المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وليمة العرس - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - جـ ١٠

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌باب وليمة العرس

في 24-3-1380هـ المتعلقة بدعوى

ضد

الغلاف من أنه تعدى وأخذ ابنته وأخيها من بيته.... غيابه وآواهما بداره في.... مدة أربعة أيام وأنه فعل الفاحشة في البنت وأزال بكارتها.

ونفيد سموكم أن جرى دراسة أوراق المعاملة، كما اطلعنا على القرار الصادر في القضية من فضيلة قاضي مستعجلة القطيف رقم 17 في 15-2-1380هـ وبدراسته وتأمله ظهر أن ما قرره فضيلة القاضي من إدانه الغلاف، وما رآه من أنه يسجن ستة شهور ويضرب في كل شهر ثلاثين سوطاً صحيح. وأما ما قرره أنه يغرم أرشاً عوضاً عن إزالة بكارتها فهذا ليس بظاهر لما يلي:

أولاً: أنه لم يثبت أن المدعى عليه هو الذي أزال بكارتها.

ثانياً: أن البنت متهمة بمطاوعتها له، لأن ذهابها له برضاها واختيارها دليل واضح على ذلك، لذا فإنه ينبغي تعزيرها بنحو ثلاثين جلدة. والسلام.

رئيس القضاة

(ص-ق 287 في 20-4-1380هـ)

‌باب وليمة العرس

و (المسألة الثانية) : وهي سؤالكم عن الحكم في إنفاق النفود في حفلات الزواج والأفراح والمآتم.

والجواب: أما وليمة النكاح فهي سنة مشروعة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلها وأمر بها. وينبغي أن تكون بالمعروف بدون إسراف ولا تبذير، وبدون بخل ولا تقتير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:(أولم ولو بشاة) .

ص: 212

وأما إقامة حفلات المآتم فهذا ممنوع. صرح العلماء رحمهم الله بهذا، وقالوا: السنة أن يصنع لأهل الميت طعام يبعث به إليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:(اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) رواه الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه، ويكره لهم فعله للناس، لما روى الإمام أحمد عن جرير، قال:(كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة) . وإسناده ثقات. هذا جواب المسائل التي أوردتم باختصار.

(ص-ف 62 -1 في 9-1-1385هـ)

(وهي بقية جواب أسئلة سكرتير جمعية العلماء المركزية بدلهي)

س: عمل أهل الزوجة الوليمة ما مستنده؟

ج: يمكن لأجل العموم، وإلا فأصل الوليمة من جانب الزوج.

(تقرير)

قوله: أو من ماله حرام.

ولعل الذي أكثر ماله حرام كذلك. ومن في ماله حرام فهو الذي ذكره الماتن، لأنه يمكن أن يكون فيه حرام.

(تقرير)

قوله: غير مأتم فتكره.

والمأتم منه ما يصنعه أهل المصيبة، كما كان عند الجاهلية إذا توفي شخص صنعوا طعاماً وكان يفعل لمن يساعد على الحزن والشرع جاء بالعكس وهو أن يصنع لأهل الميت طعام كما في قصة جعفر.

ويشمل المأتم كل طعام يصنع لأجل حزن.

(تقرير)

ص: 213

(قوله دعا.

يدعو لهم بالبركة. ويكون الدعاء بصفة مناسبة ما يناسب: إما في زواجهم، أو في وليمتهم أو نحو هذا، ويكون منه: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم واغفر لهم وارحمهم.

(تقرير)

قلت: وكان دعاؤه لي لما تزوجت: بارك الله في المتزوج، وله، وعليه.

(قوله: وإباحته متوقفة على صريح إذن، أو قرينه.

اجتماع المدعوين وتقديم الطعام بين أيديهم قد يكون أبلغ من النطق أو أنسب. وجرت العادة بأن يجمعوا بين الأمرين:

تقديم الطعام، وتفضلوا أو سمو. ونحو ذلك.

(تقرير)

أما رجل حضر اتفاقاً من غير أن يدعى ثم قدم الطعام فلا يكون إذناً فيه، ما لم تكن هناك قرينة أخرى تشمل أن من حضر الطعام فإنه يأكل، بل غالب الناس لو وجدوا من حضر وارد القيام أمسكوه. فإن كان في العادة أن حضور مثل هذا الرجل يكون صاحب الدار مسروراً من ذلك فإنه يكفي.

(تقرير)

قوله كخمر وزمر

ويلحق بالخمر التنباك هذا فإنه منكر (1) . وآلات اللهو على اختلاف أنواعها

(تقرير)

قوله: وفرش حرير

ومثلها الوسائد التي يستند عليها إذا كانت من حرير.

(تقرير)

(1) ويأتي ما يتعلق بالزمر وأنواع آلات اللهو قريباً. والتنباك في (باب المسكر) .

ص: 214

قوله: وكره النثار.

وهو أن ينثر شيء في مجتمعات العرس من الفواكه والحبوب فينبعث الحضور ويهتمون منها للأخذ منها، وإذا كان نقوداً أو فلوساً فكذلك، أو أشد في الكراهة، لمزيد رغبة الناس في النقود وأخذ شيء من هذا الملقوط من الدناءة فإن من شأن النفوس أن تستعمل لها العزة والرفعة ولا تكون مبذولة، والسخف يرجع إلى ضعف العقل والمروءة والإنسانية.

(تقرير)

قوله: ويسن الدف في العرس

الدف الذي بوجه واحد ولا صنوج فيه ولا حلق جائز في العرس، أو سنة، وذلك أن السرور في العرس والطرب فيه طبيعي.

(تقرير)

والدف من أنواع اللهو، وارتكب للسلامة من مفسدة أكبر. والدف هو ما كان ذا وجه فقط، ولهذا سمعوا الدف علموا أنه عرس، فقالوا: من المتزوج؟ فقيل: فلان بفلانة. ومن فوائده أنه ربما يكون بينهما شيء من الرضاع فيكون بإعلانه لا يخفى فيه ما خفاؤه يضر. وهو للنساء خاصة. دون الرجال. أما المجامع الآخر فلا.

(تقرير)

حديث: (فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت في النكاح)

الدف الذي لا صنوج به ولا حلق ولا جرسان. ثم الدف من خصائص النساء لا يضرب به الرجال، إنما يضرب به النساء خاصة، لأن هذا من تمام إعلانه. ولا يكتفي بالشاهدين لأن فيه

ص: 215

إعلاناً غير تام، فإنه يخرج عن وصف الزنا الذي هو إسرار مطلقاً.

و (الصوت) هعو الغناء، والمراد الغناء الذي لا يشتمل ععلى محرم - مثل غناء الزفاف:

أتيناكم أتيناكم

فحيانا وحياكم

ولولا الذهب الأحـ

ـمر ما حللت بواديكم

ولولا الحنطة السمراء

ما سمنت عذاريكم

أو يكون شيء آخر المقصود لا يكون فيه شيء حرام.

ثم الغنا الذي فيه نعت الخدود ووصف القدود، هذا لا ينبغي وفي إباحته نظر (1) . لأنه يسبب الفتنة. والحربي لا مناسبة فيه هنا (2) .

(تقرير)

ثم أيضاً إذا اجتمع فيه رجال ونساء لا يجوز لاجتماع يجتمع فيه حفل النسا هذا من إعلانه. ولا يخالطن الرجال. أما إن وجد فيه مخالطة الرجال فهو معصية. أما كون النسا يضربن الطبول في العرس فهو باطل. وأزيد من هذا جعله أياماً عديدة. يصنع بمكبرات الصوت فإنه يتغلظ ذلك، ويزداد غلظاً بالزيادة الكثيرة. وحديث الجاريتين لا يبيح الغناء المحرم (3) .

(1) يعني حتى في هذا المقام.

(2)

يعني الغناء الحربي ومنه:

لا هم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فألقين سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

أن الآلي بغوا علينا

إذا أردوا فتنة أبينا

(3)

قال ابن القيم: وأقرهما لأنهما جاريتين غير مكلفتين، تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم (حرب بعاث) من الشجاعة والحرب. وكان اليوم يوم عيد، فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية، أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغني بما يدعو إلى الزنا والفجور وشرب الخمور مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث كما يأتي مع التصفيق والرقص، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يقرها أحد من أهل الأديان، فضلاً عن أهل العلم والإيمان. اهـ.

ص: 216

س: الجعل الذي يعطي في ذلك؟

ج: عطاء بباصل، تمدح فلاناً وتعطي؟ ! هذا ما يجوز.

(تقرير)

س: شق الهدوم في الزواج؟

ج: هذا شيء جديد. هذا باطل، وهو من إضاعة المال.

(تقرير)

س: الطرب

ج: الأصوات المطربة الحصول عليها بالآلات الأصل فيه المنع، لحديث (صوتان ملعونان)(1) فذكر أن أحدهما صوت الملهاة، فيه ما يسكر القلب، ويزيل منه استحضار عظمة الرب، وذكره بالقلب أبلغ من ذكره باللسان، فصار ممنوعاً.

وشيء منه يسير فيه إعطاء للنفس شيئاً مما تحبه من السرور والطرب من غير وصول إلى الضار. وهذا شأن الشريعة المطهرة أن لا تحرم النفس شيئاً مما يلائمها، لكن بمقدار لا يوصل إلى المفسدة كالدف في العرس، وفي أشياء عديدة أبيح شيء من المحرمات مقدار قليل من المحرمات، إعطاء للنفس مالها تعلق به وتوقان إليه (2) .

فذكر الدف دون بقية الآلات يفيد أن جميع الآلات ممنوعة للتصويت بها في العرس. وفي غيره بطريق الأولى.

