النكاح بالكفء إلا إذا بذله، بدليل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي حدرد الأسلمي إمهاره مائتين، وعلى الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق، لكون ذلك لا يناسب حالهما، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي المبينة لكتاب الله والمفسرة له. وهذا كالجواب لمن يرى أنه في الآية دلالة على جواز المغالاة في المهور، وإلا فهناك قول آخر قوي، وهي أنها لا تدل على جواز ذلك، قال أبو حيان في (البحر المحيط) : قال قوم: لا تدل على ذلك -أي على إباحة المغالاة في الصداق- لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، كأنه قيل وآتيتم هذا المقدار العظيم الذي لا يؤتى لأحد، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاة، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لن أمهر مائتين وجاء ليستعين في مهره وغضب صلى الله عليه وسلم:(كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحسرة) .
ونقل أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال: لا دلالة فيها على المغالاة، لأن قوله تعالى:{وآتيتم} لا تدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع، كقوله صلى الله عليه وسلم:(من قتل له قتيل فأهله بخير النظرين) . وبهذا يتبين أن لا مبرر في الآية لتكليف العاجز ما لا يقدر عليه، ولا لعضل النساء والتضحية
بمستقبلهن وإهدار كرامتهن في سبيل الوصول إلى الأطماع والجشع والمباهاة.
11-
أما القصة المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي ما روى أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق، حدثني محمد ابن عبد الرحمن، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروققال: ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فيما دون ذلك، ولو أن الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرف ما زاد الرجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء عن أربعمائة درهم. فقالت أما سمعت الله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} الآية. قال: فقال: اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل. قال: قال أبو يعلي وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. اهـ.
فالجواب عنها أن زيادة اعتراض المرأة عليه لها طرق لا تخلو من مقال: منها طريق أبي يعلى المتقدمة فيها مجالد بن سعيد وقد قال الإمام أحمد فيه: يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء. وقال ابن معين وغيره لا يتحج به. وقال البخاري فيه: ضعيف. وتكلم فيه جملة من أئمة الجرح والتعديل بغير ذلك.
ومن طرق القضية طريق أخرى عند ابن المنذر من رواية قيس ابن الربيع، وقد تكلم فيع غير واحد كالبخاري وابن مهدي ويحي بن معين وغيرهم، وذكره البخاري في الضعفاء وقال النسائي في (كتاب الضعفاء والمتروكين) : قيس بن الربيع متروك الحديث. وحيث أن طرق القصة لا تخلو من مقال فإنها لا تصلح للاحتجاج ولا لمعارضة تلك النصوص الثابتة المتقدم ذكرها، لا سيما وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفة عمر أو الإنكار عليه غير ما جاء عن هذه المرأة. وقد علمت كلام العلماء في سند قصتها. وحينئذ فكلام عمر وهو المحدث الملهم إذا خلا من هذه الزيادة موافق لتلك النصوص وملزم بالعمل بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وقال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر) .
إذا تقرر في هذا فإن الطريق الذي نرى حمل الرعية على العمل به في هذا الصدد يتلخص فيما يلي:
1-
بالنسبة للرياض ومكة وجدة والمدينة وغيرها من مدن المملكة الكبار نرى أن يكون الحد الأعلى للصداق أربعة آلاف ريال فأقل، حسب مراتب الناس وأحوالهم، ومعها من التوابع ما يتلاءم مع مقدار الصداق.
2-
أما بالنسبة لغير من ذكر هنا فنرى أن يكتب لكل قاضي بلدة وأميرها أن يجمع أعيانهم ويخبرهم بإلزام ولاة الأمور لهم بتخفيض المهور، ثم يستعرضون حالة مواطنيهم ويتفقون على
ما يتناسب مع حالتهم، ملاحظين حالة الأضعف ومتوسط الحال منهم، وما تم اتفاقهم عليه تعين الإلزام به.
3-
الذين سبقوا في هذا الميدان واتفقوا فيما بينهم من بعض القبائل في الحجاز وتهامة وغيرهم بدافع منهم على محارمهم على صداق يتلاءم مع مستوى حالتهم المادية مراعين في ذلك حالة الأضعف منهم فهؤلاء يشجعون على الاستمرار على ما هم عليه، ولا يمكن أحد من أفراد تلك الجهات مخالفة ما اتفقوا عليه.
