الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب أحكام الأقضية والشهادات
والأقضية جمع قضاء بالمد، وهو لغةً أحكام الشيء وإمضاؤه، وشرعًا فصلُ حكومةٍ بين خصمين بحكم الله تعالى. والشهادات جمع شهادة، مصدر شَهِد، مأخوذ من الشهود بمعنى الحضور. والقضاء فرض كفاية؛ فإن تعيَّن على شخص لزمه طلبه.
(ولا يجوز أن يلي القضاءَ إلا من استكملت فيه خمسة عشر) وفي بعض النسخ «خمس عشرة» (خصلة): أحدها (الإسلام)؛ فلا تصح ولاية الكافر ولو كانت على كافر مثله. قال الماوردي: «وما جرت به عادة الولاية من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة، لا تقليد حكم وقضاء» . ولا يلزم أهل الذمة الحكم بإلزامه بل بالتزامهم. (و) الثاني والثالث (البلوغ، والعقل)؛ فلا ولاية لصبي ومجنون، أطبق جنونه أو لا. (و) الرابع (الحرية)؛ فلا تصح ولاية رقيقٍ كله أو بعضه.
(و) الخامس (الذكورة)؛ فلا تصح ولاية امرأة، ولا خنثى. ولو ولى الخنثى حالَ الجهل فحكَم ثم بَانَ ذكرًا لم ينفذ حكمه في المذهب. (و) السادس (العدالة)، وسيأتي بيانها في فصل الشهادات؛ فلا ولاية لفاسق بشيء لَا شُبهةَ له فيه. (و) السابع (معرفة أحكام الكتاب والسنة) على طريق الاجتهاد، ولا يشترط حفظه لآيات الأحكام، ولا أحاديثها المتعلقات بها عن ظهر قلب. وخرج بالأحكام القصص والمواعظ. (و) الثامن (معرفة الإجماع)، وهو اتفاق أهل الحلِّ والعَقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور. ولا يشترط معرفته لكل فرد من أفراد الإجماع، بل يكفيه في المسألة التي يفتي بها أو يحكم فيها، أنَّ قوله لا يخالف الإجماعَ فيها. (و) التاسع (معرفة الاختلاف) الواقع بين العلماء. (و) العاشر (معرفة طرق الاجتهاد)، أي كيفية الاستدلال من أدلة الأحكام. (و) الحادي عشر (معرفة طرف من لسان العرب) من لغة وصرف ونحو،
(ومعرفة تفسير كتاب الله تعالى. و) الثاني عشر (أن يكون سميعا) ولو بصياح في أذنيه؛ فلا يصح تولية أصم. (و) الثالث عشر (أن يكون بصيرا)؛ فلا يصح تولية أعمى. ويجوز كونه أعور كما قال الروياني. (و) الرابع عشر (أن يكون كاتبا). وما ذكره المصنف من اشتراط كون القاضي كاتبا وجه مرجوح؛ والأصح خلافه. (و) الخامس عشر (أن يكون مستيقظا)؛ فلا يصح تولية مغفل، بأن اختلَّ نظره أو فكره، إما لكبر أو مرض أو غيره.
ولما فرغ المصنف من شروط القاضي شرع في آدابه، فقال:(ويستحب أن يجلس). وفي بعض النسخ «أن ينزل» أي القاضي (في وسط البلد) إذا اتسعت خطته؛ فإن كانت البلد صغيرةً نزل حيث شاء إن لم يكن هناك موضع معتاد تنزله القضاة، ويكون جلوس القاضي (في موضع) فسيح (بارز) أي ظاهر (للناس) بحيث يراه المستوطن والغريب والقوي والضعيف، ويكون مجلسه مصونا من أذى حَرٍّ وبرد، بأن يكون في
الصيف في مهب الريح، وفي الشتاء في كن، (ولا حجاب له). وفي بعض النسخ «ولا حاجب دونه» ؛ فلو اتخذ حاجبا أو بَوَّابا كره. (ولا يقعد) القاضي (للقضاء في المسجد)؛ فإن قضى فيه كره. فإن اتفق وقتَ حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها خصومةٌ لم يكره فصلها فيه. وكذا لو احتاج إلى المسجد لعذر من مطر ونحوه.
(ويسوي) القاضي وجوبا (بين الخصمين في ثلاثة أشياء): أحدها التسوية (في المجلس)؛ فيُجلس القاضي الخصمين بين يديه إذا استويا شرفا. أما المسلم فيرفع عن الذمي في المجلس. (و) الثاني التسوية في (اللفظ) أي الكلام؛ فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر. (و) الثالث التسوية في (اللحظ) أي النظر؛ فلا ينظر أحدهما دون الآخر.