و (الطبل) له وجهان، والحلق تكون في جوانبه فتصوت، والصنوج شيء يكفت على جوانب الخشبة، ولعله إذا كان كذلك

(1) أخرجه البزار: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخر: مزمار عند نعمه - ورنة عند مصيبة) .

(2)

قلت: كالحرب، والذهب اليسير في السيف ونحوه.

ص: 217

يزيد في الصوت كالحلق. فصار لا يباح إلا (الدف) الذي لا حلق فيه ولا (صنوج) ، للنساء خاصة، لا للرجال.

أما (الطبل) فلا يجوز بحال من الأحوال في أي وقت.

وذكر بعض العلماء أنه يجوز في الحرب كما جاز الحرير، لما فيه من تقوية القلب، والطبل فيه شيء مما يشجع، وفي غير هذا لا يستعمل. وهذا كله يستعمل بقدر لا يصل إلى محذور. فإذا وصل بأن كانت مفسدته أكبر منع، هذه قاعدة في كل شيء.

وأبيح الدف في حق النساء خاصة، وكذلك الذهب والحرير وأشياء أخرى فيها المفاوتة في جزيئات أو في كليات بعض الأحيان فالشرع له في الجملة المغايرة بين بعض الأشياء في بعض الأحكام.

(تقرير)

و (الغناء) الذي على عهد الصحابة جنسه مروي في الأحاديث وهو لا يشتمل على محرم، كما في: أتيناكم....... (1) .

أما المشتمل على محرم فلا يحل لا في عرس ولا في غيره. لا في نظم ولا في نثر.

(تقرير)

الدف في العرس سنة، وإذا عارضها مفاسد أعظم منعت

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأمير المكرم

عبد المحسن بن عبد الله آل جلوي

وفقه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

(1) وتقدمت الأبيات الثلاثة فيه. أو عند قدوم غائب:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داعي

أو قول الحدة في طريق مكة:

بشرها دليلها وقالا

غداً ترين الطلع والجبالا

ص: 218

فقد جرى الإطلاع على المعاملة المحالة إلينا بخطابكم رقم 58-1 وتاريخ 22-2-77هـ الخاصة بما رفعه رئيس هيئة الأمر بالمعروف في الإحساء عن أرباب الدفوف.

ونحيطكم علماً أن إعلان النكاح بالدف سنة، وفيه مصلحة لا تخفى، وقد وردت أحاديث منها أنه صلى الله عليه وسلم قال:(أعلنوا النكاح) وفي لفظ: (أشهروا النكاح) رواه ابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم:(فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح) رواه النسائي.

لكن إذا عارض هذه المصلحة مفاسد أعظم منها تركت، والأدلة على ذلك كثيرة، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها من جديد مخافة ما يقع في القلوب، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً بما أخبره وخصه وأمره بالكتمان مخافة أن يقع من الاتكال على سعة رحمة الله، إلى غير ذلك، وقال الله سبحانه:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} (1) وقال العلماء: درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح.

فالدف في الأعراس مشروع لإظهار النكاح، فإذا كان يقع بسبب ذلك مفاسد أخرى فهو ممنوع، وقال في (سبل الكلام) : دلت الأحاديث على الأمر بإعلان النكاح. وعلى الأمر بضرب الغربال، وفسروه بالدف، والأحاديث فيه واسعة وإن كان في كل واسعة وإن كان في كل منها مقال -إلى أن قال: فيكون مسنوناً، ولكن بشرط أن لا يصحبه محرم من التغني بصوت رخيم من امرأة أجنبية

(1) سورة الأنعام - آية 108.

ص: 219

بشعر فيه مدح القدود والخدود، بل ينظر بالأسلوب العربي الذي كان في عصره صلى الله عليه وسلم فهو المأمور به، وأما ما أحدثته الناس بعد ذلك فهو غير المأمور به، ولا كلام في أنه في هذه الأمصار يقترن بمحرمات كثيرة، فيحرم لذلك، لا لنفسه. اهـ. وفتوى الشيخ سليمان العمري المشتملة على ما ذكره الجد الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله كافية في المنع من ذلك (1) ولا يلتبس هذا إلا على من لا يعرف المصالح والمفاسد.

فيجب منع هذه المرأة وأمثالها من تعاطي ذلك في الأعراس وغيرها، لما لا يخفى من اشتمال ذلك في هذه الأزمان على أنواع من المفاسد. والله يحفظكم.

(ص-ف 230 في 6-3-1377هـ)

تأديب مختلطين في حفلات الزواج على ضرب الدفوف

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

أمير منطقة الرياض

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد اطلعنا على أوراق المكاتبة الواردة إلينا شفعاً بخطاب سموكم رقم 19975-1 في 19-7-1381هـ حول ما تقدم به سعيد الدوسري في استدعائه المرفق بأوراق المكاتبة ضد هيئة الأمر بالمعروف بالبديع، متظلماً من سجنه، وتأديب المشتركين في حفلة الزواج بضرب كل واحد منهم خمسة أسواط إلى آخره.

(1) وانظر فتوى الشيخ عبد الرحمن في الددر السنية، ج4 ص260.

ص: 220

ونفيد سموكم أننا بتأمل ما قرره قاضي الأفلاج بحق المذكورين، بناء على ما تحقق لديه من اجتماعهم مختلطين رجالاً ونساءً على ضرب الدفوف، وما ترتب عليه من وجود منكرات لا يجوز فعلها شرعاً، يعتبر إجراءً حسناً، وفي محله، ولا وجه لتشكي المذكورين، بل الذي ينبغي في ذلك على ولاة الأمر أن يكونوا عوناً لرجال الدين والحسبة في قمع أمثال هؤلاء والضرب على أيديهم بما يحفظ للدين كرامته وللشرع قداسته.

أما ما أشرتم إليه سموكم في عجز الخطاب من السؤال عن ضرب الدفوف في أفراح الزواج، وهل هي محرمة إذا حصل فيها دفوف فقط.

وجواباً عليه: أن ضرب الدفوف إذا كان مقصوراً على النساء فقط سالماً من الأمور المحرمة فلا مانع منه، لشرعية إعلان النكاح. هذا والله يحفظكم.

رئيس القضاة

(ص-ق1151 في 24-9-1381هـ)

قوله: كمزمار

معروف وهو الذي يصوت فيه، ومن أي شيء كان، حتى قصبة الراعي، وذلك لما فيه من الصوت المطرب الملهي، كما تقدم في الحديث المشار إليه (وصوت ملهاة) والمزيك كذلك.

(تقرير)

ص: 221

قوله: وعود

منه الربابة وغير ذلك. كل الأصوات الملهية محرمة ولا تجوز.

(تقرير)(1)

بعض قرى نجد من عادتهم أن يطيب المسجد الفجر من تزوج (2) .

الاستماع إلى البرامج المفيدة من الراديو

وأما الاستماع إلى البرامج المفيدة في (الراديو) فلا مانع منه.

وحكم الاستماع للأغاني فيه كحكم الاستماع للأغاني من شخص دونه، ومن المعلوم كثرة الأحاديث الواردة في تحريم سماع الأغاني، وقد بسط الكلام عليها وعلى ما استدل به لتحريم الأغاني من كتاب الله تعالى العلامة ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) ومن ضمن الأحاديث التي ذكرها فيه ما رواه البخاري في صحيحه، عن عبد الرحمن بن غنيم. قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وأحاديث كثيرة تدل أوضح دلالة على التحريم يطول الجواب بسردها.

(ص-ف 64 في 4-1-1380هـ)

(1) أما حكم الملاعب في الحتان، وما فيها من المفاسد الدينية والدنيوية، فتقدم في (كتاب الطهارة) انظر الفتوى برقم (1055 في 18-11-75هـ) و (1639/1 في 13-3-1385هـ) .

(2)

قلت: وهي من عاداتهم الطيبة، وما أكثرها * ومنها ما تقدم وما يأتي مفرقاً في هذه الفتاوي والرسائل.

ص: 222

الاستماع إلى الأغاني من الراديو

وجواب (المسألة الرابعة) : لا يجوز الاستماع إلى أغاني الراديو لا في حق الرجل ولا في حق المرأة، ولا فرق في ذلك بين أغاني الرجل وأغاني المرأة، وصاحب البيت الذي يشغل الراديو على الأغاني أو يقر غيره على تشغيله على الأغاني في بيته مرتكب جريمة.

(ص-ف 608 في 17-8-1376هـ)

استعمال الراديو

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم أحمد بن صليصل

القائم بأعمال مدرسة بطحان

المكرم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد وصل إلينا كتابك المتضمن السؤال عن الثلاث المسائل الآتي بيانها:

أولاً: الراديو هل يحرم استعماله، أم لا؟

ثانياً: الدخان المعروف هل يعرف من حالة شاربه بعد دفنه في قبره أنه يحول إلى اتجاه غير قبلة المسلمين، أم لا؟

ثالثاً: زكاة الأنعام هل فيه دليل شرعي بأخذ الذهب والفضة بدلاً من الجذعة والثنية..إلخ؟

والجواب: الحمد لله. لا يحرم استعمال الراديو أي تشغيله لأخذ أخبار الإذاعات ونحوها. إلا إذا كان فتحه على ما لا يجوز استماعه من الغناء وسائر المحرمات فيحرم.