4-
يلزم الجميع بمنع آلات اللهو والطرب والأغاني، وعلاوة على ذلك يمنع الدف وإن كان أصله مباحاً نظراً لما ارتكب بسببه من التوسع في استعمال آلات اللهو والطرب المحرمة واختلاط الرجال بالنساء، ورفع أصواتهن بالأغاني، وإقلاق راحة المجاورين بتلك الأصوات المنكرة، مع ما يقترن بذلك من بذل الأموال في سبيل غير مشروع للمغنيات وغيرهن.
5-
يلاحظ القضاء على كل ما من شأنه الإسراف والبذخ والتطاول من تلك التكاليف التي كان لها السبب الأعظم في المغالاة في المهور: كالإسراف في الولائم، والأثاث كغرف النوم والألبسة كالفساتين ونحوها، والحلي كالعقود الثمينة ونحوها.
6-
يكتفي بوليمة واحدة لا إسراف فيها، سواء كانت عند الزوج أو عند أهل الزوجة حسبما يحصل الاتفاق عليه، مع أن أصل شرعيتها من جانب الزوج. وبناء على ذلك تلغى الحفائل والمباهاة.
7-
يجعل في كل بلد لجنة رقابة مرجعها القاضي تتولى ملاحظة تطبيق ما تقدم، ومن ثبت مخالفته فيعاقب بعقوبة مالية،
وتصادر الزيادة، وترصد للمحتاجين للزواج، كما يبلغ مأذون عقود الأنكحة أخذ التعهد على كل من أراد عقد زواج بأن لا يزيد على ما ذكر.
8-
متى امتنع ولي أمر المرأة من تزويجها بالكفء الذي رضيت به بدافع الطمع والرغبة منه في الزيادة على ما تقرر فلولي الأمر التدخل في الموضوع بالوجه الشرعي.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويثبتهم على دينهم ويهدينا وإياهم من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
مفاسد المغالاة في المهور
الذي ينبغي توخي الصداق النبوي، إلا أنه عقد تغير الأحوال تسوغ الزيادة، لا المغالاة.
وبالنسبة إلى حاجة الأعزاب إلى النكاح فإنه قد وصل غالباً إلى حد لا يستطيعه كثير من الناس فيفوت الوطء بالنسبة إليهما، وتحصيل السنل، وتحصين الفرج، كل هذا من مفاسد هذه المغالاة، فمن المناسب أن ينظر إلى ذلك ويرد الناس إلى شيء يصطلحون عليه، كما وجد في نواح عديدة ناحية أو ناحيتين أو ثلاث اصطلحوا على مقادير وأذن لهم في ذلك. وأفتي لهم في ذلك. بعضها في تهامة الشمالية وبعضها الجنوبية. فإنه يفوت بها مفاسد لا يعملها إلا رب العزة، ومن قواعد الشريعة إرتكاب إحدى المفسدتين لتفويت أعلاهما. مع أنه بالنظر
والتحقيق في الآية: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} (1) ليس نصاً في المنع، لكن قد يكون فيه شيء من الإيماء أو قد يفهم منه أن القلقة هي التي ينبغي، ولذلك أمير المؤمنين عمرهم بذلك، فلما ذكرت له المرأة الآية كان عنده شيء من الورع فكف عما هم به. هذا في الذي تؤتاه ولو قناطير فإنها ملكته، والمسألة التي فيها الكلام هي عند ابتداء ذلك. المقصود أنه ينبغي أن يفطن له.
كما أن هنا مضرة أخرى وهي ربما يتزوجون من البلاد الأخرى فإن في ذلك مفاسد دينية ودنيوية وسمتية، وخلل ضار لبنات الوطن، فإنه غالباً قد يتزوج امرأة خفيفة الدين إن كان المعتقد صحيحاً وإن كان وثنياً فالزواج غير صحيح.
وإن كان صحيحاً في ذاته ولكن فيه فساد أحوال وأخلاق. فإنه لا يجوز للرجال أن يكونوا هكذا.