(ولا يجوز) للقاضي (أن يقبل الهدية من أهل عمله)؛ فإن كانت الهدية في غير عمله من غير أهله لم يحرم في الأصح. وإن أهدى إليه مَن هو في
محل ولايته وله خصومة ولا عادةَ له بالهدية قَبلَها حرُم عليه قبولُها.
(ويجتنب) القاضي (القضاء)، أي يكره له ذلك (في عشرة مواضع)، وفي بعض النسخ «أحوال»:(عند الغضب). وفي بعض النسخ «في الغضب» . قال بعضهم: وإذا أخرجه الغضب عن حالة الاستقامة حرم عليه القضاءُ حينئذ. (والجوع) والشبع المفرطين، (والعطش، وشدة الشهوة، والحزن، والفرح المفرط، وعند المرض)، أي المؤلم، (ومدافعة الأخبثين) أي البول والغائط، (وعند النعاس، و) عند (شدة الحَرِّ والبرد). والضابط الجامع لهذه العشرة وغيرها أنه يكره للقاضي القضاء في كل حال يسوء خُلُقه. وإذا حكم في حال مما تقدم نفذ حكمه مع الكراهة.
(ولا يسأل) وجوبا، أي إذا جلس الخصمان بين يدي القاضي لا يسأل (المدعى عليه إلا بعد كمال) أي بعد فراغ المدعي من (الدعوى)
الصحيحة. وحينئذ يقول القاضي للمدعي عليه: «أخرج من دعواه» . فإن أقر بما ادعى به عليه لزمه ما أقرَّ به، ولا يفيده بعد ذلك رجوعُه. وإن أنكر ما ادعي به عليه فللقاضي أن يقول للمدعي:«ألك بينة أو شاهد مع يمينك؟» إن كان الحق مما يثبت بشاهد ويمين.
(ولا يحلفه). وفي بعض النسخ «ولا يستحلفه» ، أي لا يحلف القاضي المدعَى عليه (إلا بعد سؤال المدعي) من القاضي أن يحلف المدعى عليه، (ولا يلقن) القاضي (خصما حجةً) أي لا يقول لكل من الخصمين:«قل كذا وكذا» . أما استفسار الخصم فجائز، كأن يدعي شخصٌ قتلا على شخص، فيقول القاضي للمدعي:«قتله عمدا أو خطأ؟» ، (ولا يفهمه كلاما) أي لا يعلمه كيف يدعي. وهذه المسألة ساقطة في بعض نسخ المتن. (ولا يتعنت بالشهداء). وفي بعض النسخ «ولا يتعنت بشاهد» ، كأن يقول له القاضي:«كيف تحملت؟ ولعلك ما شهدت» .
(ولا يقبل الشهادة إلا ممن) أي شخص (ثبتت عدالته)؛ فإن عرف القاضي عدالة الشاهد عمل بشهادته أو عرف فسقه رد شهادته. فإن لم يعرف عدالته ولا فسقه طلب منه التزكية، ولا يكفي في التزكية قول المدعى عليه إن الذي
شهد عليَّ عدلٌ، بل لا بد من إحضار من يشهد عند القاضي بعدالته، فيقول:«أشهد أنه عدل» . ويعتبر في المزكي شروط الشاهد من العدالة وعدم العداوة وغير ذلك. ويشترط مع هذا معرفته بأسباب الجرح والتعديل، وخبرة باطن من يعدله بصحبة أو جوار أو معاملة. (ولا يقبل) القاضي (شهادة عدُوٍّ على عدوه). والمراد بعدو الشخص من يبغضه، (ولا) يقبل القاضي (شهادة والد) وإن علا (لولده). وفي بعض النسخ «لمولوده» أي وإن سفل، (ولا) شهادة (ولد لوالده) وإن علا. أما الشهادة عليهما فتقبل.
(ولا يقبل كتاب قاض إلى قاض آخر في الأحكام إلا بعد شهادة شاهدين يشهدان) على القاضي الكاتب (بما فيه) أي الكتاب عند المكتوب إليه. وأشار المصنف بذلك إلى أنه إذا ادعى شخص على شخص غائب بمال، وثبت المال عليه؛ فإن كان له مال حاضر قضاه القاضي منه، وإن لم يكن له مال حاضر وسأل المدعي إنهاءَ الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه لذلك. وفسر الأصحاب إنهاء الحال بأن يشهد