(ص-ف509 في 10-7-1376هـ)

ص: 223

اقتناء الراديو في بيت العائلة يفتحونه على ما أرادوا

(السؤال الثاني) قوله: من أغرب المصنوعات الحديثة المذياع (الراديو) ولا يخفى أن عدم اقتنائه أصبح في حكم المتعذر لدى كثير من الناس، فهل يسوغ ذلك إذا كان الغرض منه سماع القرآن والأخبار والمحاضرات العلمية، لا سيما إذا عرف مقتنيه بالعقل والعدالة وعدم الانصياع إلى سماع المجون والأغاني الخليعة؟

الجواب: الحمد لله. لا ينبغي للرجل اقتناؤه إلا رجل، لا يبالي بعواقب الأمور والضرر على عوائله في أديانهم وأخلاقهم وفق الله الجميع للخير. والسلام عليكم.

(ص-ف141 في 24-2-1378هـ)(1)

المضايقة بالراديو

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الأخوان المكرمين في بلد الأرطاوية جعيثن بن عثمان وعبد المحسن الدخيل وماجد المحمد وإخوانهم

سلمهم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد وصل إلينا كتابكم المؤرخ 27-4-81هـ وفهمنا ما تضمنه بخصوص الراديو، وتشكيكم من هذا الرجل الذي وضعه في بلدكم، كما فهمنا ما ذكرتموه عنه مما زعمه من أقاويل لا صحة لها، والحقيقة أن هذا أمر مشكل، والذي أرى أنه لا ينبغي له أن يخالفكم بهذا، وأن لا يضايق الإخوان في

(1) وانظر حكم فشو الأغاني من الراديوات - في نصيحة بتاريخ 13-2-78هـ في الحسبة، وفي القصر بتاريخ 29-3-77هـ.

ص: 224

محلاتهم بهذا الراديو وهم يكرهونه ولا يرغبون وجوده في بلدهم لأنه قد يسبب الوقوع في سماع ما لا يجوز سماعه فيفتتن به الجهال، كما قد جرى في البلاد التي وقع فيها مثل ذلك.

والذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله، والتمسك بحبله المتين والقيام على من تحت أيديكم بالمحافظة على أمور دينهم وكف السفهاء عن المحظورات الشرعية والحرص على ما يجمع القلوب وتحصل به الألفة بين المسلمين. هذا ونسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، ويحفظ إمام المسلمين، ويصلح بطانته. إنه كان على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(25-5-1381هـ)

(سلم الأصل بدون قيد لوكيل المذكورين)

هل الراديو آلة لهو. حكم المعاملة فيه

س: إذا كان يستمع القرآن والحديث من الراديو؟

ج: إن كان يسمع القرآن في المساجد ويسمعه في الراديو فالذي يستمع في المساجد أخير هذا الذي يقرأ فيه إما إنقليزي لأجل مشاهرته، أو لأحد ممن يدعي الإسلام ولا ندري حقيقته.

الأخبار مباح سماع الأخبار بشرط أنه ما يصدره عن خير. فهم يلهون به. الذي يستمع يلهو به.

والراديو مقصود لمن يسمعها، فهو بنفسه ليس من آلة الملاهي، فبعض الناس يستمع المغني من حيث هو.

وعلى القول بأنه آلة وصناعة يجوز المعاملة، لكن الشأن ما يتخذه له، ولو يمنع فهو وجه شرعي لا لذاته بل ما يتوسل به.

ص: 225

ولو يقال بأنه حرام لأجل أنه يفتح على الغناء. فليس بعيداً أما في نفسه فلا مانع، وليس لأجل اللهو، بل هو عارض، وبعض الناس يلهو به. بل هو لمنفعة مقصودة. اللهو الصندوق (1) فإنه يلهي.

(تقرير)

الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات

(الخامس) : ما حكم الأغاني التي تصدر في الإذاعات والحفلات.

والجواب: هي مقسمة إلى قسمين:

الأول: ما أشتمل على حكم ومواعظ وحماس ونصائح ونحو ذلك مما لا غرام فيه، ولا يشتمل على صوت مزمار ونحوه -فهذا لا محذور فيه، لما فيه من المصلحة.

الثاني: ما فيه غرام، ويشتمل على صوت مزمار وما أشبه ذلك -فهو حرام، والأصل في ذلك الكتاب والسنة. أما أدلة الكتاب فأربعة:

الأول: قوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} (2) فسره ابن عباس وغيره بالغناء. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بين في هذه الآية: أن الغناء طريق من الطرق التي يسلكها إبليس لإغواء الأمة، وقد تسلط بهذا وبغيره، بدليل قوله تعالى:{لاحتنكن ذريته إلا قليلاً} (3) وهذا القليل هو المذكور في قوله تعالى: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين

(1) البكم المسجل وكان لا يستعمل في غير الغناء إلا بندرة.

(2)

سورة الإسراء - آية 64.

(3)

سورة الإسراء - آية 64.

ص: 226

إلا عبادك منهم المخلصين} وقد بين تعالى أنه ظفر بهم بقوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين} وقد وقع في هذا كثير من أهل هذا الزمان، فنعوذ بالله من زيغ القلوب (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ز

الثاني: قال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً} قال محمد بن الحنفية ومجاهد: (الزور) هنا الغناء. وجه الدلالة أن الله تعالى بين من أوصاف المؤمنين أنهم إذا مروا بالزور وهو الغناء مروا مر الكرام، ومفهوم ذلك أن استعماله ليس من أوصاف المؤمنين، فيكون حراماً.

الثالث: قال تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويخذها هزواً أولئك لهم عذاب أليم} قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن المراد (بلهو الحديث) الغناء قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه، وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبي الصهباء عنه، وهو قول مجاهد وعكرمة. وجه الدلالة أن الله جل وعلا بين أن بعضاً (من الناس يشتري لهو الحديث) وهو الغناء من أجل إضلال الناس، وإذا كان الغناء سبباً من أسباب الضلالة فلا شك في تحريمه.

رابعاً: قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون} قال عكرمة عن ابن عباس (السمود) الغناء في لغة حمير، يقال: اسمدي لنا. أي غني لنا. قال عكرمة: كانوا إذا سمعوا القرآن غنوا، فنزلت. وجه

ص: 227

الدلالة أن الله تعالى استفهم منهم استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع وذكر في سياق هذا أن من أوصافهم الذميمة السمود وهو الغناء، فهذا يدل على أنه محرم، إذ لو كان مشروعاً أو باقياً على البراءة الأصلية لما ذمهم على فعله.

وأما (السنة) فتقتصر على دليل واحد، وهو ما رواه البخاري في الصحيح معلقاً بصفة الجزم، ورواه أبو داود وابن ماجه في السنن، وأبو بكر الإسماعيلي في الصحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) . وتقرير الاستدلال من ثلاثة أوجه:

الأول: أن الحديث سيق لذم هذا الصنف من الناس الذي يتجاوزون حدود الله ومنها هذه الأمور التي منها المعازف، وأكد ذلك باللام في صدر الكلام، وبالنون المؤكدة، ولو كان مباحاً لما ذم.

الثاني: أنه قال: (يستحلون) ففهم من هذا أن حرمته متقررة. والمعازف هي آلات الملاهي على اختلاف أنواعها، قاله غير واحد من أئمة اللغة، كابن منظور، وصاحب القاموس.

الثالث: أن الله تعالى قرن المعازف بما ذكره معها وهي محرمة. فتكون المعازف مساوية لها في أصل الحكم الذي هو التحريم من (باب دلالة الاقتران) .

وأما أقول الأئمة: فقد قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني.

وأما الشافعي فقد صرح أصحابه العارفون بمذهبه أنه يقول بتحريمه.

ص: 228

وأما الإمام مالك لما سئل عنه قال: إنما يفعله عندنا الفساق.

وأما الإمام أبو حنيفة فقال مالك: وأما أبو حنيفة فإنه يكرهه، ويجعله من الذنوب. قلت والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم، يدل عليه أنه يجعله من الذنوب، ولا يكون من الذنوب إلا إذا كان حراماً.

(ص-ف 13626-1 في 21-11-88هـ)

الغناء من الإذاعة

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

رئيس مجلس الوزراء

وفقه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد جرى البحث مع سموكم حول ما اشتملت عليه الإذاعة من الغناء، وذكرنا لسموكم أنه محرم، وقد طلبتم البيان بشيء من الدليل، وإلى سموكم دليل تحريم الغناء من: الكتاب، والسنة، وكلام الأئمة الأربعة.

قال تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال ابن عباس: صوت الشيطان الغناء، والمزامير، واللهو، وقال الضحاك: صوت الشيطان في هذه الآية هو صوت المزمار، وقال تعالى:{ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال مجاهد: لهو الحديث الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل، وقال حلف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء -يعني لهو الحديث في هذه الآية.

وقال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون} قال عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: السمود هو الغناء بلغة حمير. قال: يقال:

ص: 229

اسمدي لنا يا فلانة. أي غني لنا. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر، والميسر، والكوبة، والغبراء، وكل مسكر حرام) رواه أحمد وأبو داود. و (الكوبة) الطبل الصغير. وقيل: البريط، وهو آلو غناء.

وأما الأئمة الأربعة فإنه رضي الله عنهم لم يسكتوا عن تبيين حكم هذا المنكر، فكان أبو حنيفة رحمه الله يرى الغناء من الذنوب التي يجب تركها والابتعاد عنها، وتجنب التوبة منها فوراً. وصرح أصحابه بحرمة الغناء وسائر الملاهي. وقالوا: السماع فسق، والتلذذ به كفر. وقال مالك رحمه الله وقد سأله ابن القاسم عن الغناء؟ فأجابه قائلاً: قال الله تعالى: {فلماذا بعد الحق إلا الضلال} أفحق هو؟! وقال وقد سئل عن ما يترخص فيه بعض أهل المدينة من الغناء؟ إنما يفعله عندنا الفساق. وقال الشافعي رحمه الله: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل. وقال أحمد رحمه الله في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها: لا تباع إلا أنها ساذجة غير مغنية. ففوت رحمه الله عليهم زيادة في الثمن وهو أيتام، فلو كان يحل لهم لما فوته عليهم.