(تقرير)
حددوا المهر فيما بينهم، وطلبوا الزيادة من غيرهم
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس محاكم منطقة جازان
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 1132-2 وتاريخ 21-3-87هـ المبني على خطاب قاضي هروب رقم 154 وتاريخ 7-3-87هـ وقد ذكر فيه أن القبائل التي جهته اتفق رؤساؤها وأعيانها على أن الشخص إذا أراد أن يتزوج فالمهر الواجب عليه مائة وثلاثون ريالاً من الفرانسي وأنه حصل بعد ذلك أن بعض الآباء إذا
(1) سورة النساء - آية 20.
أراد أن يزوج ابنته على شخص من غير قبيلتها أنه يأخذ مهر زائداً. وتسأل عن رأينا في هذا الموضوع؟
والجواب: حيث أن الاتفاق جرى بينهم في تحديد المهر، وأنه يحقق مصالح عظيمة وهي عدم تعطل الفتيان والفتيات عن الزواج وقلة الجرائم الأخلاقية وزوال جشع الآباء والتضحية بالبنات من أجل الطمع فإنه يتعين منعهم على أخذ قدر زائد عما اتفقوا عليه إذا أرادوا أن يزوجوا شخصاً ليس من قبيلة البنت، يكون معلوماً. والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف 326-1 في 29-1-1388هـ)
يجوز أن يكون المهر ريالين
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الله الصالح مبشر الشهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن المهر. وهل يصح للرجل أن يزوج ابنته على مهر ريالين فقط؟
والجواب: الحمد لله وحده. الصداق هو العوض المسمى في النكاح، والسنة أن يكون كصداق النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه، وذلك خمسمائة درهم. وإن زاد أو نقص فلا بأس، وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً وإن قل لحديث جابر مرفوعاً (لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يده طعاماً كانت له حلالاً له) رواه أبو داود، وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضيت من
مالك ونفسك بنعلين) رواه الإمام أحمد وغيره. والله أعلم.
مفتي الديار السعودية
(ص-ف 2419 في 2-6-1387هـ)
ما يسمى مهراً عند العوام
س / ما يسمونه مهراً -كخمسين- والصداق قد بذل ثلاثة آلاف.
ج / هم يقدمون الحقيقي حتى لا يبقى إلا الشيء القليل. والأحكام دائرة على الحقيقي، وهذا استمروا عليه لأنه كان في السنين الماضية شيء قليل، وقد يعجل وقد يؤخر، وهو يقصدون أنه مؤجل. ويتنصف كله الثلاثة والخمسين.
س / هل لا بد من إعطائه المرأة؟
ج / حق يجب إعطاؤه المرأة. فهذا زيادة عليه، وكونه يسمى عند العقد جائز، فإنه ولو لم يذكر صداق صح النكاح.
(تقرير)
مكسر الجماعة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة قاضي
وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
فقد ثبت لدينا أن لأهل تلك الجهات عادة اعتادوها بعد عقد الزواج هي أنهم يأخذون جبراً إما من المتزوج أو من مهر الزوجة مبلغاً يتراوح ما بين المائتين وبين خمسمائة ريال يوزع على أهل القرية التي عقد فيها النكاح باسم (مكسر
الجماعة) فلهذا وجب بيان حكم الشرع في هذه العادة. وهو أنها من أكل أموال الناس بالباطل، إذ ليس المأخوذ تبرعاً ولا عقد معاوضة ولا مما طالبت به نفس المالك. وقد قال الله تعالى في كتابه {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الآية (1) . وأخرج الشيخان من حديث أبي بكر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع:(إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وروى البيهقي بإسناد صحيح من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع، فذكر الحديث، وفيه (ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس) والنصوص في هذا كثيرة، كما أن القرآن ما يدل على منع التلاعب بمهور النساء فقد قال الله في شأن الأزواج:{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} (2) وقال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} (3) فما دام التصرف في المهور محرماً على الأزواج بغير طيب نفس بالأجنبي الذي يأخذه جبراً من باب الأحرى والأولى.
(1) سورة النساء - آية 29.
(2)
سورة النساء - آية 20.
(3)
سورة النساء - آية 4.