الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
زعيمهم
تنسب هذه الطائفة إلى أحد دعاة الباطنية الذين قالوا بألوهية الحاكم العبيدي، ويسمى هذا الداعي محمد بن إسماعيل، ويقال له: درزي، من أصل فارسي ويعرف بـ ((نشتكين)) (1) ، قدم إلى مصر ودخل في خدمة الحاكم ثم كان أول من أعلن ألوهية ذلك الحاكم المفتون، ولم يكن نشتكين في هذا الميدان وحده، بل كان معه ضال آخر فارسي أيضاً يسمى ((حمزة بن علي الزوزني)) من أهالي زوزن بإيران، وكان له الأثر البارز في تاريخ الدروز فيما بعد، بل هو زعيم المذهب الدرزي ومؤسسه (2) .
وقد بدأ درزي في إعلان مذهبه الهدام بتأليف كتاب أعلن فيه ألوهية الحاكم، ثم جاء به إلى أشهر مكان في القاهرة؛ الجامع الأزهر وبدأ يقرأه على الناس فأحدث ضجة يبن الناس. وثارت غيرتهم الإسلامية وأرادوا قتله فهرب- أو هربه الحاكم- من مصر إلى جبال لبنان، حيث أخذ ينشر مذهبه إلى أن هلك سنة 410هـ مقتولاً (3) .
وقد أصبح درزي هو الزعيم الذي يعترف به الدروز ويقدسونه في ذلك الوقت وخصوصاً أهل بلاد تيم الذي انتشر مذهب درزي بينهم، ولكن في
(1) ويذكر بعضهم أن اسمه منصور نشكين الدرزي.
(2)
طائفة الدروز ص 106.
(3)
انظر: طائفة الدروز ص 77.
الوقت الحاضر، نجد الدروز يلعنون درزي مع أن نسبتهم إليه، ويقدمون حمزة ويقدسونه، وسبب خلافهم على درزي وسبهم له هو موقف حمزة منه، فقد أراد درزي أن يستقل بالإمامة.
ثم كذلك تسرعه في إظهار العقيدة الدرزية التي تنادي بألوهية الحاكم قبل أن يرضى حمزة عن ذلك التوقيت لإعلانها، فقد أظهر درزي ألوهية الحاكم سنة 407هـ، بينما أحب حمزة إظهارها سنة 408هـ، وهي السنة التي كان يعتبرها الدروز أولى سني تقويمهم (1) .
إلا أن الأستاذ محمد حمزة يذكر أن الدروز يجلون درزي إلى اليوم (2) .
وينبغي ملاحظة أن الدعوة إلى تأليه الحاكم بدأت في حدود سنة 400هـ سرية، فلما أنس أشرار الدعوة من قوتهم أظهروها، وكان أول من أظهرها محمد بن إسماعيل الدرزي ((نشتكين)) ليحظى بسبق التقدم بها إلى الحاكم وتجاهل زميليه في الخيانة وهما حمزة بن علي الزوزني والحسن بن حيدرة الفرغاني كبار شياطين الدعوة الإسماعيلية، الذين استولوا على عقل الحاكم وحولوه إلى عقائدهم المجوسية الوثنية التي تجعل من الحكام آلهة.
وقد صار حمزة فيما بعد صاحب الميدان وله الكلمة النافذة والطاعة
(1) طائفة الدروز ص 74 - 75.
(2)
التآلف بين الفرق الإسلامية ص 117، ولعل محمد حمزة وهم في التفريق بين شخصين كان لهما نفس اللقب أحدهما يلعنه الدروز ويتبرءون منه، والثاني يحترمونه؛ الأول يقال له دَرَزي ((بفتح الدال والراء)) وهو محمد بن إسماعيل نشتكين الذي أعلن إلوهية الحاكم وغضب عليه حمزة. والثاني يقال له دُرْزي ((بضم الدال وسكون الراء)) وهو منصور أنوشتكين الدرزي، وقد كان هذا الرجل أحد قواد الحاكم بأمر الله، وهو الذي يجله الدروز ويحترمونه وانتسابهم إنما هو إليه، وهو خلاف ما يذكره كثير من كتاب الفرق.
انظر: إسلام بلا مذاهب ص 25 (أضواء على العقيدة الدرزية ص 6) .
التامة، حيث صارت الدولة رهن إشارته بعد أن طابت أفكاره في نظر الحاكم الذي وقف من ورائه بكل ثقله لتتم دعوى الإلوهية والتقمص الإلهي في شخصه.
ولم ينس حمزة أن يخص نفسه بعدة ألقاب وصفات لم يسبغها حتى الأنبياء على أنفسهم، فهو ((الآية الكبرى، وآية التوحيد، وآية الكشف، والعقل الكلي، والإرادة، وعلة العلل، وذو (1) معه)) (2) .
كما أنه ((هادي المستجيبين، وإمام الزمان، وقائم الزمان، والمنتقم من المشركين لسيف مولانا)) (3) ، ثم ادعى أنه هو نفسه سلمان الفارسي في عصر الحاكم عن طريق التناسخ (4) ، وأنه هو الذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم حينما كان في دور سلمان. إلى آخر ما جاد به من أوصاف عالية لشخصه الذي سيلاقي من الله ما يستحقه من الجزاء العادل في يوم القيامة، اليوم الذي لا يؤمن به حمزة ومن هم على شاكلته ممن طبع على قلوبهم.
وقد جاء في كتاب لحمزة بعث به إلى قاضي القضاة في زمنه، ويسمى أحمد بن محمد بن العوام جاء في أول الكتاب: ((توكلت على أمير المؤمنين جل ذكره، وبه أستعين في جميع الأمور، معل علة العلل صفات بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد أمير المؤمنين ومملوكه حمزة بن علي بن أحمد هادي المستجيبين المنتقم من المشركين بسيف أمير المؤمنين وشدة سلطانه ولا معبود
(1) أي دائماً مع المعبود.
(2)
طائفة الدروز ص 112.
(3)
المصدر السابق ص 77.
(4)
الحركات الباطنية ص 217.
سواه إلى أحمد بن محمد بن العوام الملقب قاضي القضاة)) (1) إلخ الكتاب الذي ملأه بالسب والشتم والاستهزاء بهذا القاضي؛ بسبب امتناعه عن الدخول تحت عبادة الحاكم. ثم بين حمزة نتيجة امتناع هذا القاضي بقوله:
((وقد أرسلت إلى القاضي عشرين رجلاً ومعهم رسالة رفعت نسختها إلى الحضرة اللاهوتية (2) فأبى القاضي واستكبر وكان من الكافرين، واجتمعت على غلماني ورسلي الموحدين لمولانا جل ذكره زهاء مائتين من العسكرية والرعية، وما منهم رجل إلا ومعه شيء من السلاح، فلم يقتل من أصحابي إلا ثلاثة نفر وسبعة، رجلاً من الموحدين في وسط مائتين من الكافرين (3) فلم يكن لهم إليهم سبيل حتى رجعوا إلى عندي (4) سالمين)) (5) .
ويبدو من رسالته هذه ضحالة فكره وجهله المشين بالدين الإسلامي وباللغة العربية، وقد كانت آخر حياته أن اختفى بعد موت الحاكم وظل مختفياً إلى أن مات سنة 430هـ.
* * * * * * * * * * * * * * * * **
(1) انظر: طائفة الدروز ص 78.
(2)
يعني الحاكم.
(3)
الذين لم يؤمنوا بالحاكم رباً لهم.
(4)
ضعيف في اللغة العربية وفي العلم.
(5)
انظر: طائفة الدروز ص79.