فمن ما تقدم يتبين تحريم الغناء، ووجوب الابتعاد عنه، وصيانة الإذاعة منه، وألا تجعل منبراً تشاع منه الخلاعة والمجون. وفق الله حكومتنا للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله. وتحريم ما حرما، وتحليل ما أحلا. والسلام عليكم ورحمة الله.

(ص-ف 3158 في 28-12-1382هـ)

ص: 230

الغناء، وصوت المرأة في الإذاعة، وتوظيفها في الأعمال التي تسبب مخالطتها للرجال، وبيان الفوارق الطبيعية والشرعية بين الرجال والنساء، ودفع شبهات

الحمد لله ووحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد: فنظراً لما حدث مؤخراً في هذه البلاد من الأمور التي توجب غضب الرب، وفساد المجتمع والتحلل من الأخلاق الفاضلة ولما أوجب الله على أهل العلم من النصح لولاة الأمور، وبيان حكم كل حادثة، وما أوجبه الله على ولاة الأمور من حماية الدين وتعزيزه والقضاء على الفساد، وسد أبوابه وطرقه، وحسم مواده والوسائل المقضية إليه: رأينا تعزيز الكتب السابقة بهذا الكتاب موضحين أدلة ما طلبنا من سموكم منعه وإزالته، وفيما يلي ذكر بعض الأدلة:

(1)

الغناء وصوت المرأة في الإذاعة، وغيرها:

تظاهرت أدلة الكتاب والسنة على تحريمه في الجملة، وحكى غير واحد من العلماء إجماع العلماء على تحريمه: منهم القرطبي في تفسيره المشهور، وقد بسط ابن القيم رحمه الله أدلة المنع في كتابه (إغاثة اللهفان) ونقل الأدلة من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم في ذمه وتحريمه وبيان ما يترتب عليه من الفاسد الكثيرة والعواقب الوخيمة، هذا كله إذا كان غناءً مجرداً من آلات العزف والطرب.

فأما إذا اقترن بشيء من ذلك صار التحريم أشد، والإثم أكبر، والمفاسد أكثر. وقد حكى العلامة ابن الصلاح إجماع

ص: 231

العلماء على تحريم الغناء إذا اقترن به شي من آلات اللهو والطرب نقله عنه العلامة ابن القيم وغيره.

ومن أدلة الكتاب على ذلك قوله سبحانه: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين} (1) حكى غير واحد من المفسرين كالواحدي وغيره عن أكثر العلماء تفسير (اللهو) هنا بالغناء. وبذلك فسره عبد الله بن مسعود، وابن عباس وابن عمر، وكان عبد الله بن مسعود يحلف على ذلك. وهؤلاء الثلاثة من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمائهم، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة وهم أعلم الناس بتفسير كتاب الله.

وقد تبعهم على ذلك أكثر العلماء: إن الآية الكريمة شاملة للغناء وغيره من آلات اللهو وأخبار الكفرة وغير ذلك مما يصد عن ذكر الله. والآية الكريمة تدل على أن الاشتغال بلهو الحديث بفضي بأهله إلى الضلال عن سبيل الله، واتخاذ آيات الله هزواً وكفى بذلك قبحاً وشناعة وذماً للغناء وما يقترن به من آلات اللهو والطرب.

ومن ذلك قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك} (2) فسر كثير من السلف (الصوت) بالغناء وآلات الطرب وكل صوت يدعو إلى باطل.

(1) سورة لقمان - آية 6.

(2)

سورة الإسراء - آية 64.

ص: 232

ومن ذلك قوله سبحانه: {وللذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً} (1) فسر كثير من العلماء (الزور) بالغناء وآلات اللهو، ولا شك أنه داخل في ذلك، والزور يشمله وغيره من أنواع الباطل.

وهذه الآيات الكريمات تدل دلالة واضحة على ذم الغناء والتحذير منه، سواء كان المغني رجلاً أو امرأة. ولا شك أن الغناء إذا كان من الأنثى كانت الفتنة به أعظم، والفساد الناتج عنه أكثر.

وقد دل القرآن الكريم على تحريم خضوع المرأة بالقول في قوله سبحانه: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً} (2) وإذا كان أمهات المؤمنين ينهين عن الخضوع في القول مع طهارتهن وتقواهن فكيف بغيرهن من النساء اللاتي لا نسبة بينهن وبين أمهات الؤمنين في كمال التقوى والطهارة فكيف بنساء العصر الفاتنات المفتونات إلا من شاء الله منهن.

وإذا كان الله نهى عن الخضوع في القول فالغناء من باب أولى وأحرى، لأن الفتنة فيه أشد من مجرد القول. ولا يخفى على كل من أدنى بصيرة ما في صوت المرأة بالغناء ومخاطبتها الناس في الإذاعة ونحوها من الفتنة وإثارة الغرائز، لا سيما مع ترخيم الصوت وتحسينه.

(1) سورة الإسراء - آية 64.

(2)

سورة الإسراء - آية 64.

ص: 233

وعلاوة على ذلك ما يترتب على ذلك من اختلاطهن بالرجال. وخلوتهم بها والتساهل بالحجامة أو تركه بالكلية، كما هو الواقع من نساء العصر المخالطات للرجال. وتحريم هذا معلوم من الدين بالضرورة. ومن الادلة على ذلك قوله عز وجل:{وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} (1) وقولهعز وجل: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهم ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباء بعولتهن} (2) الآية وأصح ما قيل في تفسير قوله: (إلا ما ظهر منها) أنه الملابس الظاهرة: قاله ابن مسعود وغيره. ومن فسره بالوجه والكفين فمراده مع أمن الفتنة والمحافظة على العفة وستر ما سوى ذلك، والواقع من نساء العصر خلاف ذلك لضعف إيمانهن، وقلة حيائهن، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية للمحرمات من أهم أبواب الشريعة الكاملة وقال تعالى:{والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وإن يستعففن خير لهن} الآية (3) . فإذا كان القواعد وهن العجائز يمنعن من وضع الثياب على محاسنهن كالوجه والكفين ونحو ذلك، فكيف بالشابات الجميلات الفاتنات. وإذا كان العجائز يمنعن من التبرج بالزينة فهو في الشابات أشد منعاً والفتنة بسببهن أكبر.

(1) سورة الإسراء - آية 64.

(2)

سورة الإسراء - آية 64.

(3)

سورة الإسراء - آية 64.

ص: 234

ولما ذكر ابن القيم رحمه الله (الغناء) وما ورد فيه ابن عباس وغيره من الذم، وأنه من الباطل الذي لا يرضاه الله، قال ما نصه: فهذا جواب ابن عباس رضي الله عنهما عن غناء الأعراب الذي ليس فيه مدح الخمر والزنا واللواط والتشبيب بالأجنبيات وأصوات المعازف والآلات والمطربات، فإن غناء القوم لم يكن فيه شيء من ذلك، ولو شاهدوا هذا الغناء لقالوا فيه أعظم قول، فإن مضرته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير وأعظم من فتنته، ومن أبطل الباطل أن تأتي شريعة بإباحته، فمن قاس هذا على غناء القوم فقياسه من جنس قياس الربا على البيع، والميتة على المذكاة، والتحليل الملعون فاعله على النكاح الذي هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وإذا كان هذا كلام ابن القيم في غناء أهل عصره فكيف بغناء هذا العصر الذي يذاع ويسمع الرجال والنساء والخاص والعام فيما شاء الله من البلاد، فنعم مضرته، وتنتشر الفتنة به، لا شك أن هذا أشد إثماً وأعظم مضرة.

وأما الأحاديث فمنها ما رواه الترمذي وحسنه، عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوده وشق جيوب ورنة) قال ابن القيم رحمه الله بعد هذا الحديث: فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتاً أحمق.

ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 235

أبا بكر على تسميته (الغناء) مزمور الشيطان في الحديث الصحيح، فإن لم نستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبداً. ثم قال: فكيف يستجيز العارف إباحة ما نهى عنه رسول الله صلى عليه وسلم وسماه (صوتاً أحمق فاجراً ومزمور الشيطان) وجعله والنياحة التي لعن فاعلها أخوين، وأخرج النهي عنهما مخرجاً واحداً، ووصفهما بالحمق والفجور وصفاً واحداً. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.

وفي صحيح البخاري، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم بحاجة فيقولوا ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير) قال ابن القيم رحمه الله في هذا الحديث: إسناده صحيح. قال: وقد توعد مستحل المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير. قال و (المعازف) هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك. قال: ولو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر. اهـ.

ص: 236

ولقد وقد مصداق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال بعض أمته المعازف وصوت المغنيات، ولا شك أن هذا من تزيين الشيطان وخداعه للناس حتى يفعلوا هذه المعاصي.

وفيما ذكرناه من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم الدلالة الصريحة والبرهان القاطع على تحريم الأغاني وآلات الملاهي من الرجال والنساء، لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة التي تقدم بيان بعضها.

ومما يؤكد تحريم ذلك ويوجب مضاعفة الإثم كون ذلك يلقى في مهبط الوحي ومطلع شمس الرسالة لما يترتب على ذلك من إضلال الناس وفتنتهم ولبس الأمور عليهم، حتى يعتقدوا أن ذلك من الحق كونه صدر من مهبط الوحي وحماة الحرمين الشريفين الذين هم محط أنظار العالم وأمل المسلمين.

