الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: اعتقادهم في التكاليف الشرعية:
يتميز مذهب الباطنية بأنه من أشد المذاهب استحلالاً للمحرمات، وأوغل في الإباحية البهيمية، وأكثر تفلتاً عن القيام بالتكاليف الشرعية وتبرماً منها، مع أنهم لا يتظاهرون أمام العامة بترك التكاليف إلا فيما بينهم.
وأما ظاهر مذهبهم فهو لزوم القيام بالتكاليف، بل وأحياناً بعضهم يبالغ في إيجاب أشياء لم تجب ليظهروا بمظهر الزهاد والعباد، وليستفيدوا من جهة أخرى، إرهاق الناس بكثرة التكاليف لتضيق صدورهم بها.
وفي مقابل ذلك يركز هؤلاء الفجار على مسامع الناس أن الخروج من تبعة هذه التكاليف أمر ميسر لكل أحد أراده.
وحينما يشتاق الشخص إلى معرفة هذا الأمر لا يجودون به عليه إلا بعد مراحل واختبارات عديدة ليشعر المدعو فعلاً أنه قد وصل إلى السر بعد تعب واجتهاد.
ومعرفة هذا السر يكون بطلب التابع لهم رتبة الكمال في العلوم التي تؤخذ -بشرط- من نواب الإمام المعصوم المستور. وعلى الشخص أن يجتهد ويسعى في العبادة في أثناء تلقيه لذلك إلى أن يصل إلى رتبة الكمال- وهي في الحقيقة رتبة منتهى الجهل والغفلة-، محباً للشهوات والفواحش على حد ما أخبر به النوبختي، حيث قال وهو يعدد عقائد الباطنية:
((وإن الله تعارك وتعالى جعل لمحمد بن إسماعيل جنة آدم صلى الله عليه وسلم، ومعناها عندهم الإباحية للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا، وهو قول الله عز وجل: {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} (1)) (2) .
(1) سورة البقرة: 35
(2)
فرق الشيعة ص 95.
هذا بالإضافة إلى أنهم يعمقون في ذهن الشخص أن القيام بهذه التكاليف والمنع والإباحية إنما تستهدف من ورائها فائدة واحدة وهي استنهاض همة القلب ليصل إلى معرفة بواطن هذه الأمور، فإذا لم يكن كذلك فإن عليه أن يبقى في عداد الجهال الذين هم مثل الحمير التي لا يمكن رياضتها إلا بالأعمال الشاقة (1) .
في زخرف من القول أخذوه من شتى المذاهب، حيث أخذوا من كل مذهب شرّ ما فيه.
ولقد كان للرافضة عليهم فضل كبير، فقد أخذوا عنهم فكرة الإمام المعصوم المستور، وأنه لا حق إلا ما خرج عن الأئمة، وكذا تحريف الآيات على حسب هواهم، ودعوى وجود الإمام الصامت والناطق، ونسخ الشريعة الإسلامية بمجيء مهدي الشيعة ومجيء الإمام السابع من الأئمة المستورين عند الباطنية، وأشياء كثيرة لا تخفى على القارئ الكريم، وقد ذكر أكثرها في دراستنا للشيعة سابقاً.
فهذا الكليني يفسر قول الله تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (2)، عن موسى بن جعفر أنه قال:((البئر المعطلة الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق)) (3) .
والوالدين اللذين ذكرهما الله في قوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (4)، فسرها الكليني فيما يزعم عن عليّ رضي الله عنه قال: ((الوالدان اللذان
(1) انظر فضائح الباطنية ص 47، وانظر فرق الشيعة للنوابختي ص 96
(2)
سورة الحج: 45
(3)
الكافي ج1 ص 353.
(4)
سورة لقمان: 14
أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم وورثا الحكم وأمر الناس بطاعتهما)) (1) .
وعن الظاهر والباطن في النصوص يقول الكليني: ((إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق)) (2) .
وللطوسي في كتابه ((الغيبة)) مثل هذا التأسيس الباطني (3) ، بل وبالغ الطوسي، وافترى -كما يبدو- على جعفر بن محمد أنه قال:((حقيق على الله أن يدخل الضلال الجنة، فقال زرارة: كيف ذلك جُعلت فداك؟ قال: يموت الناطق، ولا ينطق الصامت، فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة)) (4) .
وإذا كان على حسب هذه الرواية كل من مات بين موت الناطق وسكوت الصامت (أي بين موت الرسول صلى الله عليه وسلم وسكوت علي) فكان ينبغي على الشيعة أن يقولوا بدخول الصحابة جميعهم الجنة وهم لا يقولون بذلك، وهذا جزء من تناقضهم، وهو من الأدلة على رغبتهم في تأسيس المذاهب الهدامة التي تخرج المسلم عن دينه.
ولقد انتفع الباطنيون كثيراً بمثل هذه الاعتقادات التي كوَّنوا منها ومن غيرها مذهبهم الرديء الذي خرج بسببه الآلاف المؤلفة من الناس عن دينهم.
* * * * * * * * * * * * * ** **
(1) الكافي ج1 ص 354.
(2)
الكافي ج1 ص 305.
(3)
انظر كتاب الغيبة ص96
(4)
كتاب الغيبة ص277.