الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
الباطنية
الفصل الأول
تمهيد في بيان خطر هذه الطائفة
مذهب الباطنية من أخبث وأردأ المذاهب، وأهله من عتاة الشر وأفسد المخلوقات، وهم أعدى أعداء المسلمين قديماً وحديثاً، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى بعض عقائدهم نحو المسلمين، فذكر أن لهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة، فإذا كانت لهم مكنة يسفكون دماء المسلمين، وإن عجزوا لجئوا إلى الخطط والمؤامرات السرية ضدهم، وحينما استولوا على البحرين وصارت لهم فيه دولة عاثوا فساداً.
وكذلك حينما تمكنوا من الوصول إلى مكة والناس في الحج قتلوا الحجيج، بل حصدوهم كما تحصد الحشائش، وألقوا بجثثهم في بئر زمزم، وبعضهم دفنوهم في صحن المسجد، وبعضهم تركوهم جثثاً منثورة، ثم اقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه معهم، وقتلوا من علماء المسلمين ومشائخهم وأمرائهم وجندهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى.
وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فقد كانوا في أيام الحروب الصليبية أعظم أعوان النصارى، فلم يستول الصليبيون على السواحل الشامية إلا من جهتهم، وما دخل التتار بلاد المسلمين إلا بمعونتهم، فلقد كان النصير الطوسي
أبرز عيونهم، ولقد كان الخليفة مغتراً به.
وما أن دخل التتار بغداد حتى حرضهم النصير الطوسي على قتل الخليفة وعشرات الألوف من المسلمين، وهدم عليهم دورهم، وقتل النساء والأطفال، وسبى من أراد سبيه من نسائهم وفضحهن، وأغرق كثيراً من كتب المسلمين في نهر دجلة حتى تغير ماء النهر.
وأعظم أعيادهم هو اليوم الذي يصيب المسلمين فيه بلاء وكرب، كيوم استيلاء الصليبيين على سواحل الشام، وكيوم استيلاء التتار على بغداد.
كما كانت أعظم مصائبهم يوم أن نصر الله المسلمين على التتار والصليبيين والعبيديين.
وقد أوجز البغدادي عداوة الفرق الباطنية للإسلام والمسلمين في كلامه الآتي فقال:
((اعلموا أسعدكم الله أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل وأعظم من الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان، لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال من وقت ظهوره، لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها عن أربعين يوماً وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر)) (1) .
والسبب أن من ذكرهم البغدادي خطرهم ظاهر وعداوتهم معروفة والناس يحذرونهم بطبيعة الحال، ولكن الضرر الشديد يأتي ممن يتظاهر
(1) الفرق بين الفرق ص 382.
بالإسلام فيغتر به المسلمون، فيطعنهم من خلفهم كما هو حال الباطنية في مختلف عصورهم، وقلما تجد كاتباً من علماء المسلمين من المؤرخين وعلماء الفرق إلا وهو يذكر من أفعال هؤلاء بالمسلمين ما تقشعر له الجلود.
وقد وصف ابن كثير رحمه الله عداوتهم ووقيعتهم بالمسلمين حينما قادهم أبو طاهر الجنابي ووصلوا إلى مكة، والناس في الحج آمنون مطمئنون
…
قال عن ذلك:
((فانتهب أموالهم، واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام، في الشهر الحرام، في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام وهو يقول: ((أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا)) . فكان الناس يفروّن منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون وهم في الطواف
…
)) ) إلى أن قال:
((فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره، وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيراً منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام. وهدم قبّة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها وشققها بين أصحابه
…
)) (1) الخ ما ذكره عن جرم هؤلاء، وقد حدد بعض العلماء عدد من قتل بثلاثة عشرة ألف نسمة (2) .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أشد المحذرين من الباطنية
(1) البداية والنهاية ج11 ص 160.
(2)
كشف أسرار الباطنية ص 39.
لمعرفته الواسعة بمذاهبهم، وقد أجاب من سأله عنهم بجواب طويل جاء فيه:
((هؤلاء القوم المسمَّونْ بالنصيرية (1) هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسلوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا بنهي ولا بثواب ولا بعقاب ولا بجنة ولا بنار
…
)) .
إلى أن قال: ((فإن كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في بئر زمزم
…
)) إلى أن قال: ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار.
ومن أعظم أعيادهم إذا استولى -والعياذ بالله- النصارى على ثغور الإسلام.
ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعونتهم ومؤازرتهم، فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو النصير الطوسي، كان وزيراً لهم بالموث، وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء)) (2) .
وفي كتب الباطنية من المدح والتمجيد لهذا المجرم ما لا يستحقه. يقول
(1) ستأتي دراسة النصرية.
(2)
مجموع الفتاوى ج35 ص 149 - 152.
مصطفى غالب عنه:
((حتى أخضع هولاكو خان قلعتي ((آلموت)) ، ((ميمون دز)) فعثر على هذا الفيلسوف الكبير في مرصد القلعة، فاقتاده الجند إلى هولاكو خان، ولما مثل بين يديه أكرمه وطلب منه أن يلتحق بخدمته كوزير له، فرفض في بادئ الأمر إلا إذا أمن على أرواح وممتلكات الإسماعيلية، فوعده خيراً شريطة أن يرافقه في حملته على بغداد، وهكذا انتقل هذا الفيلسوف العظيم إلى خدمة هولاكو خان بعد أن أخذ منه العهد على المحافظة على الإسماعيلية)) .
ثم قال عن إشارته على هولاكو بقتل خليفة المسلمين:
((وبعد أن تم لهولاكو احتلال بغداد أشار عليه بأن يقتل آخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله)) .
ثم قال عن سرقته كتب المسلمين، ونهب ما شاء منها:
((واغتنم فرصة وجوده في بغداد، فجمع كل ما تمكن من جمعه من الكتب النادرة، وقيل: إن مكتبته أصبحت بعد فتح بغداد- انظر كيف يسمي تلك الفاجعة فتحاً -تضم أكثر من أربعمائة ألف مجلد)) (1) .
ولقد ظل هؤلاء على عداوتهم للمسلمين، ورغم تشتت النصيرية قديماً لكنهم ظلوا يعملون في الخفاء بنشاط، إلى أن استطاعوا الوصول إلى الحكم في سوريا في هذا العصر على حين غفلة من المسلمين، فما كان لهم همّ مثل همِّهم القضاء على المسلمين أهل السنة في سوريا وفي غيرها، وأفعالهم اليوم تعيد إلى الأذهان فعل أسلافهم قديماً.
(1) انظر أعلام الإسماعيلية ص 587 - 588.
ولهم في الحروب التي جرت بين العرب واليهود في سنة 1967م تعاون ظاهر وخفي، إذ مكنوا- كما قال المطلعون على أخبارهم اليهود من احتلال أجزاء كبيرة من سوريا -هضبة الجولان والقنيطرة- ومن الأردن ومن لبنان لقاء اتفاقيات سرية ومصالح مشتركة (1) .
ومن المؤسف أن تجد الكثير من أهل الكتب من أهل السنة قد انخدع بنفاق هؤلاء الباطنية، فصادقوهم وأمدوهم بالأموال متناسين ما تنطوي عليه نيات هؤلاء، ظانين أن تغير الأسماء قد أخرجهم عن ديانتهم وحقدهم على المسلمين.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
(1) اقرأ كتاب سقوط هضبة الجولان.