ومما يزيد الإثم أيضاً ويضاعف الفتنة أن يشارك في ذلك النساء بأصواتهن الفاتنة المثيرة للغرائز، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) . رواه البخاري، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن) هذا مع تحجبهن وتأدبهن بالآداب الشرعية، فكيف بحال نسائنا اليوم.

(2)

توظيف المرأة في الأعمال التي تدعو إلى مخالطة الرجال: كالإذاعة. والخدمة الاجتماعية. وخدمة الرجال في الطائرات وأشباه ذلك: يفضي إلى مفاسد كثيرة:

اعلم وفقك الله -أن الله جل وعلا الذي خلق الذكر والأنثى

ص: 237

جعل بينهما فوارق طبيعية لا يمكن إنكارها، ويسبب ذلك الاختلاف الطبيعي جعل لكل منهما خدمات يقوم بها للمجتمع الإنساني مخالفة لخدمات الآخر.

إعلم. أولاً: أن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية. والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، وعامة العقلاء مطبقون على ذلك، ولذلك تراهم ينشئون الأنثى في أنواع الزينة من حلي وحلل. كما قال تعالى:{أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} (1) والتنئشة في الحلية إنما هي لجبر النقص الخلقي الذي هو الأنوثة. بخلاف الذكر، فإن شرف ذكورته وكمالها يغنيه عن الحلي والحلل.

وما الحلي إلا زينة من نقيصة

يتم من حسن إذا الحسن قصرا

وأما إذا كان الجمال موفراً

كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا

ولأجل أن الذكورة كمال وقوة جعل الله هذا الكائن في خلقته القوية بطبيعته قائماً على التناقص خلقه التضعيف طبيعة ليجلب له من النفع ما يعجز عن جلبه لنفسه، ويدفع عنه من الضر ما يعجز عن دفعه عن نفسه:{الرجال قوامون على النساء} الآية (2) . ولكون قيامه عليها يقتضي دفع الإنفاق والصداق فهو يترقب النقص دائماً وهي تترقب الزيادة دائماً آثره عليها في الميراث، لأن إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة، وذلك من آثار ذلك الاختلاف الطبيعي بين النوعين.

ومن آثاره أنه تعالى جعل المرأة حرثاً للرجل: {نساؤكم حرث

(1) سورة الزخرف - آية 18.

(2)

سورة النساء - آية 34.

ص: 238

لكم} الآية (1) . فهو فاعل وهي مفعول به. وهو زارع. وهي حقل زراعة تبذر فيه النطفة كما يبذر في الحب في الأرض، وهذا محسوس لا يمكن إنكاره، لأن آلة الازدراع مع الرجل، فلو أرادت المرأة أن تجامعه لتعلق منه بحمل وهو كاره فإنها لا تقدر على ذلك ولا ينتشر إليها، بخلافه، فإنه قد يحبلها وهي كارهة كما قال أبو كبير الهذلي في ربيبه تأبط شراً:

ممن حملن به وهن عواقد

حبك النطاق فشب غير مهبل

حملت به في ليلة مزوئرة

كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل

ولأجل ذلك الاختلاف الطبيعي قال الله تعالى: {ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ظيزى} (2) فلو كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي لكانت تلك القسمة في نفسها غير ظيزى، وإن كان ادعاء الأولاد لله من حيث هو فيه من أشنع الكفر وأعظمه ما لا يخفى.

وقال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} الآية (3) . فلوا كانت الأنثى معادلة للذكر في الكمال الطبيعي لما ظل وجه المبشر به مسوداً وهو كظيم ولما توارى من القوم من سوء تلك البشارة ولما أسف ذلك الأسف العظيم على كون ذلك المولود ليس بذكر.

(1) سورة البقرة - آية 223.

(2)

سورة النجم - آية 22.

(3)

سورة النحل - آية 58-59.

ص: 239

ومن آثار ذلك الاختلاف الطبيعي: أن الله تعالى جعل شهادة امراتين في الأموال كشهادة رجل {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} الآية (1) . الله الذي خلقهما وأحاط علماً بما جبلهما عليه وما أودع فيهما من حكمة، ولو لم يجعل الرجل أكمل من المرأة لما نزل امرأتين منزلة رجل واحد، لأن تفضيل أحد المتساويين ليس من أفعال العقلاء، وأحرى خالق السماء جل وعلا.

وقد جاء الشرع الكريم بقبول شهادة الرجال في أشياء لا تقبل فيها شهادة النساء: كالقصاص، والحدود ولو كانا متماثلين في الكمال الطبيعي لما فرق الحكيم الخبير بينهما.

ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي وقعت امرأة عمران في مشكلة من نذرها في قوله: {قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً} الآية (2) . لما ولدت مريم. ولو كانت ولدت ذكراً لما وقعت في هذا الإشكال المذكور في قوله: {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} الآية (3) . وتأمل قوله في هذه الآية {وليس الذكر كالأنثى} فإنه واضح في الفرق الطبيعي.

ومن الفوارق الظاهرة بينهما أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأول، فهي جزء منه. وهو أصل لها:{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها}

(1) سورة البقرة - آية 26.

(2)

سورة آل عمران - آية 35.

(3)

سورة آل عمران - آية 36.

ص: 240

الآية (1) . ولذا كانت نسبة الأولاد إليه، لا إليها، وكان هو المسئول عنها في تقويم أخلاقها {الرجال قوامون على النساء} الآية (2) . {يا أيها الذين آمنوا قوا نفسكم وأهليكم ناراً} الآية (3) . وهو المسئول عن سد خلاتها.

ولأجل هذا الاختلاف الطبيعي والفوارق الحسبة والشرعية بين النوعين فإن من أراد منهما أن يتجاهل هذه الفوارق ويجعل نفسه كالآخر فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمحاولته تغيير صنع الله، تبديل حكمته، وإبطال الفوارق التي أودعها فيهما، وقد ثبت في صحيح البخاري:(أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ولو لم يكن بينهما فرق طبيعي عظيم لما لعن صلى الله عليه وسلم المتشبه منهما بالآخر. ومن لعنه صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله، لقوله تعالى:{وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الآية (4) ، كما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه (5) .

ولما جهلت أو تجاهلت فارس هذه الفوارق التي بين الذكر والأنثى فولوا عليهم إبنة ملكهم قال صلى الله عله وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)(6) ولو كانا متساويين لما نفى الفلاح عن من ولى أحدهما دون الآخر وقد يفهم من

(1) سورة النساء - آية 34.

(2)

سورة التحريم - آية 6.

(3)

سورة الحشر - آية 7.

(4)

في المحاورة التي جرت بينه وبين المرأة.

(5)

سقط السؤال من الأصل. وبداية الجواب: بأن المرأة. . الخ.

(6)

أخرجه البخاري والترمذي والإمام أحمد.

ص: 241

هذا الحديث الصحيح أن تجاهل الفوارق بين النوعين من أسباب عدم الفلاح لأن قوله (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) واضح في ذلك. الله جل وعلا جعل الأنثى بطبيعة حالها قابلة لخدمة المجتمع الإنسان خدمة عظيمة لائقة بالشرف والدين. ولا تقل أهميتها عن خدمة الرجل. فهي تحمل وتعاني آلام الحمل مدة وتنفس وترضع، وتصلح جميع شئون البيت فإذا جاء الرجل من عمله وجد أولاده الصغار محضونين، وجميع ما يلزم مهيأ له.

فإن قالوا: هي محبوسة في البيت كالدجاجة.

قلنا: لو خرجت مع زوجها لتعمل كعمله وبقي أولادها الصغار وسائر شئون بيتها -ليس عند ذلك من يقوم به لاضطر زوجها أن يؤجر إنساناً يقوم بذلك فيحبس ذلك الإنسان في بيتها كالدجاجة. فترجع النتيجة في حافرتها، مع أن خروجها لمزاولة أعمال الرجال فيه من ضياع الشرف والمروءة والانحطاط الخلقي ومعصية خالق السماوات والأرض ما لا يخفى.

فإن قالوا: هي في البيت كالمتاع (1) .

قلنا بأن المرأة متاع هو في الجملة خير متاع الدنيا، وهو أشد الأمتعة تعرضاً لخيانة الخائنين، وأكثرهم من تخرج المرأة بينهم اليوم فسقه لا ورع عندهم. فتعريضها لنظرهم إليها نظر شهوة ظلم لها، لأنه استمتاع بجمالها مجاناً على سبيل المكر والخيانة.

والخائن يتلذذ بالنظر الحرام تلذذاً عظيماً

قال أحدهم:

قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة

ودعوا القيامة بعد ذلك تقوم

(1) سقط السؤال من الأصل. وبداية الجواب في الأصل بأن المرأة.. الخ.

ص: 242

وكما أنه ظلم لها فهو مخل بالمروءة والدين والشرف. والعجب كل العجب ممن لا يغار على حرمة مقبلة مدبرة في غير صيانة ولا ستر بين الفسقة بدعوى التقدم والحرية.

وما عجبت أن النساء ترجلت

ولكن تأنيث الرجال عجاب

ومن المعلوم الذي لا نزاع فيه أن جميع الأقطار التي صارت فيها النساء تزاول أعمال الرجال انتشر فيها من الرذائل والانحطاط الخلقي ما يعرف منه الجبين.

إن للعار فحشاً موبقات

تنقى مثل موبقات الذنوب

فقد راعى الشرع المطهر الفوارق التي ذكرنا في أمور كثيرة كما قدمنا: في الشهادة، والميراث، وقيام الرجل على المرأة، والطلاق، وكتولي المناصب.

فإن للمرأة لا يصح شرعاً أن تساوي الرجل من (تولي المناصب) ومن أوضح الأدلة على ذلك الحديث الصحيح الذي قدمنا: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)(1) فإن علة عدم فلاحهم كون من ولوه امرأة. وقد دل مسلك العلة المعروف بمسلك الإيماء والتنبيه على أن علة عدم الفلاح في هذا الحديث الصحيح هو أنوثة المولى. وضابط مسلك الإيماء والتنبيه المحتوي على جميع صوره هو أن يقترن وصف بحكم في نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيباً عند العارفين بأساليب الكلام. فلو لم يكن علة عدم الفلاح في الحديث المذكور كون المولى امرأة لكان الكلام

(1) تخريجه.

ص: 243

معيباً، ولكان ذكر المرأة حشواً لا فائدة فيه. وكلام من أوني جوامع الكلم منزه عن ذلك. وهذا المسلك لا خلاف في إفادته علة الحكم بين العلماء، وإنما خلافهم فيه هل هو من قبيل النص الظاهر أو الاستنباط كما هو مقرر في محله. ويفهم من دليل خطاب الحديث المذكور -أعني مفهوم مخالفته- أن المولي لو كان ذكراً لما كان ذلك علة لنفي الفلاح. وهو كذلك. وهذا من أعظم الأدلة على الفرق بين الرجال والنساء في تولي المناصب.

ومن أدلة ذلك أيضاً النصوص الدالة على منع اختلاط الرجال بالنساء، لأن المرأة الموظفة لا تختص بالنساء لا بد أن تخالط الرجال بمقتضى طبيعة وظيفتها. ومن تلك النصوص قوله تعالى:{وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} (1) فالأمر بكون سؤالهن من وراء حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز وعدم الاختلاط.

فإن قيل: هذه الآية الكريمة خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقتضى السياق وكما روي عن بعض أهل العلم، فلا تشمل غيرهن من نساء المؤمنين.

فالجواب من (ثلاثة اوجه) :

(الوجه الأول) هو ما تقرر في الأصول من أن العلة قد نعم معلولها، وذلك مجمع عليه في الجملة، ومن أمثلة صورة المجمع عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(لا يقبض حكم بين اثنين وهو غضبان) فإن المسلك المتقدم الذي هو مسلك الإيمان

(1) تخريجه.

ص: 244

والتنبيه قد دل أيضاً على أن علة منع الحاكم من القضاء في هذا الحديث الصحيح هي الغضب. عمت معلولها وهو نهي الحاكم عن القضاء في كل حالة مشوشة للفكر: كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين ونحو ذلك، لأن تشويش الفكر المانع من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم غير الغضب. وإيضاح ذلك في الآية التي نحن بصددها أنه جل وعلا لما قال:{فاسألوهن من وراء حجاب} بين علة ذلك المشتملة على حكمته، فقال تعالى:{ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} (1) فبين أن العلة في ذلك هي أطهرية قلوب النوعين، والتباعد عن دواعي الريبة وقذر القلوب. ولا شك أن هذه العلة تشمل جميع نساء المؤمنين، لأنهن يطلب في حقهن طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال من الميل إلى ما لا ينبغي منهن. فليس لقائل أن يقول: هذا الأدب الكريم السماوي المقتضي المحافظة على الشرف والدين وأطهرية القلوب من الميل إلى الفجور يجوز إلغاؤه وإهداؤه بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء المؤمنين، لأن طهارة القلب ومجانبة أسباب الرذيلة أمر مطلوب من الجميع بلا شك، مع أن النفوس أشد هيبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن، لأنهن أمهات المؤمنين.

(الوجه الثاني) : أن الأصل المقرر عند العلماء المؤيد بالدليل هو استواء جميع الناس في أحكام التكليف ولو كان اللفظ خاصاً

(1) سورة النساء - آية 30.

ص: 245

ببعضهم. إلا ما جاء مصرحاً بالخصوص فيه، ولذلك فجميع الخطابات العامة يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأحرى غيره. وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية إلا ما قام عليه دليل خاص، فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما يتضمن ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:(لن يدخل أحدكم عمله الجنة) . قالوا: يا رسول الله ولا أنت. قال: (ولا أنا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) فكأنهم يقولون له: أأنت داخل معنا في هذا العموم؟ وهو يجيبكم بنعم. وما ذلك إلا لاستواء الجميع في الأحكام الشرعية.

فإن قيل: آية الحجاب تخص بمنطوقها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

فالجواب: أنها لم تدل على أن غيرهن من النساء لا يشاركهن في حكمها. والأصل مساواة الجميع في الأحكام الشرعية إلا ما قام عليه دليل خاص.

ولذا تقرر في الأصول أن خطاب الواحد المعين من قبل الشرع من صيغ العموم، لاستواء الجميع في أحكام الشرع. وخلاف من خالف من العلماء في أن خطاب الواحد يقتضي العموم خلاف لفظي، لأن القائل بأن خطاب الواحد لا يقتضي العموم موافق على أن حكمه عام إلا أن عمومه عنده لم يقتضه خطاب الواحد بل عمومه مأخوذ من أدلة أخرى كالإجماع على اسواء الأمة في التكليف. وكحديث (ما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة) فالجميع مطبقون على أن خطاب الواحد يشمل حكمه الجميع

ص: 246

إلا لدليل خاص، واختلافهم إنما هو هل العموم بمقتضى اللفظ أو بدليل آخر.

(الوجه الثالث) : أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً أن حكم الآية الكريمة خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهن القدوة الحسنة لنساء المؤمنين. فليس لنا أن نحرم نساءنا هذا الأدب السماوي الكريم المقتضي المحافظة على الشرف والفضيلة، والتباعد عن أسباب الرذيلة ودنس القلوب، وقد اختاره الله لنساء أحب خلقه إليه، وأفضلهم عنده.

ومن آثار الفوارق بين النوعين تنبيه القرآن العظيم على أن صوت المرأة إذا ألانته ورخمته فإنه يصير من مفاتنها المؤدية إلى إثارة للغرائز وطمع مرضى القلوب في الفجور، قال الله تعالى:{ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} الآية (1) .

وفي ذلك أوضح دلالة على أن إذاعة صوت المرأة في أقطار الدنيا في غاية الترخيم والترقيق بالألحان الغنائية مخالف مخالفة صريحة للآداب السماوية التي أدب الله بها مساء أحب خلقه إليه. وهن القدوة الحسنة لنساء المؤمنين. والفاء السببية في قوله: {فيطمع الذي في قلبه مرض} تدل دلالة واضحة على أن الخضوع بالقول كالإنته وترخيمه سبب لطمع مرضى القلوب فيما لا ينبغي، ولا شك أن وجود السبب ذريعة لوجود المسبب، والذريعة إلى الحرام حرام، فيجب سدها، وهذا النوع من أنواع الذرائع الثلاث مجمع على سده.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين

(1) سورة الأحزاب - آية 32.

ص: 247

يدعون من دون الله فيسبوا عدوا بغير علم} (1) فإنه نهى عن سب الأصنام لكونه ذريعة إلى سب عابديها فيسبوا الله. وقوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} الآية (2) . فنهاهم عن قربانها لأن القرب من الشيء ذريعة للوقوع فيه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على أن ذريعة الحرام حرام، قوله صلى الله عليه وسلم: {إن من العقوق شتم الرجل والديه. قالوا يا رسول الله هل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) فقد جعل صلى الله عليه وسلم ذريعة السب سباً، وهو واضح في أن ذريعة الحرام حرام.

و (بالجملة) فمن المحسوس أن صوت المرأة الرخيم الرقيق من جملة مفاتنها كمحاسن جسدها، ولذا ترى المتشبهين بالنساء يذكرون الصوت الرخين كذكرهم جمال الجسم وذلك كثير جداً كقول ذي الرمة:

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

وعينان قال الله كونا فكانتا

فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

فجعل صوتها الرخيم وبشرتها التي هي من الحرير وحسن عينيها سواء في أن الجميع من جملة محاسنها.

وقال قعنب بن أم صاحب:

وفي الخدود لو أن الدار جامعة

بيض أوانس في أصواتها غنى

(1) سورة الانعام - آية 108.

(2)

سورة البقرة - آية 35.

ص: 248

فجعل غنة صوتها كبياض جسمها، وهذا معروف. والمقصود التمثيل. ولا شك أن من المعلوم الذي لا يكاد يختلف فيه اثنان. أن البلاد التي تجاهلت هذه الفوارق التي ذكرناها بين النوعين وجعلت المرأة كالرجل في كل ميادين الحياة سبب لها ذلك ضياع الفضيلة، وانتشار الرذيلة، ولا ينكر ذلك إلا مكابر..

وكيف يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

والذي يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة حقيقة دعوته المطابقة لما في نفس الأمر أنه يحاول بكل جهوده أن يردي المرأة المسلمة في مهواة الفساد التي تردت فيها نساء البلاد الأخرى.. فالنتيجة التي كانت عاقبة البلاد الأخرى معلومة لا نزاع فيها. والعجب ممن يراها ويتحققها ويدعو أمته للأسباب التي توقع في مثلها! ! !

وختاماً ليعلم سموكم أن الذين يخدعون المرأة المسلمة بالشعارات الزائفة والأساليب البراقة الكاذبة: من حرية، وتقدم، وكفاح، وممارسة حقوق الحياة، ويخيلون لها أنها رجل في جميع الميادين - يريدون إيقاعها في المآسي الآتية:

أولاً: أن تكون ملعونة في كتاب الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشبهها بالرجل في كل شيء، وإلغائها الفوارق الطبيعية التي فرق الله بها بينهما قدراً وكوناً وشرعاً.

ثانياً: القضاء على حيائها اللائق بشرفها ومروءتها وإنسانيتها.

ثالثاً: تعريض جمالها لأن يكون مرتعاً لعيون الخائنين يتمتعون به مجاناً على سبيل الخيانة والمكر على حساب الدين

ص: 249

والشرف والفضيلة من وراء اسم التقدم والحرية. وربما آلت بها تلك المخالطات إلى أشياء أخر غير لائقة.

رابعاً: تعريضها لأن تكون خراجة ولاجة تزاول الأعمال الشاقة كالأمة، بعد أن كانت درة مصونة في صدف بيتها محجبة، تكفي كل المؤونات صيانة وإكراماً لها ومحافظة على شرفها، مع قيامها بالخدمات العظيمة لزوجها وعامة المجتمع الإنساني في بيتها من غير إخلال بشرف ولا دين.

مما تقدم من الأدلة يعلم تحريم توظيف المرأة في المجالات التي تخالط فيها الرجال وتدعو إلى بروزها والإخلال بكرامتها والأسفار عن بعض محاسنها: مثل كونها مضيفة في الطائرة، وعاملة في الخدمة الاجتماعية، ومذيعة في الإذاعة أو مغنية، أو عاملة في المصنع مع الرجال، أو كاتبة في مكتب الرجال، ونحو ذلك.

أما عملها فيما يخص بالنساء: كالتعليم، والتمريض ونحو ذلك - فلا مانع منه.

ونبتهل إلى الله سبحانه أن يلهمكم الصواب، وينصر بكم الحق، ويحمي بكم حمى الشريعة ويسدد خطاكم في الأقوال والأعمال، إنه على كل شيء قدير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوانكم المخلصون

(عنهم) محمد بن إبراهيم

(هذه وجدتها في يد بعض طلاب العلم)

ص: 250

صندوق الغناء - البكم -

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

الأمير فيصل نائب جلالة الملك

حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فلا يخفى أن آلات الملاهي حرام ببيعها وشراؤها، واستعمالها. واتخاذها مطلقاً على أي وجه كان، وقد كثر في هذه الأيام توريد صندوق الغنا المسمى (الشنطة) واستعماله، وافتتن به كثير من السفهاء، وأصبح يباع علناً في الأسواق. وسموكم يعلم أنها ممنوعة من قديم، وكم جرى من تكسيرها وإحراقها إذا وجدت، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

فينبغي حفظك الله إصدار الأوامر بمنع توريدها، ومنع بيعها وشرائها، لأنها لا تشترى ولا تستعمل إلا للغناء. كما ينبغي التصريحات لرجال الهيئة والمرشدين بمنعها، ومصادرة من يوجد عنده شيء منها، وهذا واجب شرعاً لما فيه من إنكار المنكرات والقضاء عليها، وقمع أهل الفساد وغير ذلك من المصالح التي أنتم تحرصون عليها. فالأمل في سموكم إجراء اللازم واشعارنا بصورة مما تصدرونه حول هذا للمعلومية. وليكون العمل على ما يصدر من سموكم بهذا. وفقكم الله. والسلام عليكم.

(ص-ف169 في 13-2-1382هـ)

فتوى في المعنى - الشنطة

من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي محكمة المستعجلة

في المبرز

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

ص: 251

وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن القضايا التي ترد إليكم بخصوص الشنطة الغنائية المسماة الصندوق أو (البكاب) وهل تعتبر من آلات الملاهي؟ فهمنا ما شرحته من وصفها؛ وما يقصد منها.

وعليه ونطراً لما ذكرتم وما دام الغالب عليها أنها تستعمل للهو والأغاني فتعد من آلات اللهو، ولا يخافكم كلام العلماء في مثل هذا. وفق الله الجميع للخير. والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية

(ص-ف 3684 في 24-9-1387هـ)

الاصطوانات الخليعة

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

نائب جلالة الملك وولي العهد

رئيس مجلس الوزراء

أيده الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد حضر إلينا عدد من الإخوان يزيدون عن العشرين رجلاً من المهاجرين -التركستانيين، وقدموا لنا خطابهم المرفق المؤرخ في 2-هـ حول استنكارهم ما ظهر في الأسواق من الاسطوانات التي تحمل أغاني موجهة إلى فتاة بخارية. وحيث أنهم متأثرون من ذلك جداًَ ويطلبون محاكمة من قاموا بذلك وهم: محمد كردي، وطارق عبد الحكيم، والحكم عليهما بما تقتضيه الشريعة الإسلامية تجاهما كرامتهم. فإنا نعرض خطابهم لسموكم، وسموكم المرجع للجميع، ولا شك أنكم

ص: 252

بعد إطلاعكم عليه ستعلمون ما فيه براءة الذمة. ومن القصيدة المرفقة بخطاب المستدعين تعلمون سموكم أن الأمر فظيع، سواء قصد به امرأة بخارية بعينها أو امرأة غير معينة، حيث أنها كلها خلاعة ومجون يجب منعها، وتطهير المجتمع منها، والقيام لله حولها ومن قام بها بما يجب. والسلام.

(ص-م 44 في 3-1-1384هـ)

السينما، ونحوها

من أعظم المعاصي استعمال الملاهي: من الفتح على السينما، وغيرها. ولا سيما ما يشتمل على المناظر والمسامع المحرمة، فإنها تشتمل من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة والإغراء بالفواحش وغير ذلك مما يعرفه أرباب البصائر.

(اهـ من نصيحة بتاريخ 13-3-1387هـ في الحسبة)

الملاهي، والسينما، وشبه من أجازها

ثم (الملاهي) : الغناء ملهاة للأسماع، والملاهي ملاذ للأبصار، فالأبصار تحب الأشياء الحسنة والغريبة، فمن أحب الملاهي استنفدت قلبه، فينشؤ عن ذلك للقلب من القسوة والصدود عن طاعته ما لا يعلم إلا من حرم الغناء والملاهي، وقال تعالى:{ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية (1) . وجاء في الحديث ذم من يتخذ المعازف و (المعازف) : هي الملاهي. وهي التي تلهي الإنسان إذا رآها، سواء آلات أو محركات.

(1) سورة البقرة - آية 35.

ص: 253

ومن الملاهي ما يجتمع معه النظر إلى الصور، فإنه يجتمع النظر إلى ملاهي وما يهيج الشهوة، وهذا الوجه من أوجه تحريم السينما، إذا كان الطبل الذي هو من جلد منهي عن استماعه فما الظن بالسينما التي فيها الأمور، فهذا وجه واضح كالشمس في تحريم السينما، لكن أفسد الناس أناس جاوروا الإفرنج، وكذبوا وافتروا وقالوا: هذا حلال، صناعة. الصناعات: منها حلال ومنها حرام. السحر صناعة. فهي من أبلغ الملاهي، أين هي من الدف والطبل والملاهي الآخر البسيطة، نسبتها إلى الملاهي كنبة الطيارة إلى الجمل والحمار في المركوبات.

(تقرير)

الملاهي، والسينما أيضاً

ومن هذه السينما فإنها أعظمها.

وأحد العلل في تحريم الخمر والميسر هو الصد عن ذكر الله وأكل المال بالباطل، لكن هذه الآلات إنما راجت على أناس قد أشربت قلوبهم موافقة أحبابهم ومن إليهم، والانخراط في سلوكهم، وراجت لمجيئها من الافرنج، وكون فيها منفعة ليس في السينما من المنفعة مثل ما في الخمر من القوة، والقمار فيه مال.

و (السينما) - قولهم: التدريب، التدريب يحصل بدون هذا، والتدريب هو تمرين النفس على كل شيء فهو تعلم، وكان من أشهر ما يكون فيه التدريب على الحرب، فهو تعلم من التعلمات التي فيها نفع إذا كان كمالاً في ذاته الدنيوية، فإن الإنسان محارب. ولا بد. وفي الحديث: (من مات ولم يغز ولم يحدث

ص: 254

نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) (1) . فالتدريب على الحرب من أبلغها، لكن ينظر ما يحف به ويقوم به إن كان مشتملاً على محرم وهو مباح مثل ما لو يتعلم أمي مطلقاً لا يريد إلا صيد أو رمي الغرض أو كونه يجيد الصيد أيباح على وجه محرم؟ لا.

فالتدريب مكمل للإنسان ويجعله منصفاً بالصفة الكافية، لكن ينظر بأي شكل واختلاط. فيترك لا لنفسه بل لاشتماله على محرم. وحينئذ ينقسم إلى واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح والواجب إذا كان الواجب لا يحصل إلا به. وتقسيمه لا لذاته بل لعوارضه بل لعوارضه وأشكاله، مثل الأمور الشرعية التي تجري فيها الأحكام الخمسة بل تتنوع أشكالها وكيفياتها.

يوم كان بيننا وبين أعداء الله ورسوله سد لا يعرفها العامة ولا تدور في خيالهم، ولما انبثق هذا السد وجدت هذه المحرمات. وأشكالها.

(تقرير)

(2866-س: السينما حرام

ج: نعم

س: تشتغل على جال البطحاء؟

ج: هذا يحللها.

(تقرير)

السينما غير السيما

السينما غير السيمياء، السينما إنما يؤخذ في الفيلم أشياء انطبعت فيها الصور حقيقية - كما في تسجيل الصوت - وفيها وجود النساء والمردان. ووجود التقبيل ونحوه. وكونها تلهي

(1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة.

ص: 255

فإنها من أكبر الصواد عن ذكر الله وعن الصلاة، ففيها محرمات من عدة أشياء.

فيه مسوغ بالباطل مثل مسوغات الخمر أنه يصفي اللون.

الزنا فيه منافع للشباب الذي أضرت به الشهوة ربما يقتله فهو ينفعه.

وفيه حجج: يعني أن تلك البلد مرتفعة وهذه ناقصة، هذا عين الضلال، مثل مصر ترى أنها ناقصة ما لم يوجد فيها ما يوجد في سويسرا، ولذلك يدأبون في أن يصلوا بها إلى كذا وكذا من بلدان، ونحو هذا. ونسأل الله أن يوفق الجميع. الغالب والواقع في أسباب النقص. لكن الغالب أن دخول الشر يكون عن جهل بأنه شر، وبعض يكون لأحد فيه شهوة عند من طلبه، وأيضاً علماء سوء.

(تقرير)

وهذه الأمور لا تسوغها

سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

أدام الله وجودك: عرض علينا الابن سلطان أنه لكي يمكن تعليم الموظفين المختصين في البريد كيفية تنظيم البريد وتوزيعه وإيصاله لأهله في أوقاته بعد اتساع المملكة وكثرة السكان وضرورة تأمين المصلحة لا بد من تعليم الموظفين على الطرق الحديثة، وهذا متيسر لهم في داخل البلاد إذا أدخل لهم أفلام سينمائية من النوع التعليمي لتعرض أمامهم فتكون لهم بمثابة درس يساعد على قيامهم بعملهم صحيحاً، لأن جلب مدرسين

ص: 256

من الخارج لهم لا يمكن أن يقوم بالدراسة اللازمة، ويكلف مبالغ باهظة. هذا نوع من الأنواع المطلوب التعليم فيها.

وهناك أنواع أخرى مضطرة لها البلاد: في الصحة، والهندسة، والمعارف، والفنون العسكرية، وأشياء أخرى التي لا بد من تعليمها.

ونحن الآن على أبواب فتح جامعات في كل العلوم والفنون الضرورية: مثل الطب، والهندسة، والصناعات، وخلافه، فنحن أمام ثلاث حالات لا بد لنا منها: إما أن نستمر في طريقنا الحالية وهي أن نجلب المتخصصين في كل الأمور التي تحتاج إليها البلاد من الخارج، وهو ما تسير عليه الآن حتى امتلأت بلادنا بالأجانب الذين يتقاضون الرواتب الباهظة ونحن في أشد الحاجة لخدماتهم ولا يمكننا الاستغناء عنهم، وهؤلاء يأخذون من أموال الدولة مبالغ لا يستهان بها. ويمكن أن يكون في بقاء كثير منهم مضرة على البلاد. والحالة الثانية أن نضطر لإرسال أبناء البلاد للخارج لتعلم العلوم الثانوية والعالية، وهذا ينتج من المفاسد ما تعلمون من تغير أخلاق أبناء البلاد، واستساغة أنواع الحياة في الخارج، وفيه من المفاسد ما تعلمون. والحالة الثالثة: هي أن نقوم باللازم في تعليم أبناءنا بالوطن تعليماً كاملاً يصلون إلى درجات عالية فيه، ويقومون بعدها بكل اللوازم والتعليم في الجامعات إذا أنشأناها في بلادنا لا بد أن نسمح معه بكل الوسائل العلمية التي يمكن أن تدخل إلى ذهن الطالب العلم بطريقة واضحة، لأن العلم النظري في مثل هذه المسائل الفنية. لا يمكن أن يستقر في الذهن كاستقرار التجارب العلمية. والضرورة تقضي بمجابهة الأمور ودراستها على حقيقتها.

ص: 257

وأنتم تعلمون أدام الله وجودكم أن ألزم ما علينا في هذه البلاد هو ديننا، والمحافظة على أوامره واجتناب نواهيه، ويأبى الله أن نرضى أو نوافق على أي شيء يخالف الدين أو ينهى الدين عنه.

ولو كانت هناك مصلحة تظهر كبر الجبال وهي مخالفة للشرع فالمضرة منها ستكون أعظم. ولكن العمل الذي تقتضيه المصلحة ولا يتنافى مع أحكام الشرع وهي بريئة فهذه هي التي نريد فيها سعة النظر والتدقيق فيها.

وهذه الأفلام وما شابهها ليست إلا لأجل التعليم، وليس فيها أي شيء من التعظيم للصور التي تعرض فيها بقصد التعليم.

ونرى أن تخصصوا هيئة تثقون بهم وتعرض نوع هذه عليهم حتى يروا أن هذه ليس فيها شيء للهو أو الطرب، إنما هي للتعليم فقط، والاستفادة منها.

أجاب الشيخ محمد بن إبراهيم على هذا بعد تأمل:

إننا لا نرى في هذا إلا المنع، لأنه أولاً: عرض صور، وإن كان لمدة قصيرة ثم تزول، ولكنه عرض لصور متحركة بالجملة.

ثانياً: أن هذا تقليد للأجانب والتقليد لا يمكن أن يأتي بفائدة للبلاد. ثالثاً: لا نجد الموضوع بلغ الضرورة التي تبيح المحظورات كحل لحم الميتة للمضطر. ومع هذا فلست متعنناً في هذا الأمر فإذا وجد من العلماء ممن يشرح الموضوع شرحاً دينياً فأنا مستعد لسماع أقواله وعرضه على ما أعلم، ولا يلزمني إلا أن أقول ما أعتقد. وقد دعا لجلالة الملك بالتوفيق لما فيه الخير للإسلام والمسلمين.

(من رئاسة مجلس الوزراء ضمن البيان السابق)

ص: 258

منع تأجيرها

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم

أيده الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

نرفع لجلالتكم بطيه الكرت الذي أعلن فيه المدعو عبد الله باقادر عن بيع وتأجير أفلام ومكائن سينمائية، وجلالتكم يعلم ما وراء ذلك من النتائج السيئة، لذلك نرجو الأمر بمعاملة هذا مما يستحقه. والله يحفظكم.

(ص 316 في 24-1-1385هـ)

الأمر السامي بمنع عرض السينما

من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة.......

المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

إشارة إلى صورة من الخطاب السامي الموجه إلى وزارة الإعلام والمعمم على الجهات الحكومية برقم 26011 في 28-12-85هـ حول منع السفور والتبرج مع أخذ التعهد على كل شخص يتم التعاقد معه باحترام أنظمة البلاد وتقاليدها السامية، وتدعيم الرقابة على الكتب بمفتشين من كبار طلبة العلم الموثوقين ممن اتسعت آفاقهم ومداركهم، وأن لا يذاع أو ينشر في الصحف إلا ما يتفق وعقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وعدم السماح بعرض السينما في الأماكن العامة مطلقاً، ومن يحاول العمل بمثل ذلك يجازى بمصادرة الأفلام والآلات الخاصة بذلك مع السجن والجلد أمام الناس. إشعاركم والعمل بمقتضاه. والله يحفظكم.

رئيس القضاة

(ص-ق 439-3-م في 10-2-1386هـ)

ص: 259

جواب سؤال

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة الإخوان المشائخ

محمد بن علي جماح وإخوانه بالمدرسة السلفية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد وصلنا خطابكم المؤرخ في 20-12-1384هـ واطلعنا على ما تضمنه من التهاني بالحج، وبعودتنا إلى الوطن بالصحة والسلام، وإن لنشر لكم هذه التهاني وهذا الشعور الحسن. بارك الله فيكم.

هذا وقد أحطنا علماً بما نبهتم عليه بصدد التليفزيون والحقيقة أن موضوعه هو كما ذكرتم، ونسأل الله أن يصرف عن المسلمين طرق الشرور ومسبباتها، إنه على كل شيء قدير. والسلام عليكم ورحمة الله.

(ملحوظة) : أما ما ذكرتم أنه بلغكم أننا سنفتتحه. فمن أين بلغكم ذلك وأنا قد دافعت دفاعاً شديداً في حماية المسلمين منه وكفه، وهذا من فضل الله عليّ ولا أزال عند موقفي في ذلك. اسأل الله أن يهدي ولاة الأمور، ويوفقهم لما فيه الخير والصلاح.

(ص-م 105 في 8-1-1385هـ)

منع المقاهي إذا كانت مقراً للهو والبطالة

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي

أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز

المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

فقد بلغني أن أناساً يدعون (آل عبيد) اشتروا قطعة أرض

ص: 260

من شمالي بيت سمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن يريدون أن يجعلوا فيها قهوة. وكما يعرف سموكم أن القهوة ستكون مقراً للهو والبطالة، وإضاعة الصلوات، وعمل المحرمات: كشرب التنباك، ولشيشة، مما يجب أن ننزه عنه البلد عموماً، وهذا المكان بالذات حيث أن يقرب بيوت آبائكم وأجدادكم ومساكنهم الطاهرة، وفي قلب البلد، فنرى منع ذلك، وصدور أمركم بإبلاغهم ذلك المنع. تولاكم الله.

(ص-م 15 في 3-1-84هـ)

الغناء والعزف لتخفيف الحزن

قوله: سواء استعمل شيء من الطرب لحزن أو سرور.

فالكل محرم. سرور يعني أنس، وطرب، وفرح.

أو: لحزن. يقصد باستعماله تلك الأمور تخفيف ذلك الحزن وفي الحديث: (تداووا، ولا تداووا بحرام)(1) . (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)(2) فإن استعمل هذه لأجل تخفيفه فهو يدخل في التداوي، وجود مرض معه أو حزن فيستعمل محرماً لا يجوز، فإنه سبب مرض القلب، فإن موت القلب نتيجة ضارة في الدنيا والآخرة والعياذ بالله، والموت الموت.

(تقرير)

(1) أخرجه أبو داود والطبراني - وتقدم.

(2)

وتقدم: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) ، أخرجه البخاري معلقاً عن ابن مسعود، ووصله الطبراني، وأخرجه أحمد وابن حبان وتقدم.

ص: 261